حماقة ترامب ونتنياهو تقود لصراع عنيف ودائم!

حجم الخط

بقلم: البروفيسور ألون بن مئير

 

منذ الانتفاضة الثانية عام 2000، يتجه الإسرائيليون بخطى ثابتة نحو يمين الوسط. وجعلت الحكومات الإسرائيلية المتعاقبة من الأمن القومي أمراً أساسياً لبقاء إسرائيل، وأصبح يرتبط بالتهديد الوجودي المفترض الذي يمثله الفلسطينيون وهو ما شكل الشعار الوطني الإسرائيلي. وهكذا أصبحت السيطرة على حياة الفلسطينيين وأراضيهم مرادفة للأمن القومي لإسرائيل. وقد منحت إسرائيل لجميع نواياها ومقاصدها، ترخيصًا للقيام بكل ما تشاء في الأراضي الفلسطينية، بما في ذلك بناء المستوطنات وإقامة الحواجز والأسوار وهدم المنازل الفلسطينية وتقييد حركة الفلسطينيين، وكانت على استعداد لضم غور الأردن، وكل ذلك باسم الأمن القومي.

وجاء كشف ترامب عن "صفقة القرن" ليقدم الدعم الكامل للمخطط الإسرائيلي، وليوسم بشكل مأساوي الجيل القادم من الإسرائيليين والفلسطينيين لسنوات، إن لم يكن لعقود من العنف والحروب بينما يزعزع استقرار المنطقة بشكل خطير وهي التي تعاني بالفعل من اضطرابات واسعة النطاق.

فهل يفهم ترامب ونتنياهو تداعيات ما قاما به؟ هنا لدينا رئيس معزول ورئيس للوزراء متهمين ويواجهان محاكمة - محتالين أمام انتخابات جديدة. وسوف يجرجر ترامب نفسه من أي مجرى لإعادة انتخابه، وإرضاء جمهوره الإنجيلي وهو الأمر الحيوي لتحقيق هذا الهدف. وهكذا، فإن إطلاق خطته المؤيدة لإسرائيل بشكل حاسم في هذا المنعطف الخاص كان هدفه المباشر خدمته شخصيا وخدمة نتنياهو الذي يُنظر إليه أيضًا على أنه قناة لمهمة الإنجيليين.

نتنياهو الذي يبدي حماسة وشغف بالغ بالسلطة تعاطف وحيدا مع ترامب، وتبنى بكل سرور الخطة لأنها تعزز فرص إعادة انتخابه، ويدرك طموحه الطويل بإسرائيل الكبرى، ويسمح له بالظهور كمنقذ لإسرائيل الذي استعان كثيرا بالكتاب المقدس "أرض إسرائيل" لليهود أصحابها الشرعيين.

ولفهم سبب تعريض الصفقة لمستقبل إسرائيل للخطر، لا يحتاج المرء إلى الذهاب بعيداً للعثور على الإجابة. فحتى قبل الكشف عن الصفقة، رفضتها السلطة الفلسطينية على أساس أنها تحرم الفلسطينيين من حقهم في إقامة دولة وتضفي الشرعية على المستوطنات وتسمح بضم ما يقرب من 30 في المائة من الأراضي الفلسطينية كما تسمح لإسرائيل بضم غور الأردن. وهذا يحطم أي احتمال بإقامة دولة فلسطينية قابلة للحياة، بغض النظر عن ما تنص عليه الصفقة.

بأي منطق إذن سيقبل الفلسطينيون مثل هذه الصفقة التي تحرمهم من حلم عمره أكثر من 70 عامًا في إقامة دولة مستقلة؟ وسواء فوتوا العديد من الفرص في الماضي لتحقيق حلمهم أم لا، فإن رفضهم المبدئي لحق إسرائيل في الوجود لا يلغي حقهم في دولة خاصة بهم تعيش في سلام مع إسرائيل.

لقد أعطت الصفقة المبرر فقط للجماعات الفلسطينية المتطرفة، بما في ذلك حماس والجهاد الإسلامي، ودول مثل إيران وغيرها، بأن إسرائيل لم يكن لديها أي نية للسماح للفلسطينيين بأن يقيموا لهم دولة مستقلة، وأن المقاومة العنيفة المستمرة هي التي تجبر إسرائيل فقط على تغيير رأيها.

هذه إذن ستكون النتيجة الكلية للصفقة. وبما أن الفلسطينيين يفقدون الأمل ولم يبق أمامهم سوى القليل ليخسروه، فإن العنف والمزيد من العنف سيكون الأمر اليومي المعتاد، وهو بالضبط ما تريد إسرائيل تجنبه وكان من المفترض أن تمنع الصفقة.

وهذا يطرح أيضا السؤال حول من في الواقع يمكن أن يشكل تهديدا وجوديا لإسرائيل؟ بالتأكيد ليس الفلسطينيين، الذين يعرفون جيدًا أن إسرائيل قوة عسكرية هائلة يمكنها في أي وقت اتخاذ أي إجراء أمني يعتبر ضروريًا لحماية نفسها. وعلاوة على ذلك، لا يوجد بلد واحد في الشرق الأوسط، بما في ذلك إيران، يمكنه تحدي إسرائيل عسكريًا دون إلحاق أضرار مرعبة غير مقبولة. وطهران تعرف ذلك جيدا.

أما ما أعده ترامب ونتنياهو فهو وصفة لصراع عنيف دائم، وبينما سيكون لإسرائيل دائما اليد العليا، لن تتمتع بيوم من الراحة. وسيتعين عليها نشر الآلاف من القوات الإضافية وإنفاق مئات الملايين من الدولارات سنوياً على الأمن لحماية بانوراما المستوطنات المنتشرة في جميع أنحاء الضفة الغربية وتفاقم إستياء الفلسطينيين ومقاومتهم. كما أن أي حادث يقع يمكن أن يؤدي إلى عنف قاتل.

إن منع قيام دولة فلسطينية وتأكيد حلم إسرائيل الكبرى الذي يدافع عنه نتنياهو سيكون كابوسًا للإسرائيليين اليمينيين، لأن "صفقة القرن" سوف تنفجر في وجوههم. وسوف نتذكر ترامب ونتنياهو على أنهما القائدين اللذين خانا إسرائيل وأخضعا مواطنيها للعيش والموت بواسطة البندقية.