«بني بيغن لن يصوت لليكود»، أعلن احد أفلام «أزرق أبيض» على التويتر. بني بيغن قد لا يصوت، ولكن من شبه المؤكد ان مناحيم بيغن بالذات سيصوت، وكان سيدفع الى الامام بالترحاب الانجازات السياسية لرئيس الوزراء نتنياهو. بيغن الاب كان من تلاميذ زئيف جابوتنسكي، الذي وضع سياسة «الحائط الحديدي»، والتي تبناها أيضا رئيس الوزراء الأول وزعيم «مباي»، دافيد بن غوريون.
قلب مخطط الرئيس ترامب رأسا على عقب الاساس الفكري الذي كان مقبولا حتى الآن في المفاوضات لإنهاء النزاع، ومن الآن فصاعدا فإن الاعتراف بحقنا في البلاد وحقنا في امن لا مساومة فيه هما شرط لازب قبل كل اتفاق. بمفاهيم عديدة، فإن المبادئ التي يغرسها مخطط ترامب تعيد الى البحث في النزاع مع العرب، الذين اصبحوا في هذه الاثناء فلسطينيين، «مبادئ الحائط الحديدي».
لقد توقع جابوتنسكي الرفض الثابت من جانب الفلسطينيين لكل فكرة السيادة اليهودية في حدود بلاد إسرائيل. وما كان بحاجة الى منظمات السلام كي يعترف بالمشاعر القومية للعرب. فقد كان اعترافه واضحا: «كل شعب من سكان البلاد (تعبير يميزهم عن «اصحاب البلاد»)... يرى في بلاده وطنه القومي وهناك يريد أن يكون رب البيت المطلق... وهو لن يسمح بارادته الطيبة بادارة اقتصاد البيت، ليس فقط لاصحاب بيت جدد بل وحتى لشركاء جدد».
ولكن جابوتنسكي يعرف ايضا ان الصدام بين الموقف العربي والصهيونية محتم. فلا يمكن للصهيونية أن تعرض «اي تعويض عن بلاد إسرائيل» وتعيش فقط «برعاية قوة واقية... «حائط حديدي»، لا يكون بوسع السكان المحليين اختراقه». ان «الحائط الحديدي» جدير بأن نفهمه كمبدأ يسعى الى الاتفاق. في مقالة «عن الحائط الحديدي» (1923) يصف الظروف التي «يبدأ فيها العرب التفاوض معنا بصدق في مسائل عملية، مثل اعطاء الضمانة ضد دحر اقدامهم من البلاد، او في موضوع مساواة الحقوق، او بشأن كيان قومي مستقل».
لقد أمل جابوتنسكي «في أن نتمكن من اعطائه ضمانات كهذه... ويتمكن الشعبان من أن يعيشا الواحد الى جانب الآخر بسلام». ولكن رؤياه، التي تطالب بالمساواة لكل انسان وقومية، لم تختبر ابدا بالمطلب اليهودي «ببلاد إسرائيل لذاتها». لقد فهم جابوتنسكي ان موافقة العرب ستتحقق كنتيجة للحسم فقط. حسم يفترض أن يكون مترجما الى انعطافة صادقة في الوعي فيها «يسلمون بالقدر، ويجتهدون حتى لأن يفهموا العدالة التاريخية لهذا القدر».
مثلما في خطة القرن، فإن «الحائط الحديدي» لم تأت لإنتاج مفاوضات بين أعداء. فقد جاءت لتنتج مفاوضات مع عدو قرر أن يكف عن ان يكون عدوا، لأنه استوعب حق الشعب اليهودي في وطنه. مخطط ترامب وكذا جابوتنسكي يتفقان ان تجاهل ضرورة الانعطافة في الوعي الفلسطيني، والتي تتضمن نهاية للعداء، للتحريض ولـ»الإرهاب»، كشرط لكل اتفاق ليس أخلاقيا، ويضمن مسبقا فشلا محملا بالمصيبة – ولا يهم كم جنرال يؤيدون هذا.
لقد ذكر السلوك السياسي الذي يخاطر بالتداعيات الهدامة جابوتنسكي «بحالة نموذجية فكر فيها مفكرون وسياسيون يهود... بأن واجبهم ان يؤيدوا بكل طريقة ممكنة تطلعات احد الشعوب المستعبدة في روسيا القيصرية»، الذي «في الوقت الذي اجتهد فيه لأن يحقق حكما ذاتيا، اعلن على الملأ بأنه سيستخدمه كي يقمع اليهود بقوة اكبر». من ناحية جابوتنسكي، لم يكن شك بأن «هذا ليس اخلاقا بل فساد». مخطط ترامب، مثل «الحائط الحديدي» لن يسمح لكيان معادٍ وداعمٍ لـ»الارهاب» أن يحقق تطلعات قومية. بل العكس، يطالب بعلاقات جيرة طبيعية مثلما هو دارج في أسرة الشعوب.
ان الحكم الفلسطيني المستقل الذي يوجد في خطة ترامب ويسمى «دولة فلسطينية»، لا يشبه على الاطلاق الرؤيا السياسية الثانية في الاساسات الفكرية القديمة. يدور الحديث عن حكم ذاتي مجرد من السلاح، نوع من «الكيان القومي المستقل»، الذي يقبل بالسيادة اليهودية في «بلاد إسرائيل»، ويتعهد بأن يثبت بأن وجهته السلام. فكرة مشابهة كهذه بحثت في اتفاق السلام الذي وقعه مناحم بيغن مع مصر وهو الإمكانية الوحيدة التي كان جابوتنسكي مستعدا لأن يبحث فيها، حين تتوفر شروط «الحائط الحديدي».
صحيح أنها اصبحت رياضة معتادة التذمر من «الليكود» من أن مناحم بيغن او جابوتنسكي ما كانا لينضما الى «الليكود»، ولكن من المعقول أكثر أن بن غوريون ما كان سيجد مكانه في احزاب الوسط – اليسار 2020.
عن «إسرائيل اليوم»
*خبيرة في الفلسفة العربية واليهودية وعضو إدارة معهد جابوتنسكي.
