مرزوق الغانم يمثل حالة عروبية في زمن عربي رديء

حجم الخط

بقلم راسم عبيدات

 

 أنا أدرك تماماً بان رئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم ليس "جيفارا"،ولا يمثل حالة جيفارية عربية، ولكن الحالة العربية ليست سوية،ولا تشهد نهوضاً لا وطنياً ولا قومياً،بل هي حالة تغرق في مشاكلها وهمومها الداخلية،وجزء كبير من دول النظام الرسمي العربي،يدور في إطار وفلك التبعية لأمريكا والقوى الإستعمارية،ولا يمتلك لا لإرادة ولا قرار سياسي...صحيح النظام الرسمي العربي منهار ومتعفن و"عاري" ولكن هناك تمايز في المواقف من القضية الفلسطينية والقضايا العربية،فعلى الصعيد الفلسطيني الكويت لديها مواقف تثمن لجهة الدعم السياسي والإغاثي والمالي وكذلك إستيعاب العمالة  والكفاءات التعليمية والعلمية الفلسطينية،منذ ارسل مفتي القدس الحاج امين الحسيني عام 1936 طلائع المعلمين من شعبنا للتعليم في الكويت،وكذلك ما بعد النكبة عام 1948 تدفق اللاجئون الفلسطينيون من الاردن ومصر وسوريا للعمل في الكويت ...وبلغ عدد الفلسطينيون هناك 1/5 من سكان الكويت المليونيين،،صحيح بأن غزو العراق للكويت القى بظلاله على العلاقات الفلسطينية - الكويتية ،وبان هناك قوات أمريكية على الأراضي الكويتية،ولكن في القضايا العربية والفلسطينية فالكويت تتميز عن بقية المشيخات الخليجية العربية،وأغلب دول النظام الرسمي العربي ،فلم تكن جزءاً من الحرب العدوانية على سوريا ولا على اليمن ولا على ليبيا ....وفلسطينياً قيادة فتح ابا عمار وابا جهاد اعلنوا انطلاق حركة فتح من هناك وكذلك حركة القوميين العرب تمتعت بحضور جيد في الكويت،وكان لديها هامش كبير من الحريات الصحفية  والشخصية،ويكفي أن نذكر بأن الشهيدان ناجي العلي وغسان كنفاني،ممن عملوا في الصحافة والثقافة والتعليم في الكويت،ولم يجر مضايقتهم ومساءلتهم،ولعل كاريكاتير الشهيد ناجي العلي اليومي في صحيفة السياسة الكويتية،والذي كان ينتقد فيها بشكل حاد الأنظمة الرجعية العربية ومواقفها من القضية الفلسطينية،لو كان ينشر في أي صحيفة عربية تابعة للنظام الرسمي العربي،فعلى أقل تقدير لقضى الشهيد الراحل سنوات من عمره في سجون النظام،او ربما تم إعدامه.

في حكمنا على أي نظام عربي ومواقفه وسياساته المتعلقة بقضيتنا الفلسطينية والعلاقة مع المحتل الصهيوني والأمريكان،علينا ان نتعامل بالتحليل الملموس للواقع الملموس...

فرئيس مجلس الأمة الكويتي مرزوق الغانم في اجتماع البرلمانات العرب في عمان امس السبت 8/2/2020 عبر عن موقف قومي عروبي،بالقائه أوراق صفعة العصر الأمريكية في سلة المهملات كتعبير عن مكانها الطبيعي،في الوقت الذي قال فيه البرهان السوداني "المؤمن" والذي دمعت عيناه،بأنه استخار الله قبل لقاء نتنياهو،ولم يشعر بالرهبة عندما صافحه.

 كل هؤلاء الرؤوساء "المؤمنين" والذين استخاروا الله في علاقاتهم التطبيعية مع دولة الإحتلال والتبعية لأمريكا،أوصلوا شعوبهم الى حالة غير مسبوقة من الفقر والجوع والجهل،وأبناء شعوبهم لم يتذوقوا طعم العسل واللبن الموعودين،بل زادت اوضاعهم الإقتصادية تدهوراً،وأرتفعت أسعار البضائع والسلع والخدمات بشكل جنوني،وزادت التبعية لمؤسسات النهب الدولية من صندوق نقد وبنك دوليين،وأرتفع حجم احتياط الدين العام بأرقام فلكية،فعلى سبيل المثال لا الحصر،مصر بعدما استخار رئيسها الراحل السادات ربه،وأستحضر الآية الكريمة" وإن جنحوا للسلم فاجنح لهم وتوكل على الله"، وذهب الى "الكنيست" البرلمان الإسرائيلي،ووقع إتفاقية "كامب ديفيد" في واشنطن وبحضور امريكي مع مناحيم بيغن، التي أعادت لمصر صحراء سيناء بشروط مقيدة،نجد اليوم بأن صحراء سيناء تمثل مرتعاً خصباً للجماعات الإرهابية متعددة الإنتماءات و"المافيات" والعصابات التي تقوم بعمليات التهريب للمخدرات والسلاح والبضائع والبشر،وليصل الدين المصري  الى 270 مليار دولار،والسادات الرئيس "المؤمن"  هذا هو صاحب نظرية 99% من أوراق الحل بيد أمريكا ومستدخل ثقافة الهزيمة وما يسمى بالعقلانية والواقعية العربية،التي ترى في المقاومة العربية والفلسطينية كنهج وخيار وثقافة،خطر على الأمة العربية ومصالحها وأمنها القومي ...وليتبعه على هديه ونهجه رئيس وزراء مشيخة قطر السابق حمد بن جاسم صاحب ثقافة" الإستنعاج"،في معرض رده على المطالبين للعرب بالتدخل لوقف الحرب العدوانية الإسرائيلية على لبنان وحزب الله في تموز2006،قال :-  بأن العرب "نعاج" وليس لديهم القدرة على محاربة الذئب الإسرائيلي،ويبدو بان السودان صار على نهجهم ولربما كان سباقاً في التطبيع من عهد زعيم "حزب الأمة" السوداني الصديق المهدي والد زعيم هذا الحزب اليوم الصادق المهدي،والذي سعى للعلاقات مع اسرائيل من اجل مقاومة ضغوط الأحزاب التي تنادي بالوحدة مع الرئيس الراحل جمال عبد الناصر،حسب المقالة التي كتبها الصحفي الإسرائيلي "يوسي مليمان" في جريدة "هارتس" الإسرائيلية،والأمور لم تقف عند المطبع الصديق المهدي،بل سار على دربه ونهجه الرئيس جعفر النميري الذي لعب دوراً هاماً في تهريب اليهود " الفلاشا،ومن بعده جاء المشير سوار الذهب الذي شذ عن القاعدة ولم يكن لديه علاقات تطبيعية مع الإحتلال.

أما الرئيس عمر البشير صاحب السيف والعصا الذي قسم السودان وفرط بكرامته وامنه القومي وجوع شعبه وتأمر على مصالح الأمة،وأرسل جنود السودان وقوداً لحرب عدوانية شنتها وتشنها مشيخة آل سعود على فقراء وأطفال اليمن مقابل حفنة دولارات ويوروهات،وكذلك هو من غدر بمحور المقاومة،وعندما جرى اتهامه بإرتكاب جرائم تطهير عرقي،غير وجهته ومواقفه نحو السعودية واسرائيل،لكي يحمي رأسه ومصالحه،والإستخارة لم تقتصر على حكام السودان ومصر،فمن استخاروا في الأردن وفلسطين،وصلوا الى ما وصل إليه المصريين والسودانيين،فالأردن تعيش اوضاع اقتصادية غاية في الصعوبة من بعد اتفاقية وادي عربه،حيث الغلاء الفاحش والأوضاع الإقتصادية المتردية،والتبعية لمؤسسات النهب الدولية،وإحتياط الدين يصل الى 42 مليار دولار،والسلطة الفلسطينية من بعد كارثة اتفاقية اوسلو،الشعب الفلسطيني،بأت رهينة مؤسسات النهب الدولية،والشعب والوطن جرى تقسيمهما،ومن بعد إعلان صفقة القرن الأمريكية،مسلسل الإستخارات التطبيعية العربية متواصلة وبوتائر غير مسبوقة،فالمغرب تشتري السلاح الإسرائيلي،والإمارات والبحرين وعُمان حضوراً في اعلان صفقة القرن الأمريكية،وجهود كبيرة تبذلها أمريكا لعقد لقاء لكل المطبعين العرب في مصر الى جانب اسرائيل وأمريكا يتقدمهم المحمدين رواد وقادة  التطبيع بن سلمان وبن زايد.

أصحاب نظرية الهزيمة " والإستنعاج"  والإستخارة،مدرسة كاملة في الساحتين العربية والفلسطينية ....تحية للكويت قيادة وبرلماناً ومؤسسات وشعباً على مواقفها العروبية والرافضة لصفقة القرن الأمريكية ولنظريات الإستخارة التطبيعية، وتحية لرئيس  مجلس الأمة الكويتي مرزق الغانم، الذي يمثل حالة عروبية قومية في زمن عربي رديء ومهترىء ونظام رسمي منهار ومتعفن،والغانم له العديد من المواقف العروبية المشرفة،فقد سبق موقفه الأخير بتمزيق أوراق صفقة القرن الأمريكية وإلقائها في سلة المهملات كتعبير عن مكانها الطبيعي،نحن نتذكر موقفه في شهر اكتوبر/ 2017 عندما عقدت الدورة 137 لإتحاد البرلمان الدولي في سانت بطرسبرغ بروسيا خاطب مندوب دولة الإحتلال انذاك المتطرف "داني دنون" قائلاً : ": “إن ما تُمارسه إسرائيل هو إرهاب الدولة، ويَنطبق على هذا الغاصب المثل القائل: “إن لم تستحِ فافعل ما شِئت”، ووجّه رئيس مجلس الأمّة الكويتي الكلام للوفد الإسرائيلي مُخاطباً إيّاه: “عليك أيها المُحتل الغاصب أن تحمل حقائبك، وتخرج من القاعة بعد أن رأيت ردّة فعل برلمانات العالم، وأضاف مُخاطباً رئيس الوفد الإسرائيلي: “أُخرج من القاعة إن كان لديك ذرّة من كرامة، يا مُحتل، يا قتلة الأطفال”، وبالفعل غادر وفد الكيان الصهيوني المُحتل القاعة.