نحو محاكمة الشركات العاملة في المستوطنات لدى القضاء الجنائي الدولي

حجم الخط

بقلم: المحامي علي ابوهلال*

 

بعد انتظار طويل أصدرت المفوضة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشليت، يوم الأربعاء الماضي الموافق 12/2/2020، "قائمة سوداء" بأسماء 112 شركة تمارس أنشطة تجارية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، والقدس الشرقية وهضبة الجولان. وتشمل القائمة 94 شركة إسرائيلية و18 شركة من ست دول أخرى في الولايات المتحدة الأمريكية ، تايلاند ،هولندا ، فرنسا ،بريطانيا ولوكسمبورغ، تعمل بشكل مباشر أو عن طريق وكلاء أو بطرق التفافية في المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية المحتلة وجوهرتها القدس، والجولان السوري المحتل.

ومن بين الشركات المدرجة بـ"القائمة السوداء" جميع الشركات المصرفية الإسرائيلية، وشركات الهواتف المحمولة والاتصالات، كما تضم شركة "بوكينج كوم" الهولندية، الخاصة بحجز الغرف والفنادق عبر الإنترنت، والشركات الأميركية الناشطة في مجال السياحة: "تريب أدفايزر"، و"إير بي إن بي"، و"إكسبيديا".

ويأتي هذا التقرير استجابة لقرار أصدره مجلس حقوق الإنسان في الأمم المتحدة العام 2016 وطلب فيه "قاعدة بيانات عن جميع الشركات التي تمارس أنشطة خاصة مرتبطة بالمستوطنات الإسرائيلية في الأراضي الفلسطينية المحتلة".

ويذكر أن مكتب باشليه قام بمراجعة أكثر من 300 شركة، ورست القائمة التي نشرت على 112، تبين أن هناك "أسبابا منطقية للقول إنها ضالعة في نشاط أو نشاطات خاصة عديدة تمت الإشارة إليها" في القرار الصادر في العام 2016.

وذكرت المفوضة أن جمع البيانات كان "عملية صعبة" اشتملت على "مناقشات واسعة" مع دول ومؤسسات فكرية وأكاديميين والشركات المعنية، وأشار التقرير إلى أن الشركات الواردة في القائمة لن تبقى عليها إلى الأبد بالضرورة.وأضاف التقرير "عندما تتوفر أسباب منطقية تدعو للاعتقاد بأن الشركة توقف أو لا تشارك في نشاط من هذا النوع، فيمكن شطبها من القائمة".

وأوصى التقرير بتحديث القائمة سنويا، ودعا مجلس حقوق الإنسان إلى تعيين خبراء مختصّين للقيام بذلك.

رفض إسرائيلي وأمريكي لقرار نشر القائمة

أحدث هذا التقرير هزة كبيرة في إسرائيل "القوة القائمة بالاحتلال"، وقال رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، إن تل أبيب لن تقف مكتوفة الأيدي بعد نشر تقرير قائمة الشركات التجارية التي تقوم بأنشطة تتعلق بالاستيطان الإسرائيلي. وأضاف: "سنحارب هذا بكل ما أوتينا من قوة".وفي تعليقه على نشر القائمة قال وزير الخارجية الإسرائيلي، يسرائيل كاتس: إن "إعلان الأمم المتحدة هو استسلام فاضح لضغوط البلدان والمنظمات التي تريد إلحاق الأذى بإسرائيل، رغم أن معظم دول العالم رفضت الانضمام إلى حملة الضغط السياسي هذه". وأضاف كاتس: "دولة إسرائيل لن تقبل بالسياسات التمييزية والمعادية لإسرائيل، وسنعمل بكل الطرق لمنع تنفيذ هذه القرارات". ويذكر أيضا أن الولايات المتحدة الأميركية والحكومة الإسرائيلية مارست ضغوطا دبلوماسية حثيثة سعيًا لثني باشليه، عن نشر القائمة. ويأتي نشر القائمة في أعقاب القرار الصادر عن المحكمة العليا الأوروبية، في تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، والقاضي بإلزام جميع دول الاتحاد الأوروبي بوسم منتجات المستوطنات.

ترحيب فلسطيني بنشر القائمة

من جانبها أشادت السلطة الوطنية الفلسطينية بالقائمة واعتبرتها "انتصارا للقانون الدولي"، وأشاد وزير الخارجية الفلسطيني رياض المالكي بنشر التقرير، وحث المجتمع الدولي للضغط على تلك الشركات لقطع صلتها بالمستوطنات. وذكر المالكي في بيان له أن "نشر هذه القائمة للشركات والجهات العاملة في المستوطنات انتصار للقانون الدولي"، وحث الوزير الدول الأعضاء في الأمم المتحدة ومجلس حقوق الإنسان بالمنظمة الدولية على توجيه "تعليمات لهذه الشركات بأن تنهي عملها فورا مع منظومة الاستيطان". وقال إن هذه الخطوة تعمل "على تجفيف منابع المنظومة الاستعمارية والمتمثلة في الاستيطان غير الشرعي في الأرض الفلسطينية المحتلة".

ملاحقة الشركات قانونيا وقضائيا

بعد نشر قائمة هذه الشركات أعلنت منظمة التحرير الفلسطينية أنها ستوجه إنذارا رسميّا للشركات العاملة في المستوطنات الإسرائيلية، قبل التوجه إلى مساءلتها قضائيّا، وقال أمين سر «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير»، صائب عريقات، إنه سيتمّ تسليم رسائل رسمية للدول التي تنتمي لها الشركات العاملة في المستوطنات، لمطالبتها بإغلاق مقارها وفروعها، وأضاف أنه «في حال عدم استجابة هذه الشركات لمطالبنا، فإنه سيتم ملاحقتها قضائيا في المحاكم الدولية للمطالبة بتعويضات على خلفية استغلالها للموارد والأرض الفلسطينية». وقال صائب عريقات، أمين سر «اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير الفلسطينية»، إنه سيتم مخاطبة بريطانيا وهولندا ولوكسمبورغ وتايلاند وفرنسا، لإغلاق فروع شركاتها في المستوطنات، فيما ستتمّ مخاطبة الشركات الأميركية مباشرة لعدم وجود اتصال مع الإدارة الأميركية.

رغم أهمية هذه الخطوات الفلسطينية التي أعلن عنها حتى الآن، إلا أنها غير كافية بحد ذاتها لوقف عمل هذه الشركات في المستوطنات، ومعاقبتها على الجرائم التي ارتكبتها في الأراضي الفلسطينية المحتلة، خاصة وأن نشر هذا التقرير الدولي يوفر وثيقة رسمية دولية هامة، يمكن الاستناد إليها لتقديم دعاوى قضائية ضد هذه الشركات لدى القضاء الجنائي الدولي، لإدانة عمل هذه الشركات في المستوطنات، والذي يعتبر مخالفة قانونية صارخة للقانون الدولي ولقرارات الشرعية الدولية، وآخرها قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2334 الصادر في كانون الأول/ ديسمبر عام 2016، بل يعتبر عملها في المستوطنات القائمة في الأراضي الفلسطينية المحتلة جريمة حرب وفقا للقانون الدولي الإنساني، ووفقا للفقرة (8) من المادة (8) من ميثاق روما المنشئ للمحكمة الجنائية الدولية، والتي اعتبرت من ضمن جرائم الحرب: “قيام دولة الاحتلال، على نحو مباشر، بنقل أجزاء من سكانها المدنيين إلى الأرض التي تحتلها، أو إبعاد أو نقل كل سكان الأرض المحتلة أو أجزاء منهم داخل الأرض أو خارجها”، وبموجب ذلك تنعقد المسؤولية الجنائية الدولية لهذه الشركات العاملة في المستوطنات كشريك مباشر لسلطة الاحتلال التي تقيم هذه المستوطنات في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وبالتالي يمكن محاكمة هذه الشركات لدى محاكم الدول التي تنتمي إليها أولا، ثم لدى محكمة الجنايات الدولية إذا لم تتم محاكمتها لدى محاكم دولها، كشريك مباشر في ارتكاب جرائم حرب في الأراضي الفلسطينية المحتلة، وعلى دولة فلسطين المباشرة بإعداد ملفات الدعاوى لمحاكمة هذه الشركات لدى هذه المحاكم دون تردد.

*محام ومحاضر جامعي في القانون الدولي.