يجب منع الحرب المقبلة، لا الانتصار فيها

حجم الخط

بقلم: أوري بار يوسف


الحرب المقبلة التي سيقف في مركزها تحدي مواجهة مخازن الصواريخ المحيطة بإسرائيل، كانت موضوع ثلاثة مقالات في "هآرتس" في 14/2. وصف ينيف كوفوفيتش الزخم، خطة تعزيز قوة الجيش الإسرائيلي في الأعوام 2020 – 2024 مثلما عرضت أمام وسائل الإعلام، الخطة التي تستهدف إنتاج جيش إسرائيلي جديد، في مركزه "تعظيم القدرة على القتل"، التي ستقصّر جولات القتال المقبلة، بما في ذلك ضد إيران. وليس واضحاً أي جيش إسرائيلي سنحصل عليه من "الزخم"، لكن من الواضح أنه سيكلف الكثير من الأموال. بكلمات أخرى، المزيد من الضرائب والاختناقات المرورية وصحة أقل وتعليم أقل.
أوضح عاموس هرئيل أنه يوجد لعرض الخطة هدف رئيسي، وهو أن الجيش الإسرائيلي، خلافاً لإنذارات رئيس الحكومة، لا يقدّر أن حرباً جديدة موجودة على الأجندة، لذلك، نشأت لدينا "نافذة فرص" من أجل التقوي على حساب الاستعداد لحرب في المدى الآني. مع ذلك، "نافذة الفرص" غير مغلقة أمام احتمالية نشوب حرب كبيرة، يمكن أن تندلع في أعقاب عملية تصعيد، الطرفان غير معنيين فيها. ولفهم هذه العملية يجب العودة إلى الديناميكية التي كانت بين إسرائيل وسورية في السنوات التي سبقت حرب "الأيام الستة". أي طرف من الطرفين لم يرغب بحرب كبيرة، ومع ذلك اندلعت.
مقالة الجنرال احتياط إسحق بريك والبروفيسور أبشالوم إليتسور وصفت الحرب المقبلة بألوان كئيبة. ليس فقط بسبب قوة التهديد الكامنة في آلاف الصواريخ ذات الرؤوس المتفجرة والتي يمكنها أن تضرب تقريباً كل منطقة في البلاد، بل أيضاً لأن ردود إسرائيل على هذا التهديد هي، كما قالا، "القليل جداً من الدفاع، وفي وقت الاختبار، ببساطة، لا شيء". وحسب تقديرهما، ستؤدي الحرب إلى شلّ الدولة، وإلى هروب جماعي من منطقة إلى أخرى ومن البلاد إلى الخارج. وفوق كل شيء، ستؤدي إلى قتل جماعي. الحل التكنولوجي الذي يقترحانه هو نظام "سكاي غارد"، الذي يقوم على الليزر الكيميائي القوي، القادر على اعتراض صواريخ بسرعة وبثمن زهيد.
تناولت المقالات الثلاثة المسألة الأكثر مصيرية بالنسبة لنا. ولكنها لم تثر أي حوار سياسي – أمني جدي. ومجرد غياب النقاش هو تعبير مؤلم ومقلق على ضعف السياسيين، من اليمين ومن اليسار، وضعف وسائل الإعلام التي امتنعت عن مناقشة من يتفاخرون بالقيادة، كيف ينوون مواجهة التهديد الأكبر الذي تواجهه الدولة منذ "حرب الاستقلال".
الرد الذي يقدمه الجيش الإسرائيلي لهذا التهديد هو الدمج بين جمع المعلومات الاستخبارية والقدرات الهجومية من الجو والهجوم البري في لبنان، واحتلال المنطقة التي تطلق منها الصواريخ. للوهلة الأولى، هذا يبدو جيداً. ولكن من المشكوك فيه أن ذلك سيساعد. إذا احتاجت الاستخبارات سنوات من أجل اكتشاف أنفاق كبيرة في منطقة الشمال، فمن المعقول الافتراض بأن قدرتها على العثور على أنفاق أصغر في العمق اللبناني، التي فيها ستخزن الصواريخ، هي قدرة محدودة أكثر. توجد لسلاح الجو قدرات مثيرة للانطباع، لكنّ هناك فرقاً بين تدمير 44 منصة لإطلاق الصواريخ في عملية "وزن نوعي" في بداية حرب لبنان الثانية وبين تدمير 15 ألف صاروخ، القادرة على ضرب "غوش دان". "الزخم" ربما ستقصر الحرب المقبلة، لكن القوات البرية ستحتاج إلى وقت غير قليل من أجل احتلال المناطق التي ستطلق منها الصواريخ. وإلى حين إنهاء مهمتهم فإن أنفاق الصواريخ ستكون قد فرغت.
هذا أيضاً بالنسبة لرد أجهزة الليزر. الرد جيد، لكن فقط شريطة أن تدار الحرب عندما تكون السماء صافية، ولا يوجد تسرب لمواد خطيرة، وتتحقق عدة شروط أخرى، كما يبدو لن تتحقق في الحرب المقبلة. شبيهاً بأنظمة الدفاع الموجودة (القبة الحديدية ومقلاع داود وغيرها) أيضاً هذا الرد جيد لاعتراض صواريخ معدودة، لكنه غير مناسب لصليات عشرات أو مئات الصواريخ والقذائف، مثلما يتوقع أن يحدث في الحرب المقبلة.
في ظل غياب رد تكنولوجي عسكري فعال ضد تهديد الصواريخ، لا يوجد مناص من التوصل إلى استنتاج أنه بيننا وبين أعدائنا نشأ وضع من "توازن الرعب". مصدر هذا المفهوم هو في الحرب الباردة، وهو يصف توازناً بين طرفين، فيه لكل طرف القدرة على تدمير الآخر بوساطة سلاح نووي. ولكن لا يمكنه منع تدميره هو نفسه. توازن ثقل كهذا يمكن أن يعيش، حتى بصورة أكثر ضعفاً، حتى في وضع يكون فيه التهديد تقليدي. اليوم إيران وحلفاؤها يمكنها أن تلحق بإسرائيل ضرراً يمكن أن يكون "غير محتمل". وهذه القدرة تزداد. وتنسب لإسرائيل قوة قادرة على إعادة إيران وحلفائها إلى العصر الحجري.
هذا الوضع يلزم صانعي السياسة الأمنية القومية في إسرائيل باتباع طريقة تفكير لم نعرفها في السابق: ليس كيف علينا أن ننتصر في المقبلة – لأن الانتصار سيكون انتصاراً باهظ الثمن – بل كيف نمنع هذه الحرب. هنا الإجابات مركبة ومبنية على استخدام "العصا" الرادعة الثقيلة إلى جانب وضع "جزر" سياسي مخصص لتهدئة الصراع. ما الذي ستشمله "العصا" وبأي صورة يجب علينا توضيح التهديد، وماذا سيكون الجزر وأي منه سيكون فعالاً – هذه أسئلة صعبة. ولكن لا شك أنه قد حان الوقت لمناقشتها باهتمام؛ لأن الحلول التكنوعسكرية التي يقترحها الجيش الإسرائيلي وخبراء من الخارج هي أيضاً باهظة الثمن جداً، وبالأساس لا تعطي رداً حقيقياً على التهديد.

 عن "هآرتس"