أين التنسيق الأمني تجاه سفك الدم الفلسطيني؟!

حجم الخط

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

 

تقترف القوات العسكرية الإسرائيلية يوميا جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية، ضد المواطنين الفلسطينيين الأبرياء، وتسفك دماءهم وتحتجز جثامينهم، دون ما رادع أو محقق أو مدقق أو محاسب أو تسبيب أو تعليل أو مسائل لهذه الجرائم النكراء. وتحتكر الأجهزة الأمنية الإسرائيلية الرواية وتنصب نفسها مرشدا وحيدا للحقيقة المرة العارية. فهي تقول ما تشاء وتصرح بما تشاء بشكل روتيني، وضمن ألفاظ محددة، مستهترة بحق الإنسان الفلسطيني في الحياة. فهي إن لم تقتله تتركه معاقا أبد الدهر.

المشكلة أن جميع من أوكل إليهم حماية حقوق الإنسان الفلسطيني، وتحقيق وتدقيق هذه الأمور غائبين، أو لا يجرؤون، أو مختبئون، أو يكتفون ببيان هنا أو هناك، فلا صليب أحمر ولا أمنستي ولا مجلس حقوق إنسان ولا محكمة جنائيية دولية ولا محلس أمن ولا بيتسيلم ولا هموكيد ولا سلطة فلسطينية ولا إنتربول يلاحق رجال الأمن الإسرائيلي في تصرفاتهم وسفك دماء الفلسطيني الذبيح.

إلا أن المشكلة الكبرى تكمن في جمود الوضع السياسي، وخطط خطيرة تصفوية كصفقة القرن، وهزال عربي وإسلامي وفلسطيني، وعدم اكتراث أوروبي وتحريض امريكي. وفوق هذا وذاك بقاء ما يسمى بالتنسيق الأمني القائم والمستمر والذي يتم في الضفة الغربية، والذي حظرته هيئات عدة لكنه بقي رغم أنف الجميع. فلا قرارات مجلس مركزي، ولا قرارات لجنة تنفيذية، ولا قرارات لجنة مركزية اسعفت هذا الموضوع بوقفه.

التنسيق الأمني من اختراعات اتفاقيات أوسلو التي أنشأت لجانا أمنية عديدة بعناصر شرطية وأمنية فلسطينية وإسرائيلية ومسميات مختلفة، بحيث تضيع في التسميات المختلفة، وأنشطتها العديدة والمتنوعة. فهذه لجنة أرتباط إسرائيلية فلسطينية مشتركة، وهذه لجنة ارتباط فرعية، وهذه لجنة مراقبة، وهذه دورية مشتركة، وهذه لجنة ارتباط وتوجيه، وهذه لجنة أمن إقليمية وهذه مكاتب تنسيق لوائية، وهذه وحدات تنقلات مشتركة. وكأن ألإسرائيلي خشي من فشل لجنة إبقاء أخرى وأخرى قيد الإحتياط.

وحتى لا يضيع القارىء في زحمة هذه اللجان الأمنية وتشكيلها ووصفها في اتفاقيات أوسلو، ووجودها من عدمه، وضرورتها من عدمه، وفي مهامها وفي جوهرها وكينونتها، حيث لا تعريف موحد لموضوع التنسيق الأمني المتعدد المتنوع، بل إن اًلإصطلاح غير معرف بشكل دقيق، فهو ما يمكن الإستدلال عليه من نصوص أوسلو بالمحافظة على النظام العام والأمن الداخلي ومحاربة الإرهاب وأعمال العنف والنشاط الإجرامي . فللأسف ليس هناك من توضيح رسمي من الجانب الفلسطيني عن عددها ووصفها وأعضائها ووظيفتها، إنما هو تخمين.

أيا كان الأمر، إذا كانت لجنة التنسيق الأمني ما سبق وصفها ،وهي مؤلفة من جانبين، فلماذا الجانب الفلسطيني صامت وساكن بينما هو جانب اساسي فيها، على الأقل شكلا. وحتى يثبت العكس فلماذا لا يثيرويحتج الطرف الفلسطيني، على موضوع سفك الدم الفلسطيني من قبل القوات الإسرائيلية سواء أكانت شرطة أو حرس حدود أو جنود بكل استهتار. لماذا لا يثير الجانب الفلسطيني موضوع مراحل تنفيذ إطلاق النيران والتدرج في موضوع إطلاق النار الحية على الشهداء الفلسطينيين. لماذا لا يثير الجانب الفلسطيني، موضوع نزف الدم من الجريح الفلسطيني بعد إصابته لمدة أربعين دقيقة دون تقديم إسعاف له. لماذا يسمح للجانب الإسرائيلي باحتجاز جثامين الشهداء الفلسطينيين. ولماذا لا يمنع ويحول دون دفن الشهداء الفلسطينيين في مقابر الأرقام. ولماذا لا يثير الطرف الفلسطيني اعتقال الأطفال الفلسطينيين وسجنهم. ولماذا لا يطلب تحقيقا عادلا في كثير من عمليات إطلاق النبران على أناس مسالمين أو بهم نقص بقدراتهم العقلية أو بنساء أو أطفال.

فما دامت هناك لجان تنسيق أمنية مفروضة من عل مكونة من طرفين، وما زالت تعمل رغم كل قرارات المجالس والهيئات، فمن المفروض أن تتداول هذه اللجان في القضايا التي تهم الجانبين، وليست قضايا تهم جانبا واحد دون غيره. فلا يعقل أن تناقش لجان التنسيق الأمني قضايا تخص الجانب الإسرائيلي وحده وإلا غدا الجانب الفلسطيني مجرد صدى للجانب الإسرائيلي. وما دام هذا من حق الجانب الفلسطيني كطرف اصيل في لجنة التنسيق الأمني، فيجب على الجانب الفلسطيني دون خوف أو وجل، وضع هذه الأمور على جدول الأعمال، مادام قد تم الإرتضاء بوجود تنسيق أمني وثنائية، ومناقشة هذا الأمر ضمن سياق مبدأ المعاملة بالمثل على أقل تقدير. وأن لا يكون الشغل الشاغل قضايا تسهيلات السفر وبطاقات في اي بي.

أما الذهاب لعقد اجتماعات لجان التنسيق الأمني بعقلية عشائرية قبلية مهزومة وتبعية دونما قراءة لمهام وجوهر هذه اللجان، فأمر فيه خلل كبير. فالخطوة الأولى هي قراءة اتفاقيات أوسلو الباطلة وبخاصة الأخيرة لعام 1995 ، والموقعة في واشنطن، وفهم اختصاص هذه اللجان وجوهر عملها، وكل ما يتصل بها من قريب أو بعيد رغم أنها باطلة بطلانا مطلقا.

ورب قائل أن هذا الراي وردي، ويتجاهل التصرف الإسرائيلي الهمجي، وضرب إسرائيل للقوانين والأنظمة عرض الحائط بعد اجتياح الضفة الغربية، لكن هذا الرأي المقابل في زمن اختلت فيه مبادىء القانون والعدالة وهو إحراج للقوة الإسرائيلية ضمن اتفاقيات أوسلو وليس ضمن موازين القوى المختلة لصالح القوة الإسرائيلية في كل المجالات. فهذا الأمر هو أضعف الإيمان المتاح. وهو أمر محكوم عليه بالفشل المسبق ولكن يستحق المحاولة.

بل إن هذه اللجان للتنسيق الأمني بطرفيها الفلسطيني والإسرائيلي، عليها التزام بما ورد في اتفاقيات أوسلو وتحديدا في المادة التاسعة عشر حيث نصت على أن " سوف تمارس إسرائيل والمجلس صلاحيتهما ومسئوليتهما بموجب هذه الإتفاقية مع اعتبار لازم للمبادىء والمعايير المقبولة دوليا ولمبادىء حقوق الإنسان وحكم القانون " . لنر مفهوم حقوق الإنسان وحكم القانون عند الإسرائيليين.

اتفاقية أوسلو الباطلة، أنشأت لجانا تنسيقية كثيرة، اختصرت مؤخرا بالتنسيق الأمني، ويبدو أنها لا تبحث إلا ما يهم الجانب الإسرائيلي، بينما ما يهم الجانب الفلسطيني مغيب تماما رغم وجود الجانب الفلسطيني كجانب اصيل فيها. فخروقات إسرائيل ليست محل بحث وتحقيق وجزاء، بل تفعل ما تشاء دون ما رادع. وكان الجانب الفلسطيني مغيب أو غير موجود أو مضمون، لأن من نهشته الحية حذر الرسن الأبلق، فالملدوغ يخاف جرة الحبل !