فـاشـيـة مـنـفـلـتـة الـعـقـال

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي


أحبُّّ قراءة مقالات نافا درومي. فهي مباشرة وحقيقية ومتطرفة وعلمانية ولا تتملص ولا تتلوى. فاشية مكررة، نقية، منفلتة العقال، ودون قناع.
من الذي تعنيه لاهاي؛ سنعود إلى غوش قطيف؛ نتنياهو هو الحصن الأخير أمام جهاز القضاء؛ يجب على الفلسطينيين الاعتذار؛ ولو كان الأمر يتعلق بي لما غفرنا لهم.
هكذا هي – فاشية علنية، قومية متطرفة بالحد الأعلى، تؤمن بأن اليهود يستحقون كل شيء، وبأن الفلسطينيين لا يستحقون أي شيء، وبأن حقوق الإنسان هي للضعفاء، وأن جميع البلاد لها.
عند قراءة مقالها في «هآرتس»، أول من أمس، هذه المرة بدورها في «مشروع الانتصار الإسرائيلي»، الذي دافعت فيه عن اللافتات المقيتة للمشروع، التي عرضت الانتصار الإسرائيلي المأمول على شكل قيادة فلسطينية مكبلة على خلفية خراب بلادها، تأثرتُ جدا باستقامتها. المقال هو خلاصة التفكير الفاشي الإسرائيلي. وهو بعيد عن أن يمثل فقط اليمين المتطرف – كثيرون يأملون انتصارا إسرائيليا كهذا على محمود عباس وإسماعيل هنية المكبلين على خلفية بلدهما الذي تحترق.
بصياغة مجملة قليلا يمثل المقال الاعتقاد السائد لدى التيار الرئيس. تتصرف إسرائيل على ضوء قيم درومي أكثر مما تتصرف على ضوء قيم أخرى. لذلك، من الأفضل تسمية المولود باسمه «فاشية». وحقيقة أن لون خولدائي الشجاع والمصمم قد أمر بإزالة اللافتات لا تعني أن الرسالة قد محيت. فهي منقوشة عميقا في المجتمع.
تريد درومي وضع حد للفكرة التي تقول إنه يجب على إسرائيل التنازل. ما الذي يوجد لديها لتتنازل عنه؟ هل قامت بسرقة البلاد وطردت شعبا وسلبت ارضا وقمعت حرية وسحقت حقوقا وقتلت وأهانت وأصابت ونهبت – والآن تريدون منا التنازل؟ يكفي تشويها. يجب تغيير النماذج: من تنازلات إلى طلبات. لم نطلب بما فيه الكفاية، لم نسرق بما فيه الكفاية، لم نسفك دماء بما فيه الكفاية، لم نقم بالإهانة والاحتقار كما هو مطلوب. يجب علينا المطالبة بالمزيد. يجب إخضاع «الإرهاب» وجعله يركع وهو معصوب العيون والتوقف عن رؤية العدو كضحية.
ما هي الضحية؟ ومن هي؟ لقد قتلوا 7 أعضاء من «البلماخ» في بيت كيشت في العام 1948. يجب عليهم الاعتذار أولاً، مثلما طلبت في مقال آخر لها.
بعد ذلك يأتي الادعاء الرئيس الذي هو لب الصهيونية: لا يوجد أي عدل في مطالبة الفلسطينيين بملكية البلاد. شعب بلا أرض جاء إلى أرض بلا شعب.
ما شأن هؤلاء الرحل الذين وجدوا أنفسهم هنا بالصدفة، وبلادنا، جميعها لنا، فقط لنا. هذا ليس موقف اقلية، ولولاها لما كانت الدولة لتقوم كما قامت. بفضل أي شيء توجد لهم حقوق؟ هل بسبب أنهم عاشوا هنا مئات السنين؟ أم أنهم كانوا الأكثرية المطلقة قبل وصول اليهود بجموعهم، وكثيرون منهم هربوا خوفا من أوروبا؟ بفضل ذلك هم الآن يشكلون نصف سكان البلاد التي تقع بين البحر والنهر، النصف القديم من مواليد البلاد، المتجذر والذي لم يهاجر.
لا يوجد لهم وعد إلهي، وفي التوراة لم يذكر أي شيء عن حقهم. لذلك، هذا الحق غير قائم. القصص في التوراة تعطي حقوقاً عقارية أكثر من أي كوشان عثماني. ببساطة: الفلسطينيون ليسوا يهوداً، لذلك لا توجد لهم أي حقوق.
«لكن النزاع انقلب علينا»، تباكت من رسمت صورة الخنوع. شارلوك الصغير خاصتنا، الذي فرض عليه الشجار في حين كان يريد جداً السلام. ومثل درومي، السلام مثلما هو في صورة الانتصار في تل أبيب التي تثير الاشمئزاز.
في العام 1967 غنينا «ناصر ينتظر رابين»، وفي العام 2020 الشعار المخيف ذاته مكتوب على الحائط. «احتلال» هي كلمة غير موجودة في قاموس درومي الإسرائيلي. الفلسطينيون هم الرافضون. أين سنسمع عن شعب رفض الخنوع كما يظهر في صورة انتصارها؟ متى حدث في التاريخ أن شعبا ناضل بقوة من اجل حريته؟ ضد من يحتلونه؟ من اجل حقوقه القومية؟
درومي ليست إشارة هامشية على الخارطة. وبحذف التحدي المتعمد في اللافتة، هي تمثل حقا الصهيونية منذ بدايتها وحتى الآن.
هكذا فكر المؤسسون وهكذا يفكر الإسرائيليون اليوم. قوموا بقراءة درومي وانظروا إلى إسرائيل، دون مصفاة الصواب السياسي ودون طيبي الروح.

عن «هآرتس»