أمن فلسطيني مقابل أمن عربي

حجم الخط

بقلم: سوسن الشاعر

 

تمر القضية الفلسطينية بأحرج مراحلها وأصعبها على الإطلاق، وذلك حين تقاطعت الحلول المعروضة على الفلسطينيين مع الأمن القومي لبعض الدول العربية، وذلك وضع لم يحدث من قبل. ولسنا في وارد الحديث عن المتسبب في وصولنا لهذا، فذلك شرحه يطول، ويتحمل جل العرب - وأولهم الفلسطينيون - مسؤوليته.

للمرة الأولى يصبح الحل المعروض على الفلسطينيين مرتبطاً مع حلول أمنية لدول عربية أخرى، مما يظهر نقاط الاختلاف العربي - العربي بشكل واضح.

فنحن في مرحلة تقاطعت فيها القضية الفلسطينية مع الموقف الدولي من إيران مثلاً، والموقف الدولي من تركيا، كدول لها أطماع في المنطقة، بعد أن كانت القضية الفلسطينية تتقاطع مع الأمن القومي لإسرائيل فحسب. ولكن نتيجة لتمدد إيران وتركيا وتوسعهما أصبح هذا الاقتراب متقاطعاً مع الحلول المعروضة للفلسطينيين، ومنها «صفقة القرن».

قد لا تكون تلك التقاطعات مكتوبة على ورق ضمن الصفقة، ولكن من قدَّمها - وهو الرئيس ترمب - يخوض مع دول عربية معركة للحد من النفوذ الإيراني، وهي معركة أمن قومي بالنسبة لفريق عربي، لا يمكن التنازل أو التهاون فيها.

هذا الفريق تتقاطع مصلحته مع فريق يرى أن على جميع العرب التغاضي عن أطماع هاتين الدولتين (إيران وتركيا) والتركيز على القضية الفلسطينية، والبعض الآخر يرى أن هاتين الدولتين تتخذان من تلك القضية جسراً لتعبر به للإخلال بأمنها وإيقاع الضرر به، ولا بد من اتخاذ موقف حازم تجاه أطماعهما.

كل العرب بلا استثناء يدعمون حق الفلسطينيين في تقرير مصيرهم؛ لكنهم اختلفوا على أدوارهم تجاه هذه القضية؛ ففريق يرى أنه على جميع المواطنين العرب ركن استحقاقات التنمية والأمن، وكل ما يتعلق بمصالحهم المستقبلية جانباً، إلى حين تقرير الإخوة في فلسطين الاتفاق على مصيرهم، وتحديد ماذا يريدون بالضبط. ومن يهتم بأي قضية تنموية أو أمنية خارج نطاق مصلحة الشعب الفلسطيني فهو خائن للقضية وعميل، في حين يرى فريق آخر أن المسألة فلسطينية خالصة بين الفلسطينيين بعضهم مع بعض، وأنهم لن يتأخروا عن دعم أي اتفاق يتوصل إليه الفلسطينيون، ولكنهم سيمضون قدماً لتحقيق مصالحهم الأمنية، بما فيها التعاون مع الإسرائيليين - إن استدعى الأمر - لصد الاعتداءات الإيرانية أو التركية أو غيرها.

تقاطع العرب واختلفوا في تصنيف علاقتهم مع إيران؛ ففريق يعتبر إيران عدواً، وخصماً، ومعتدياً، ومحتلاً، لم يترك عملاً عدوانياً إلا وارتكبه ضدهم، وما زال يشكل تهديداً لهم، ويتوافقون مع قرار العقوبات الاقتصادية، أو أي قرار يردع الخطر الإيراني، كضرب القواعد الإيرانية في سوريا، في حين أن الفريق الآخر لم يكتفِ بتحديد سلم الأولويات لكل العرب تجاه فلسطين؛ بل لم يتوانَ عن التحالف مع إيران ودعمها، ويرى فيها شريكاً استراتيجياً، بمن فيهم فصيل فلسطيني!

وفي حين تدخلت تركيا في أفريقيا مهددة أمن مصر وليبيا، رفعت قميص فلسطين متاجرة به، فانقسم العرب تجاه هذه الدولة؛ طرفاً يراها صادقة في الدفاع عن الحق الفلسطيني، وآخر يراها دولة ذات أطماع تهدد أمن دولته.

وخذ مثالاً آخر، وهو السودان، حيث التقى رئيس مجلس السيادة السوداني الفريق أول عبد الفتاح البرهان مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو؛ لأنه أراد أن يكون السودان بالنسبة له أولاً، وقبل أي قضية أخرى، مما أغضب المحور الفلسطيني.

في هذه التقاطعات، لم يتعظ الإخوة في فلسطين من دروس مروا بها دفعوا ثمنها غالياً؛ حين أقحموا أنفسهم في خلافات عربية - عربية، واصطفوا مع فريق دون آخر. ارتضوا أن يكونوا بيادق في خلاف عربي - عربي، بعيداً عن قدسهم ومدنهم الفلسطينية، واليوم تراهم من جديد يكررون الأخطاء ذاتها؛ حين يصر فريق فلسطيني على التحالف مع إيران ومع تركيا، في الوقت الذي يخوض فيه محور عربي معركة مصيرية مع هاتين الدولتين، ويغضب من أي دولة عربية تضع مصالحها قبل أي مصلحة أخرى!

المشكلة الأخطر أن جميع التدخلات الفلسطينية السابقة في الصراعات العربية - العربية، لم تكن القضية الفلسطينية على المحك للتقاطع مع حل الخلاف بين تلك الدول، إنما اليوم اختلف الوضع، بعد أن ارتهنت القضية برمتها مقابل الأمن القومي لدول عربية أخرى. فتجد العلاقات العربية مع صاحب المبادرة الأحدث من الحلول المعروضة للقضية الفلسطينية - وهو الرئيس ترمب - متباينة ومتناقضة، بين دول تراه صديقاً يخدم مصالحها، وأخرى تراه خصماً يتعارض مع مصالحها.

بالاتفاق مع "الشرق الأوسط