صفاقة نتنياهو

حجم الخط

بقلم: سليمان أبو ارشيد

 

المتتبع لحالة العرب في إسرائيل يلحظ دالة تشير إلى تحسن مضطرد في وضعهم من انتخابات كنيست إلى أخرى، مما يجعل السيناريو الأفضل بالنسبة لهم هو حصول انتخابات رابعة، خاصة وأن البديل هو تشكيل حكومة ائتلافية بين الليكود وحزب الجنرالات.

ففي الانتخابات الأولى التي جرت في نيسان الماضي، خاضت الأحزاب العربية الانتخابات بقائمتين، وهبط تمثيلها من 13 مقعدا إلى عشرة مقاعد فقط، ولم يتم أخذها بعين الاعتبار من قبل الأحزاب المرشحة لتشكيل الحكومة.

وفي الانتخابات الثانية التي جرت في أيلول الماضي، تدارك قادة تلك الأحزاب خلافاتهم ووحدوا صفوفهم فحازوا على 13 مقعدا، وسار ممثلوهم على البساط الأحمر المؤدي إلى بيت رئيس "الدولة"، حتى لو كان تحت ظلال أعلام إسرائيل، وحتى لو أوصوا على تفويض مجرم حرب لتشكيل الحكومة، فقد شعروا، أو هكذا يعتقدون، أنهم جزء من اللعبة السياسية وأنهم أحبطوا محاولات إبعادهم خارج الملعب.

وفي الانتخابات الثالثة التي ستجري في آذار المقبل، يتحدثون عن زيادة التمثيل إلى 15 مقعدا ولا يصغون إلى تصريحات الجنرال غانتس وقادة حزبه الآخرين، التي تنفي أي إمكانية للاعتماد على أصوات العرب في أي تشكيل حكومي محتمل، ويحدوهم الأمل بأن تكون احتياجات تشكيل الحكومة مختلفة عن الضرورات الانتخابية.

وإذا كان حزب الجنرالات يرفض أن يأخذ العرب بعين الاعتبار جهرا، ويتعامل معهم كخليلة سرية، بتعبير أيمن عودة، أو من باب "نفسي فيه و‘....‘ عليه"، فإن نتنياهو صاحب نداء "العرب يهرولون إلى الصناديق"، طالما استعملهم "فزاعة" لإخافة الجمهور اليهودي وجلبه إلى دعم حزبه في صناديق الاقتراع، وهو جانب حاضر أيضا في الانتخابات الحالية من خلال الادعاء أن حكومة برئاسة غانتس تعني الاعتماد على أصوات العرب والتي تملأ شوارع تل أبيب.

إلا أن الجديد في هذه الانتخابات هو توجه نتنياهو للعرب كناخبين، على أمل أن يحصل منهم على بضعة آلاف من الأصوات تزيد من مقاعد حزبه وتقربه من إمكانية تشكيل الحكومة القادمة، وهو توجه لم يقم به الأخير سابقا أو خلال المعركتين الأخيرتين، حيث تعامل معهم كمادة للتحريض فقط.

وذلك رغم أننا كنا نفضل التجاهل والعداء والتحريض على هكذا توجه صفيق، يستخف بعقولنا ويستهتر بمشاعرنا الوطنية والدينية، فهو لا يؤمن لنا جنة الله على الأرض التي يجب أن نحسد أنفسنا على أننا نعيش في نعيمها، بل هو من يؤمن لنا أيضا جنته في السماء، عبر تسهيل فريضة الحج إلى بيت الله الحرام مباشرة إلى السعودية بطائرات "إل عال" الإسرائيلية.

فهو أعطانا خطة الـ 10-15 مليار شيكل، التي روج لها أيمن عودة كإنجاز للمشتركة، وأكثر مما أعطانا أي رئيس حكومة سابق؛ فقط حكومة واحدة يتبين أنها برئاسته أيضا، سبق أن أعطت للعرب مليار واحد قبل ذلك، هو يفعل ذلك بينما يشرب أعضاء الكنيست العرب القهوة ولا يفعلون شيئا.

إنه لا يفتح لنا أبواب الجامعات ومعاقل الهايتك فقط، بل هو يفتح لنا أيضا أبواب جنة الرضوان بعد غسل ذنوبنا وخطايانا في البيت الحرام الذي سنحط فيه بـ "ضامر" إسرائيلي محلق وبأرخص الأسعار.

طبعا هذا الإنجاز لنتنياهو يضاف إلى إنجازاته الأخرى، التي ترجمت بالاعتراف الأميركي بضم الجولان ونقل السفارة الأميركية للقدس والإعلان عن "صفقة القرن" التي تشمل ضم الأغوار وسحب السيادة الإسرائيلية على المستوطنات وعملية ترانسفير للمثلث.

نتنياهو يستخف بعقولنا وبمشاعرنا الوطنية عندما يطلب منا أن نقايض الوطن والقضية أو ما تبقى منه ومنها بنعم الحياة في إسرائيل ونعيم جنة السماء، التي سيؤمنها لنا بالتعاقد مع محمد بن سلمان، جاهلا أن جنان الأرض والسماء لا تغنينا عن فلسطين.

عن "عرب ٤٨"