نواف القيسي .. صدق الانتماء حد الانصهار

حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

رحل المناضل الصلب والعنيد نواف القيسي، ابن مخيم العزة، المنحدر من قرية بيت جبرين من اعمال القدس عن ثلاثة واربعين سنة ، وشيعته الى المثوى الاخير بمهابة كبيرة ، جماهير غفيرة وقيادات كثيرة من أطياف العمل النضالي في المدينة والقرية والمخيم .

جميع من عرف نواف عن قرب، أحبه، فأحنى رأسه له في لحظة الفراق، فقد كان انتماؤه للثورة والنضال صادقا ومؤتمنا في كتيبة من ثلاثة عشر ولدا (كمال ، عدنان ، حسين ، شبلي ، حازم ، محمد ، غسان ،عايد، عصام ، عبد الناصر ، علي و مهند) ، كلهم بدون استثناء انتموا للثورة الفلسطينية في واجهتها التقدمية واليسارية، ناهضوا الاحتلال كل منذ نعومة أظفارهم، وكلهم ذاقوا مرارة الاعتقال والتعذيب في الاقبية، أما "نوافنا" فقد اصيب في انتفاضة النفق برصاصة في أمعائه، امتشق بعدها السلاح، واعتقل على خلفيته لمدة ست سنوات من ضمن أحد عشر عاما دون ان يبوح بكلمة ودون ان يسلم السلاح، في حين ان "عبد الناصر" سار على هدي نواف، وطورد قبيل وصول السلطة واختفى وظل مختفيا حتى الآن لا احد يعرف ان كان حيا ام ميتا.

بحثت عنه في المأتم علني أراه يودع شقيقه ومعلمه، فلم اعثر عليه، لكنني عثرت على "عائد" الذي لم أره منذ ثلاثين سنة، عاد من كندا ليلقي نظرة الوداع ويشارك في التشييع، سألني إن ما زلت أذكره، أجبته: انت الوحيد الذي كانت له قدمان تبحثان عن موطئهما خارج الوطن، فقال لي: جسميا فقط، وها هو نواف يعيدني من تورنتو الى مخيم العزة في أقل من24ساعة.

= لم يكن الحزن هو الطاغي على محيا اولاد القيسي و أبناءهم الذين ترعرعوا وكبروا في سجون الاحتلال ومعمعان السلام ، بقدر ما هو الفخر في مسيرتهم الكفاحية الطويلة و النظيفة ، لدرجة ان ابن نواف الاصغر "ايسر" اعتقل قبل يومين من رحيل والده ، والاكبر "منتصر" اطلق سراحه قبل بضعة أشهر، في حين ما زال هناك وراء القضبان عدد آخر من ابناء العم وبالطبع بنات العم يدخلون ويخرجون "ترانزيت" ، قبل بضعة اشهر تحرر ابن شقيقه شبلي ، وقيل لي ان نواف أطلق عدة رصاصات في الهواء ابتهاجا ، وعندما راجعته، قال لي: اردت ان اقول لهم: نحن لا نسلم سلاحنا .

بعد اصابته بالمرض الخبيث في دماغه ، لم يستطع التنسيق الامني استصدار تصريح للذهاب الى مستشفى المطلع ، فتحايل على الحواجز والطرق الالتفافية والجدران العالية ، ومن المطلع قرر ان يذهب الى هداسا لمقابلة اخصائي كبير ، نشأت بينهما علاقة ، نقل لي انه من اصل كندي ، تعاطف مع قصته حين أخبره انه وصله تهريبا ، وأخبره انه يحب اليساريين وانه رفض تقاضي رسوم الكشف .

لم أحاول معرفة معنى كلمة "نواف" الا بعد رحيله فوجدتها: "نواف هو إنسان ذكي، كما انه طموح فهو يحب تحقيق طموحه، كما انه جرئ وشجاع، ويحب مساعدة الناس، وهو ذو قلب طيب وحنون وإنسان يعتمد عليه في الكثير من صعوبات الحياة". مع السلامة يا نواف.