البناء في "جفعات همتوس": نتنياهو يجتاز "الخطوط الحمر"!

حجم الخط

بقلم: نير حسون

 

في السنوات الـ15 الأخيرة وضع المجتمع الدولي أمام إسرائيل خطين أحمرين في مسألة المستوطنات: "جفعات همتوس" (تلة الطائرة) ومنطقة "إي1". بالنسبة للعالم والفلسطينيين فإن بناء إسرائيل في هذين الموقعين يشكل نقطة اللاعودة – سيحول الدولة الفلسطينية الى أمر نظري تماما، ليس له قيمة على الأرض. الخط الذي يصل بين الكيان الإسرائيلي والكيان الفلسطيني، الذي تم رسمه في خرائط كثيرة جداً منذ العام 1967، سيتحول الى أمر مستحيل.


خلال العقد السابق صمد نتنياهو امام ضغوط اليمين، وواصل تجميد البناء في تلة الطائرة وفي منطقة "إي1". هل كان ذلك بسبب خوفه من الضغط الدولي أم بسبب أنه فهم معنى هذا القرار على مستقبل إسرائيل؟ هذا الامر لن نعرفه.

ولكن الآن، وقبل أيام على الانتخابات الثالثة، حيث العالم منشغل بفيروس الكورونا، قرر نتنياهو اجتياز هذين الخطين الأحمرين وأخذنا جميعنا معه. من الواضح أن الأمر يتعلق بمناورة انتخابية. وهذا هو قرار آخر من بين القرارات الشعبوية التي استهدفت إرضاء جمهور ناخبين مختلفين، لكن هذا لا يعني أن نتنياهو يجب عليه إعادة الدولاب إلى الخلف في الأسبوع القادم. والأكثر احتمالا هو أن دولة إسرائيل قامت، اليوم، بخطوة أخرى نحو الدولة ثنائية القومية.

تلة الطائرة هي ارض قفر مرتفعة وتشرف على جنوب القدس. في التسعينيات دفع شارون الى الامام ببرنامج لاقامة حي من الكرفانات على هذه الأرض لمهاجرين من روسيا. بعد ذلك تم الترويج لبرنامج للبناء عليها تمت المصادقة عليه نهائية في العام 2014. ولكن في حينه وضعت ادارة اوباما، التي تلقت من نتنياهو إهانات كثيرة في كل ما يتعلق بالبناء في شرقي القدس، الفيتو على البناء في التلة. الأميركيون قاموا بفتح الخرائط وعرفوا أن البناء في تلة الطائرة يعني الفصل بين شرقي القدس وبيت لحم. وعزل قريتين فلسطينيتين هما بيت صفافا وشرفات، عن الاحياء الفلسطينية الأخرى في المدينة. وقد اضطر نتنياهو الى الخضوع للضغوط رغم جميع الاصوات التي جاءت من اليمين، وتم وقف الخطة قبل نشر المناقصات بلحظة.

منطقة "إي1" هي منطقة واسعة تقع بين "معاليه ادوميم" والقدس. في حلم اليمين هذه المنطقة هي "مبسيرت ادوميم": توسيع جنوبي للاستيطان نحو الشمال. وقبل سنوات كثيرة قامت الحكومة باعداد الارض، شقت الطرق، وأنشأت ميادين، وغرست اعمدة كهرباء، حتى أنها قامت ببناء مقر شرطة السامرة – القدس على رأس التلة، بتمويل من جمعية المستوطنين التي حصلت في المقابل على المبنى القديم للشرطة في شرقي القدس.

هكذا وُجد أحد الأمور الغريبة للاحتلال الإسرائيلي: بلدة فارغة توجد فيها شوارع وميادين وحتى مقر كبير للشرطة، لكن ليس فيها أي منزل أو أي ساكن. وخلال سنوات تم تجميد البناء في المكان. والمجتمع الدولي، وعلى رأسه الولايات المتحدة والاتحاد الاوروبي، اعتبروا البناء في منطقة "إي1" حدثا سيغير بشكل كامل الوضع الجيوسياسي في الضفة الغربية. ليس فقط لأن هذه المنطقة هي منطقة التوسع الوحيدة التي بقيت للقدس الفلسطينية، بل إن البناء فيها سيقسم الضفة الغربية الى قسمين، ولن يسمح بتواصل جغرافي فلسطيني في الضفة الغربية.

صحيح أنه بصورة مبدئية فانه في اتفاق سلام يمكن التغلب على أي عائق، إنشاء جسر آخر، أو نفق آخر، فتح المزيد من المعابر الحدودية أو تحويل جميع القدس الى "مدينة مفتوحة"، ولكن اضافة الى ذلك هناك كتلة حاسمة من المشكلات التي يمكن تحميلها على اتفاق سلام مستقبلي. كل سيناريو توجد فيه نقطة انكسار، وهذه هي النقطة التي سيحول فيها نشر المستوطنات التقسيم الى أمر غير عملي وعديم الاحتمالية السياسية، هندسيا واقتصاديا.

مبدأ التقسيم الى دولتين تعرض في ولاية نتنياهو الى ضربات كثيرة، بدءاً من التغيير الزاحف للوضع الراهن في منطقة الحرم، مرورا بمقاربة "لا يوجد شريك" وإهانة السلطة الفلسطينية، وانتهاء بتفشي وهياج البؤر الاستيطانية والمستوطنات في الضفة الغربية. وليس من غير المعقول أن تحرير البناء في تلة الطائرة وفي "إي1"، حتى لو تم ذلك لاعتبارات انتخابية، سينقلنا الى واقع لا يمكن فيه حتى تصور الدولة الفلسطينية المستقبلية. في الوقت الحالي أصبحت الخطوط الحمراء خلفنا في الطريق نحو دولة واحدة يعيش فيها شعبان. وإذا كانت هذه الدولة، ستكون مساواتية فهي لن تكون صهيونية. وإذا كانت صهيونية فهي ستكون دولة "ابرتهايد". في الواقع ربما أنها أصبحت هكذا. وفي نهاية المطاف هذا هو الإرث الحقيقي لنتنياهو.


عن "هآرتس"