المطب في “وعد” ترامب

حجم الخط

بقلم: سائد كراجة

 

وعد ترامب – على غرار وعد بلفور هو وعدٌ مُؤسِّس، هو إسرائيل
2020 – 2120، ومن المؤكد أن له أهدافا آنية مثل مساعدة ترامب ونتنياهو في الانتخابات القادمة، ولكن أهدافه الاستراتيجية أبعدُ كثيراً من ذلك، فهو إعلان توراتي يميني أمروصهيوني بانتصار”نبوءة التوراة بالعودة لأرض الميعاد”، وهو اتفاقية إذعان بين منتصر ومجموعة دول مهزومة في حرب بدأت منذ “مؤتمر بازل” ولم تنتهِ بعد.

هي جردَةُ حساب لقرن ونيف من انتصارات حلف وحلم الوعد الصهيوني على الدول العربية والأنظمة العربية مجتمعة ومنفردة.


وعد ترامب يمثل أيضا إعلانا يقضي بأن عدالة القضية الفلسطينية ليست كافية لانتصارها، فالقضية العادلة بين أيدي غير العادلين وغير المُمَكنين سياسيا واقتصاديا وعلميا وحضاريا لا تنفعها عدالتها الذاتية، فحلم الصهيونية لم ينتصر “بدعم الرب” بل بالأخذ بالأسباب وأهم تلك الأسباب؛ التفوق الاقتصادي والنهج الديمقراطي، فمعظم الدول العربية حصلت من بعضها ومن العالم على مساعدات تشابه في المبدأ المساعدات التي حصلت وتحصل عليها إسرائيل من أميركا، ولكن الدول العربية في غالبيتها ما تزال ريعية الاقتصاد، طُفيلية الأسواق، ذات بنى تحتية هشة، لأنها بددت ثرواتها وكل المساعداتِ التي حصلت عليها؛ بسبب غياب الشفافية والنهج الديمقراطي، الأمر الذي وضعها في تبعية تمنعها من رسم مستقبلها ورفض ما يُملى عليها.


وعد ترامب ليس مطروحا من الحلف الأمروصهيوني ــ هذا الحلف الذي بدأ مذ كانت إسرائيل فكرة وما يزال مستمرًا ومدعَمًا بمليارات ومواقف سياسة قديمة ــ أقول: الوعد ليس مطروحا لقبول أو رفض العرب، هو مطروحٌ لانصياعهم بانضمامهم لاتفاقية “إعلان الهزيمة”، وحضورهم تحصيل حاصل، ولهذا فإن الإعلام الأميركي الصهيوني عاتبٌ أشد العتب على من لم يحضر، بمنطقِ، من أنتم حتى لا تحضرون؟
المطبُ في وعدِ “ترامب” أنه عندما أباح “لإسرائيل” ضم الأرض وفرض السيادة أكد على “معضلة” قديمة جديدة “لاسرائيل”، معضلة سياسية وأخلاقية وواقعية لكيانها وتكوينها، وهي الكتلة السكانية للفلسطينيين التي تصل حسب تقديرات حديثة حوالي سبعة ملايين فلسطيني، قرر وعد ترامب أن يضعهم في “جيتو” ضمن دولة فصل عنصري معلن بعنوان “يهودية الدولة” وكأنه يذكرنا بـ”عرقية دولة جنوب أفريقيا”، هؤلاء هم مقتل إسرائيل القادم، وكمعظم “الذهن” الديني القمعي؛ فإنه يتوهم قدرته على تجاوزهم وإلغائهم بمجرد أنه يعتقد أنهم يعارضون سرد “الرب” الصهيوني المتهافت لإسرائيل الكبرى.


وعد ترامب وإن فتح الباب على مصراعيه لتوسع إسرائيل الكبرى، بِدءًا من الاعتراف بضم مستوطنات الضفة مرورًا بفرض السيادة على معظم فلسطين التاريخية، وليس انتهاءً بأحلام تصل حدود النهر الكبير الفرات، إلا أنه مرحليا وللمائة عام القادمة، فإن مجالات توسع المشروع الصهيوني كما بلورها وعد ترامب “صفقة القرن” هي فقط في حدود فلسطين التاريخية، وذلك ببساطة لأنهم لا يملكون السكان لتوطينهم في الارض التي يسعون لضمها، ولهذا فإن توسعَهم سيكون مرتبطا بنمو سكانهم، واستمرار تفوقهم الاقتصادي والدعم الأميركي.


من منظار المصلحة الأردنية فإن على الدولة أن تستمر في تبني مشروع الدولتين، خاصة وأن هذا المشروع تؤيده معظم دول العالم وكذلك معظم الدول العربية ولو في العلن على اقل تقدير، وبنفس الوقت أعتقد أن على الأردنِ أن يعملَ على تحقيق أسباب الدولة الواحدة في أرضِ فلسطين التاريخية، وذلك بتعزيز التفوق السكاني الفلسطيني بدعم بقاء الفلسطينيين في ارضهم اقتصاديا وسياسيا، وأيضا الحيلولة دون أي سلوك فيه تفريغ للضفة الغربية. أما على صعيد الجبهة الداخلية فيجب أن تعمل الدولة بعقل وقلب مختلفين لتحقيق تحول اقتصادي يضمن عدم التبعية، والذهاب الى تحولٍ حقيقي نحو النهج الديمقراطي، فغياب الاستقلال الاقتصادي والممارسة الديمقراطية هما حصانُ طروادة المعاصر لاختراق الأسوار. فاهم علي جنابك؟!!

عن "الدستور" الأردنية