"صفقة القرن": أكذوبة الترانسفير ..

حجم الخط

بقلم: آدم راز


أدت فقرة واحدة في «صفقة القرن» إلى التشويش على مفاهيم اليسار الإسرائيلي. ففي هذه الفقرة تقترح الإدارة الأميركية نقل قرى المثلث، بدءاً من كفر قاسم في الجنوب وحتى أم الفحم في الشمال، إلى الدولة الفلسطينية في إطار اتفاق لتبادل الأراضي. يتوقع أن يكون تبادل الأراضي جزءاً من حل شامل للنزاع. صحيح أنه لم تتم الإشارة هناك إلى بلدات يهودية، ولكن لأن هذه الأفكار كانت لأشخاص من اليمين ومن اليسار في العشرين سنة الأخيرة، ولأنه مع ذلك توجد مقتضيات جغرافية، يمكن الافتراض بأن عدداً من البلدات اليهودية سيتم نقلها أيضاً للدولة الفلسطينية.
أعيش في كتسير، التي تقع في شمال برطعة وشرق عرعرة قليلاً. لذلك فإن منزلي أيضاً سيتم نقله إلى وراء الحدود المتخيلة، وأيضاً المدرسة في كفر قرع التي يتعلم فيها أولادي.
سارع الكثيرون في اليسار اليهودي والعربي إلى التنديد بهذه الخطوة. عضو الكنيست، يوسف جبارين (القائمة المشتركة)، قال: إنه «في أساس أفكار الترانسفير يوجد هدف عنصري وهو خفض عدد المواطنين العرب وإضعاف مكانتهم والمس بنضالهم من أجل المساواة» («هآرتس»، 1/2). وينيف ساغي، رئيس إدارة «ميرتس» أوضح أن الأمر لا يتعلق بـ «ترانسفير فردي»، بل بـ «ترانسفير جماعي... يعمل على رمي المواطنين من دولتهم» («غلوبوس»، 2/2). وزهافا غلئون أشارت إلى أن الحديث يدور عن اقتراح للترانسفير، ومن هنا يأتي سحب الجنسية («هآرتس»، 6/2). ورجل التعليم شولي ديختر أوضح أن «اقتراح حرمانهم من الجنسية سيلزم من يطالبون بذلك ذكر وسائل نقلهم إلى الحدود. وهذا أمر مبالغ فيه» («هآرتس»، 2/2). وهناك كثيرون تحدثوا بهذه الروحية.
أنا مثلهم أيضاً أعارض إخراج أراضي قرى المثلث من دولة إسرائيل. ولكني لا أرى مثلهم في هذا الاقتراح أي أمر يذكر بالترانسفير بمعناه المعروف في الخطاب الإسرائيلي. لا يدور الحديث عن دلالات لفظية لسببين. السبب الأول، لأن مفهوم «الترانسفير» هو مفهوم له مضمون محدد في التاريخي الإقليمي، والسبب الثاني، لأنه في النضال من أجل إنهاء النزاع يجب علينا التدقيق في المفاهيم، إزاء خصومنا السياسيين وإزاء أنفسنا.
في الخطاب الدارج يوجد نوعان من الترانسفير. الأول، نقل السكان من دولة إلى دولة أخرى مع الأراضي التي يعيشون فيها، وذلك على الأغلب في إطار اتفاق. وهناك أمثلة قليلة على مثل هذا الترانسفير، مثل نقل منطقة شلزفيغ هولشتاين من سيادة الدانمارك إلى سيادة ألمانيا بعد الحرب في العام 1864، وإلغاء الحكم الذاتي لفرنسا والذي ساد منذ اتفاق فرساي في منطقة السار وضمها إلى ألمانيا في العام 1957. الثاني، المعروف أكثر في منطقتنا، هو طرد السكان بالقوة. والمثال الواضح هو إخلاء القرى والمدن في حرب العام 1948. هناك أنواع أخرى من الترانسفير، ولكن إذا اخترنا استخدام هذا المفهوم فإن هذين المعيارين متميزان ومتناقضان.
في حالتنا لا يوجد أي ترانسفير بالقوة. ولكن الكثيرين الذين ردوا على ذلك يستخدمون هذا المفهوم هنا أيضاً. سليم بريك، المحاضر في العلوم السياسية، كتب أن خطة ترامب هي صيغة من خطة «حفرفيرت» من العام 1956 التي كان هدفها طرد سكان القرى المثلث إلى الأردن («هآرتس»، 3/2). ولكن في حينه كانت توجد نية لطرد مجموعة سكانية، وهنا يدور الحديث عن اتفاقات بين كيانين سياسيين هما إسرائيل والسلطة الفلسطينية.
لا تتحدث الفقرة المذكورة في الخطة عن الترانسفير. وأيضاً لا يوجد فيها أي ذكر للأبارتهايد، وهو المفهوم الذي يتم ذكره كثيراً، مؤخراً. ونظام تصاريح الحركة والعمل وحظر التجول الليلي ودوريات الشرطة الدائمة، كل ذلك يعتبر أبارتهايد. والحكم العسكري الذي تم فرضه على عرب البلاد حتى العام 1966 هو مثال على هذا النظام. في حينه لم يكن باستطاعة المواطنين العرب اختيار مكان سكنهم، وقد تم إملاء الأمر عليهم من قبل السلطات. ورغم ذلك، في الوقت الحالي المواطن الذي يعيش في المثلث يمكنه أن يحزم أمتعته وأن يبحث عن مكان آخر في الدولة. وإذا كانت العائلات العربية في كفر قرع لا تريد أن تكون جزءاً من الدولة الفلسطينية فيوجد لها خيار – من ناحية قانونية – أن تنقل مكان سكنها مثلما هذا الخيار مفتوح أمام عائلتي. في نظام أبارتهايد لم يكن بالإمكان فعل ذلك. هكذا يمكن الافتراض بأن مئات العائلات التي تعيش في كتسير ستنتقل إلى داخل حدود دولة إسرائيل، ولن تختار أن تكون من سكان فلسطين. لذلك، الادعاء بأن الخطة تفرض «سحب الجنسية» غير صحيح.
في العشرين سنة الأخيرة، تم إعطاء تأكيدات كثيرة في مختلف الاقتراحات على نقل قرى المثلث لدولة فلسطين. ولكن معظم هذه الاقتراحات لم تطرح سحب الجنسية الإسرائيلية من الفلسطينيين أو اليهود الذين يعيشون في قرى المثلث، إذا قاموا بنقل مكان سكنهم إلى داخل حدود الدولة الجديدة. عملياً، حسب القانون الإسرائيلي والقانون الدولي فإن هذا الأمر غير قانوني. وهنا يدور الحديث عن اتفاق بين دولتين. وحسب معرفتي، في عشرات السنين الأخيرة لا توجد أي سابقة تم فيها نقل أراض مأهولة من دولة إلى دولة أخرى بالقوة. ولكن لماذا توجد سابقة؟ وهل هي تتوافق مع القانون؟
يوجد هناك تغيير متفق عليه للحدود. هذا هو لب الموضوع، الدولة يمكنها رسم حدودها. وإذا تغيرت الحدود ولم تكن منطقة معينة جزءاً من الدولة، فإن سكانها لهم الحق في تغيير مكان سكنهم. ويجب على الجمهور النضال من أجل ترسيم الحدود ومن أجل الطبيعة التي ستحسم فيها، عن طريق التصويت في الكنيست أو من خلال استفتاء عام، لكن لا يجب تسمية تغيير الحدود بمفهوم الترانسفير أو الأبارتهايد، لأننا بذلك نمس بشرعية الدولة في العمل. لأن هذا الجمهور الذي يسمي نشاطات الدولة التي تريد ترسيم حدودها بالترانسفير، هو الجمهور نفسه الملزم بأن يثق بها في موضوع التوصل إلى حل للنزاع.
لا شك أن هناك من يعتبرون الخطة فرصة لتقليص عدد العرب في الدولة، وهو الأمر الذي يتساوق بالتأكيد مع سياسة نزع الشرعية عن المواطنين العرب. فكرة تبادل «المناطق» المأهولة في المثلث هي فكرة مشوهة (وهنا لن نذكر الأسباب الكثيرة لذلك)، ويجب محاربتها بالوسائل والأدوات الصحيحة، ليس عن طريق إطلاق الشعارات والمفاهيم غير الدقيقة التي تسحب البساط من تحت أقدام من يريدون السلام، بل عن طريق صراع اجتماعي وسياسي مشترك.

 عن «هآرتس»