الاعتقال الإداري للإرهابيين اليهود

UriAvnery
حجم الخط


بقلم: أوري أفنيري 

يطلب مني بعض أصدقائي بشكل قاطع أن أدين الاعتقال الإداري للإرهابيين اليهود.
اعتُقل ثلاثة من اليهود المشتبه بهم كإرهابيين فعلا بحسب هذا الإجراء.
إنهم أعضاء في مجموعة من مؤيدي الحاخام مائير كهانا (زعيم المجموعة هو حفيده). كان كهانا حاخاما أميركيا جاء إلى إسرائيل ليؤسّس هنا حزبًا عرّفته المحكمة العليا حزبا عنصريا ومعاديا للديمقراطية. تم إخراجه خارج القانون. بعد ذلك قُتل كهانا من قبل عربي في الولايات المتحدة. والآن تعمل حركة سرّية تتكوّن من مريديه في إسرائيل والأراضي المحتلة.
إنها إحدى المجموعات المنتمية لحركة سرية، معروفة لدى الكثيرين باسم «تدفيع الثمن» أو «فتيان التلال». فهي تقوم بأعمال إرهابية مختلفة، مثل إحراق المساجد والكنائس، الهجوم على المزارعين العرب وتدمير أشجار الزيتون الخاصة بهم. لم تتم محاكمة أحد من المنفّذين إطلاقا.
لم يعر الشعب الإسرائيلي اهتماما كبيرا بهذه الأعمال الإرهابية، ولكن في الآونة الأخيرة حدثت أمور صدمت حتى المواطنين الهادئين. تم إلقاء قنبلة حارقة ليلا إلى داخل منزل عربي في القرية الصغيرة دوما قرب رام الله. أُحرِق طفل عمره 18 شهرا حتى الموت. أصيب والده، والدته وشقيقه بجروح خطيرة. تُوفي الوالد بعد ذلك في المستشفى.
حوادث الحرق هذه هي أعمال اعتيادية، ولكن حتى الآن استطاعت العائلات العربية إنقاذ نفسها.
تم تنفيذ عمل فظيع آخر في القدس، وهذه المرة ضدّ يهود. هاجم رجل حاريدي مسيرة الفخر السنوية في وسط المدينة. ونجح في طعن بعض المتظاهرين والمتظاهرات. لقد توفّيت إحداهنّ - وهي شابة في الخامسة عشرة من عمرها - بعد ذلك في المستشفى. كما وقام الإرهابي بالفعل ذاته قبل عشر سنوات، وتم إطلاق سراحه من الاعتقال قبل عدّة أسابيع فقط. إنه حاريدي متطرّف، ولكن يبدو أنّه لم تكن له علاقة بأعضاء كهانا.
كان ذلك شيئا كبيرا. في السنوات الماضية لم تتم إدانة يهودي بعمل إرهابي. إذ يعتقد الكثيرون أنّ العمليات الإرهابية تتم بالتعاون مع أشخاص من جيش الاحتلال و»الشاباك». ولكن هذه المرة صدرت صرخات عالية، وتوصّلت السلطات إلى استنتاج بأنّ عليها القيام بشيء ما.
النتيجة: تم اعتقال ثلاثة أشخاص «اعتقالا إداريا».
طريقة «الاعتقال الإداري» موروثة منذ الانتداب البريطانيّ. ولكن غيّرت دولة إسرائيل تفاصيل صغيرة فحسب.
يسمح هذا الإجراء للقائد العسكري بوضع شخص ما رهن الاعتقال دون محاكمة. ومع ذلك، فالأمر يسري لستّة أشهر فقط، ولكن يمكن تجديده مرارا وتكرارا، إلى أجل غير مسمى. يجب إحضار الأسير كل عدة أشهر أمام القاضي، ولكن نادرا ما يتدخّل القضاة. قيل عن القضاة بأنّهم يقفون صامتين من الناحية النفسية عندما يقدّم قائد عسكري كبير شهادة أمامهم.
ليس لدى الأسرى حق الاطلاع على الأدلة الموجّهة ضدّهم ومواجهة المتّهِمين، وليس لديهم كذلك حقّ بأنّ يكونوا ممثَّلين من قبل محامين. التفسير الرسمي هو أنه لا يمكن محاكمتهم دون «حرق» المخبرين والمصادر الأخرى، التي هي ضرورية لمكافحة الإرهاب وإنقاذ الحياة.
يتم استخدام طريقة الاعتقال الإداري كل مرة ضدّ المشتبه بهم من العرب. والآن يقبع في السجون مئات الأسرى الإداريين العرب. الكثير منهم مسجون منذ سنوات. منذ بداية الاحتلال، سُجن مئات الآلاف من العرب وفقا لهذا الإجراء. بالنسبة للشباب الفلسطينيين فهو نوع من وسام الشرف.
تقريبا لم تكن هناك حالات لاعتقال يهود اعتقالا إداريّا. في السنوات الأخيرة لم يتم تنفيذ هذا الإجراء إطلاقا ضدّ اليهود. كان الثلاثة المنتمون لكهانا والذين اعتُقلوا، مؤخراً، هم الأوائل منذ زمن طويل.
يوضح رجال الحكم العسكري والمدني أنّ الاعتقال الإداري هو وسيلة ضرورية لمكافحة الإرهاب اليهودي، وهو أداة ليس لها بديل. اجتاز أعضاء كهانا وسائر الإرهابيين اليهود تدريبات صارمة وهم يعلمون أن عليهم أن يصمتوا في التحقيقات. لأنّهم متأكّدون أنّهم لن يعذّبونهم، فلذلك ليس لديهم أي سبب للتكلم. إنهم يضحكون من المحقّقين في وجههم.
ليس هناك للأسرى العرب، بطبيعة الحال، مثل هذا الترف. فهم يعلمون أنّهم إن لم يتكلّموا فقد يتعرّضون للتعذيب. رغم أن القانون الإسرائيلي يحظر «التعذيب»، ولكن المحكمة تسمح للمحقّقين بممارسة «الضغوط الجسدية المعتدلة» التي تحقّق نتائج سريعة.
رغم ذلك يخضع مئات العرب للاعتقال الإداري غير المحدود، لأنّه ليست هناك ضدّهم أدلة مقبولة تسمح بتقديمهم للمحاكمة، دون الكشف عن «المصادر».
الآن يتم الاحتفاظ بالسجناء الإداريين اليهود الثلاثة في سجون مختلفة، وبحسب «الشاباك» فسينضم إليهم قريبا أسرى يهود آخرون.
قبل سنوات طويلة، عندما كنت المحرّر الرئيسي لصحيفة «هعولام هزيه»، أصدرنا لفترة من الوقت نسخة عربية أيضًا. في أحد الأيام تم اعتقال موظف عربي - يدعى «أحمد» - ووُضع في السجن الإداري.
بدأنا الاحتجاج بصوت عالٍ والمطالبة بالإفراج عنه. فاجأني أحد رؤساء «الشاباك» واتصل بي. كانت العلاقة بيني وبين «الشاباك» متوتّرة جدّا، على أقلّ تقدير، منذ اليوم الأول لقيام الدولة. سمّاني إيسار هرئيل، رئيس «الشاباك» وبعد ذلك رئيس جميع أجهزة المخابرات، «عدوّ النظام رقم 1».
ولاندهاشي التام، دعاني مسؤول «الشاباك» إلى محادثة. «سوف أكشف لك معلومات هي الأكثر سرّية»، كما قال، «لأنّني أريد أن تفهم مشاكلنا».
لقد كشف لي بأنّ رجاله أمسكوا بمبعوث أُرسل من الأردن إلى إسرائيل من قبل أحد «التنظيمات الإرهابية» من أجل التحادث مع نشطاء محليّين. كان أحدهم أحمد الموظّف عندنا.
«ماذا تقترح أن نفعل؟» سأل رجل «الشاباك». «لا يمكننا أن نحاكم أحمد في المحكمة، لأنّنا لا نملك إثباتا على أنّه عضو في تنظيم إرهابي. ولكن من الواضح أنّ المبعوث لم يُرسَل للرجل عبثًا. إذا تركناه حرّا، فقد يؤدي الأمر إلى أعمال إرهابية قاتلة. المناص الوحيد الآمن هو وضعه في السجن الإداري».
لم أصدّق أنّ أحمد «إرهابي». كنت ما زلت أبذل جهدي لأعلم ماذا أفعل عندما تم حلّ المعضلة بالنسبة لي. وافق «الشاباك» على إطلاق سراحه، شريطة أن يغادر البلاد. هاجر إلى الولايات المتحدة وحصل على «البطاقة الخضراء» (ترخيص عمل)، ربما بمساعدة «الشاباك». في إحدى محاضراتي في نيويورك رأيته يجلس في الصفّ الأمامي. تعانقنا.
أحكي هذه القصة كي أعرض المعضلة. إذا تركوا مثل هؤلاء الفاشيين اليهود ليعملوا بشكل حرّ، فقد يكلّف الأمر حياة عرب ويهود، وربما أيضًا يؤدي إلى كارثة كبيرة؛ على سبيل المثال، إذا حرقوا المسجد الأقصى. يبدو أنّ ليس هناك ضدّهم دليل حاسم. إذا كان بينهم مخبرون لـ»الشاباك»، فإنّ شهادتهم كانت «ستحرقهم».
هناك من يتهم «الشاباك» بنقص صادم للأهلية في كل ما يتعلق بالإرهابيين اليهود، في حين أن الجهاز فعّال جدّا تجاه العرب. أسوأ من ذلك، فنحن نشتبه أنّ في «الشاباك» الكثير من المتسللين من المستوطِنين. من يسلب من «الشاباك» آلية الاعتقال الإداري يضعفه أكثر، أو على الأقل يعطيه عذرا مريحا لفشله التامّ.
كنت في طفولتي شاهدا على انهيار «جمهورية فايمار» في ألمانيا (والتي سمّيت هكذا لأنّ دستورها تمت صياغته في مدينة فايمار). عاث البلطجية النازيون في الشوارع فسادا وضربوا الناس من ذوي المظهر اليهودي، بل وتبادلوا إطلاق النار مع الشيوعيين. كانت الحكومة عاجزة. تسلّل أعضاء حزب هتلر إلى الجيش والشرطة. لقد عاقب القضاة الشيوعيين بشدّة، وأعفوا النازيين - الذين كانوا وطنيين في نظرهم - بعقوبات خفيفة.
مع مرور الوقت، عندما أصبحت ألمانيا كلها في حالة خراب، اتّهموا جمهورية فايمار بالجبن، لأنها لم تجرؤ على استخدام الأدوات التي كانت بيديها - ومن بينها قوانين طوارئ غير ديمقراطية - من أجل محاربة النازيين في الوقت المناسب. هل يتهدّد الجمهورية الإسرائيلية اليوم نفس المصير؟
هذه معضلة حقيقية. وهي تتطلّب إجابة صادقة ومباشرة. ليست الإجابات السهلة الموجودة في المرشد الليبرالي، وإنما الإجابات المسؤولة، المناسبة للعالم الحقيقي.
أعتقد أنّ أعضاء كهانا وسائر المجموعات الفاشية في إسرائيل أكثر خطورة بكثير مما يُتصوّر. ليسوا حفنة من الأعشاب الضارّة كما يقولون لنا. إنها سرطان قد ينتشر بسرعة في جسدنا الوطني.
وقد شاهدت ذلك مرّة بالفعل.
إنها معضلة حقيقية. في نظري على الأقل.
هل سنوافق على الاعتقالات الإدارية، دون محاكمة ودون ضمانات ديمقراطية؟ ربما ينقذ ذلك حياة عرب ويهود، وربما أيضًا يمنع كوارث كبرى؟
أم هل سنتمسّك بالمبادئ الديمقراطية النقية، ونطلق سراح جميع المعتقلين الإداريين، من العرب واليهود، مع علمنا أنّ بعضهم سيعود للقتل؟
بعد تردّد كبير أختار الخيار الثاني. سواء لأسباب أخلاقية، أو عملية.
أخلاقيًّا لا أعتقد أنّه يمكن محاربة الكوليرا بواسطة الحمّى. الاعتقال الإداري هو جهاز فاشي، حتى لو تم تفعيله ضدّ فاشيّين.
فهذا أيضًا لن يساعد. سيأتي بدلا من الفاشيين المعتقلين فاشيّون آخرون، وربّما أكثر سوءًا.
فضلا عن ذلك، فإنّ اعتقال القليل من الفاشيين يمكن أن يكون ذريعة للتقاعس ضدّ الفاشيين الآخرين.
من أجل محاربة الحمّى فنحن بحاجة إلى أطبّاء أفضل. يجب تطهير «الشاباك»، الشرطة والجيش من المتعاونين مع الفاشيين، وتبديلهم بأشخاص أمناء على الجمهورية. يجب أن يكون التعامل مع اليهود والعرب متساويا.
«وأن يكون معسكرنا نقيّا»!