إسرائيل تستعين بقطر لمنع تدهور الأوضاع في غزة

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل


صلية الصواريخ، التي أطلقها «الجهاد الإسلامي» على الجنوب، لم تأخذ في الاعتبار الانتخابات القريبة القادمة في إسرائيل. وقد تقلّصت بشكل كبير الفجوة بين طموحات رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، من أجل تثبيت التهدئة في القطاع، حتى 2 آذار، وبين الضغط والتهديد الفظيع لوزير دفاعه، نفتالي بينيت، الذي يريد إظهار الفرق القتالي بينه وبين سلفه، افيغدور ليبرمان. نجح نتنياهو في تهدئة «حماس» حتى الآن عندما انتزع من شريكتها قطر وعداً بمواصلة تقديم المساعدة لها ولسكان القطاع حتى بعد آذار. الوعد الذي جاء إلى جانب إعطاء مبلغ 12 مليون دولار سيتم توزيعها على العائلات المحتاجة في غزة. ولكن «الجهاد الإسلامي» ليس جزءاً من هذه الصفقة. فله حسابات أخرى، ليس فقط ضد إسرائيل بل ضد «حماس» أيضا التي أثنت في نهاية الأسبوع على سخاء قطر الذي لن يستفيد منه «الجهاد الإسلامي».
كشْف ليبرمان، الذي بحسبه بعثة «الشراء» برئاسة رئيس «الموساد»، يوسي كوهين، وقائد المنطقة الوسطى، هيرتسي هليفي، اللذين التقيا مع شخصيات رفيعة المستوى في قطر من أجل مواصلة تقديم المساعدة، لا يشكل فقط كشف سر أمني كان معروفاً «فقط» لرئيس الحكومة ومستشاريه و»حماس» وقطر ومصر». وقد استهدف هذا الكشف إحراج نتنياهو وإظهار «بطل حرب الإرهاب» كحليف لمنظمة «إرهابية» وكمن يقوم بإهانة إسرائيل في حملة عار، فقط تعزز مكانة «حماس» في القطاع. ولكن الكشف يوضح في الوقت ذاته الى أي درجة تحولت «حماس» الى أداة سياسية، عربية، يمكنها تشكيل تحالفات والتأثير على خطوات، حتى خارج الساحة المحلية.
قطر، التي اعتبرتها إسرائيل، في السابق، دولة تؤيد «الارهاب»، حصلت من إسرائيل على ترخيص للدخول في العملية السياسية مقابل ملايين الدولارات التي تحولها لـ»حماس». لذلك حظيت قطر بمكانة مشابهة، إذا لم تكن متساوية، لمكانة عدوها اللدود مصر. وغرست وتدا عميقا في الرواية الفلسطينية. النتيجة هي أنه بين قطر ومصر يجري نوع من تقسيم العمل غير الرسمي. ففي حين أن مصر هي المسؤولة عن إدارة المفاوضات التكتيكية مع «حماس» وعن جهود التوصل إلى تهدئة طويلة المدى، فإن قطر توفر الأرضية المالية التي ستساعد على خفض أعمال العنف ضد إسرائيل.
توجد لمصر رافعة ثابتة مع «حماس»: معبر رفح الذي يتم استخدامه كشريان رئيسي للحياة من أجل حركة الأشخاص والبضائع بين القطاع ومصر، ومن هناك إلى العالم. إغلاق هذا المعبر وفتحه هو الصمام المهدد الذي يلزم «حماس» بالخضوع لمعظم طلبات مصر التي تمثل طلبات إسرائيل. ولكن مصر لا تقوم بتمويل «حماس» أو القطاع. يوجد لقطر ظاهريا وسائل ضغط على شكل الإذن الذي تعطيه لكبار قادة «حماس» بالتواجد فيها. ولكن حتى الآن لم تهدد قطر باستخدام هذه الوسيلة. وإذا كانت مصر تمسك بالعصا والجزرة فإن قطر لديها صندوق من الجزر الذي يتعلق استخدامه برغبة إسرائيل. هكذا نشأ ميزان مصالح فيه إسرائيل ودولتان عربيتان متعاديتان تتعاونان ضد منظمة تعرف كيف تستغل ميزان الرعب الذي تقيمه ضد إسرائيل.
قطر هي أيضا حليفة لتركيا وترى من المنظار ذاته العلاقة مع «حماس». وتركيا، مثل قطر، أيضا تقوم بمساعدة «حماس» وتسمح لقادة ونشطاء كبار فيها بإدارة شؤونهم من أراضيها. في محور تركيا – قطر تشارك إيران أيضا، التي توجد لها علاقات وثيقة مع الدولتين وتواصل تمويل «الجهاد الإسلامي». ولكنها تظهر بروداً في العلاقة مع «حماس». مصر وإسرائيل والسعودية تعتبر هذا المحور الثلاثي تهديدا إقليميا يخرب على النضال ضد إيران ويضر بمكانة الولايات المتحدة في المنطقة. ولكن بالذات غزة تجبر هذين المحورين على اتباع سياسة مزدوجة مثل حرب وتهديد على الصعيد العربي والدولي، وتعاون في غزة من أجل صد تدهور للوضع غير مسيطر عليه.
هذه العقدة يمكن لإسرائيل أن تفكها من خلال رفع الحصار عن قطاع غزة أو من خلال تسوية طويلة المدى، ستقلص مجال مناورة «حماس» السياسية وتقيدها بإقامة علاقة سليمة مع إسرائيل ومصر. هذه العملية ستجعل طلب التسهيلات من قطر أمرا زائدا، حيث يعتبر في إسرائيل استخذاء سياسيا وعسكريا، ويعيد دائرة نفوذ «حماس» إلى الساحة المحلية. ولكن رفع الحصار بشكل كامل يعتبر في إسرائيل خطا احمر يجب عدم تجاوزه، رغم أنه لم ينجح خلال 12 سنة في منع المواجهات العنيفة والعمليات الكبيرة التي قامت بها إسرائيل في غزة. تحول الحصار إلى رمز لسياسة محاربة «الإرهاب»، ومن المشكوك فيه أنه حتى بعد الانتخابات ستكون هناك حكومة، سواء حكومة وسط أو يمين، ستوافق على إعادة النظر في جدوى هذا الحصار.
التسوية، في المقابل، تعتبر عملية شرعية، رغم أنها مرتبطة بمفاوضات غير مباشرة مع «حماس» وتقديم تسهيلات اقتصادية كبيرة ستقضم بشكل كبير سياسة الحصار. المشكلة هي أن التسوية يتم تسويقها في إسرائيل على أنها اختراع أخير كي يسود هدوء مطلق. وهذا طموح بعيد المدى يمكن أن يقصر بشكل كبير زمن حياة التسوية إذا تم تحقيقها، حتى لو بسبب القوة التي تعطيها للتنظيمات الصغيرة لإدارة الصراع ضد «حماس» على حساب إسرائيل.
الطلب المنطقي الذي يمكن لإسرائيل تحقيقه هو تقليص كبير لأعمال العنف. مصطلح «تقليص أعمال العنف» يستخدم كاستراتيجية في ساحة المعارك في سورية، ومؤخراً أيضا في التفاهمات بين الولايات المتحدة و»طالبان». وهو أيضا يستند إلى رؤية حكيمة للأهداف الواقعية التي يمكن تحقيقها مقابل صراعات القوة التي يديرها الأعداء في نزاع طويل. في الظروف التي لا تعترف فيها «حماس» بإسرائيل وترفض أي حل سياسي معها، وفي ظل غياب عملية سياسية مع السلطة الفلسطينية، فإن تقليص أعمال العنف شرعي. وهو لا يلزم الحكومة بالتنازل عن مبادئها السياسية، لكنه يلزمها باستيعاب أو الرد بصورة محسوبة جدا على أي خرق.

عن «هآرتس»