اليمين الإسرائيلي: من استيطان القلوب إلى استيطان البيت الأبيض !

حجم الخط

بقلم: رامي هود


قبل بضع سنوات لم يكن مصطلح "ضم" جزءاً في القاموس السياسي الإسرائيلي. لم يقترح اليمين الليبرالي الضم لاعتبارات ديمقراطية، ولا اليمين البراغماتي لاعتبارات واقعية، ولا اليمين المتدين بسبب غياب تصور سياسي. أعضاؤه لم يقدروا بأن أقلية استيطانية، 5 في المئة من الجمهور، يمكنها تقرير حقائق، ليس فقط على التلال في "السامرة"، بل أيضا في البيت الأبيض. ولكن هذا هو نفسه اليمين المتدين، الذي يظهر كل استطلاع إلى أي درجة مواقفه بعيدة عن مواقف الجمهور، وأن أحزابه تتلقى مرة تلو الأخرى الفشل في صناديق الاقتراع، والذي حتى الفترة الأخيرة لم ينشر زعماؤه السياسيون أي برنامج سياسي، ولم يطوروا فرضية اقتصادية أو قانونية مستقلة، هذا اليمين المتدين ذاته قرر تغيير توجهه.
بعد الانفصال عن غزة اتخذ اليمين المتدين قراراً استراتيجياً؛ وهو التحول من الاهتمام بالترويج للقيم والمبادئ الدينية لليمين العلماني والبراغماتي- وهو اليمين الذي أخلاه الآن من بيته - إلى قائد اللواء الذي يرسم له طريقه. وبالضبط الذي كان فيه في أسفل درجات شعبيته أكثر بكثير مقارنة مع الحضيض الذي وصل إليه اليسار، الآن، بدأ بمشروع طويل لبناء القوة. وخلال عقد حول مواقفه إلى مواقف سائدة في كل اليمين. من ناحية فكرية بنى اليمين المتدين قوته عن طريق طرح بديل، ليس فقط لليسار، بل لليمين القديم أيضا الذي لا توجد له أفكار. وقد اقترح الضم بدل الوضع الراهن، فقرة الاستقواء بدل فصل السلطات، قانون القومية بدل التظاهر بالمساواة، ومؤخراً محافظة اقتصادية متطرفة بدل الرأسمالية مع الرحمة. عندما نشر نفتالي بينيت في العام 2012 خطة "التهدئة"، التي اقترحت ضم مناطق ج، اعتبروها نوعا من الفضول. ولكن عندما عاد رؤساء المستوطنات والمراسلون والسياسيون إلى فحص الفكرة رأوا فيها البديل لحل الدولتين لليسار وعجز اليمين البراغماتي، وأصبحت خلال سنوات راية هذا المعسكر الرسمية.
من ناحية مؤسساتية، بنى اليمين المتدين قوته عن طريق عملية لإعادة تشكيل مؤسسات الدولة – الجيش والجهاز القضائي والخدمات العامة – بهدف أن يغرس فيها أفكار اليمين؛ وعن طريق إنشاء مؤسسات لبحث السياسات والقيادة والإعلام التي تروج الأفكار ذاتها، وتعد جيلا سياسيا جديدا لاستخدامه كعميل لهم.
معهد الاستراتيجية الصهيونية ومنتدى الجامعة وكلية السياسات وموقع "ميدا" والمدرسة العسكرية التمهيدية "عيليت" والمدرسة العسكرية التمهيدية "تبور"، هذه المؤسسات وغيرها هي البنية التحتية الفكرية والبشرية لمشروع بناء قوة اليمين.
خطة ترامب هي بلا شك علامة تاريخية فارقة في هذا المشروع. تشمل "صفقة القرن" بقاء 15 مستوطنة في الدولة الفلسطينية المستقبلية. وحكومة إسرائيل تعلن بأنها ستفرض القانون الإسرائيلي في "يهودا" و"السامرة".
فكرة الضم تم تطويرها خلال سنوات في مؤسسات اليمين، وتم استيعابها في أوساط جيل جديد من أعضاء اليمين، وبدأ تطبيقها في فترة اييلت شكيد، اثناء توليها وزارة العدل.
هكذا، فان فكرة الضم كانت مرساة سياسية رئيسة لليمين وهدف النشاط السياسي لبنيامين نتنياهو – الذي لم يؤيد في أي يوم عملية الضم – في مواجهة الادارة الأميركية. والآن تتم شرعنته في الرأي العام في اوساط ناخبي اليمين اللين والوسط.
صحيح أنه لا توجد لهم أي مصلحة في مستوطنة ادورا التي توجد في جبل الخليل، التي حسب الخطة يمكن أن تكون جيبا إسرائيليا في قلب فلسطين المستقبلية – لكن عندما يتحدثون في واشنطن وفي القدس عن الضم صباح مساء، فإن ضم ادورا أيضا يتحول إلى مصلحة.
إذا كان الأمر كذلك، فلماذا هذه القصة مهمة الآن؟ أولاً، من اجل الفهم بأنه حتى اذا كان الخطاب العام في السنة الأخيرة لا يتناول الافكار، بل الاشخاص، فان الأفكار هي التي تغير التاريخ.
ثانيا، من اجل التذكر، مع الاحترام لمصير الوسط السياسي كونه المتنافس الرئيس الذي سيقف امام نتنياهو في الانتخابات القادمة، فان السؤال المهم في النضال طويل المدى على روح إسرائيل هو مستقبل اليسار.
ومثلما أن فكرة الضم لم تكن لتجد طريقها نحو البيت الأبيض ون يمين متدين مصمم ومستقر، يركز على بناء قوة فكرية ومؤسساتية وسياسية، وبذلك ينجح في التأثير أيضا على اليمين الأكثر براغماتية، هكذا كان التقدم نحو السلام، نحو دولة الرفاه والمساواة بين مواطنيها، لن يتم إنجازها دون يسار مصمم ومستقر، يقود مشروعا مشابها وناجحا كي يحرك الوسط من مكانه أيضا. هذا هو جوهر التاريخ السياسي.
الصهيونية السياسية، وحركة العمل، و"الفهود السود" جلبت إلى طاولة السياسات حل الدولتين، واليمين المتدين جلب مشروع الاستيطان في القلوب إلى البيت الأبيض – كل هذه هي مجموعات مصممة ولها أفكار واستراتيجية، وهي التي غيرت التاريخ. جون ماينرد كينز هو الذي قال: "الأشخاص العمليون الذين يعتقدون بأنه لا يوجد لأي مثقف أي تأثير على تفكيرهم، هم بشكل عام عبيد لرجل اقتصادي منقرض".
أي أنه في نهاية أي سياسة يدعو لها سياسي "براغماتي" هناك جهات تفكير من اليمين ومن اليسار، والى جانبهم مجموعات مصممة تعمل لسنوات من اجل تحويلها من هامشية إلى ممكنة.
بترجمة سياسية، من الجيد أن هناك وسطا رسميا يتحدى سلطة "الليكود" ونتنياهو.
ولكن القوة المهمة الحقيقية في اليمين، التي ستبقى هنا لفترة طويلة بعد نتنياهو، هي اليمين المتدين – الذي يخلق ويروج فكرة الضم المدمر، وأفكارا قانونية واقتصادية محافظة ومتطرفة يستوردها من الولايات المتحدة.
السؤال المهم هو من الذي يقف أمام هذا اليمين؟ من الذي سيطور أفكارا منافسة ويحارب من اجلها، ويقوم ببناء مؤسسات ترددها، ويؤهل أشخاصا من أجل أجهزة التأثير كي يروجوا لها من هناك، ويعرف كيف يصنع سياسة ناجعة تطبقها فعليا؟ هذه الأمور يمكن فقط أن يفعلها معسكر يسار يحتقر هواية جلد الذات ومناقشة "مشكلة اليسار"، وبدلا من ذلك يكون مخلصا ومكرسا كل قوته لمشروع بناء الذات.

عن "هآرتس"