إســـرائــيــل لا تملـــــك حــــلّاً حقـيـقــيــاً لتحـــدّي غـــزة

حجم الخط

بقلم: أريئيلا رينغل هوفمان


الويل، ثم الويل، فمن يصدق أن الفلسطينيين هم الذين أعلنوا وقف النار؟ هكذا بدأ، أول من أمس، في الصباح أحد المراسلين. وإذا لم يكن هذا بكاف، أضاف، فإنهم هم الذين بدؤوا وهم الذين توقفوا. وبالترجمة الحرة: يا لنا من دولة أقزام، ليس فقط نمنحهم المجال ليقرروا نقطة البدء، بل نسمح لهم أيضا أن يقرروا موقف النهاية.
في هذه المناسبة الاحتفالية، أُعيد في وسائل الإعلام ذكر الحقيقة الصاخبة في أن رئيس «الموساد»، يوسي كوهن، إلى جانب قائد المنطقة الجنوبية، هرتسي هليفي، سافرا إلى الدوحة كي يطلبا من القطريين أن يواصلوا ضخ الأموال النقدية إلى غزة. ما صاغه رئيس «أزرق أبيض»، بيني غانتس، بأربع كلمات «هنية يهدد ونتنياهو يدفع» – صيغة زوده بها على أي حال أحد رجالات حملته. وبالمناسبة أوضح أيضا: «حين أكون رئيس الوزراء وغابي اشكنازي وزير الدفاع سنعيد الإحباطات المركزة، واذا لم يكن مفر فسنخرج مرة أخرى إلى حملة تعيد الردع، كذاك الذي تحقق في نهاية حملة الجرف الصامد».
على كل هذا وغيره، بما في ذلك القول ان هذا الوضع لا يمكن أن يستمر (والذي كان عدد المرات التي قيل فيها في مطارحنا يتنافس فقط مع كمية الصواريخ التي سقطت على الغلاف في العقد الاخير)، او التهديد بأنه اذا كانت حاجة فسنحتل غزة وسنبقى هناك الى أن يصفى حكم «حماس» – لا يتبقى الا قول ثلاثة امور.
الأمر الاول، يتعلق في المصف الاخير لحملة الانتخابات المنفلتة، الثالثة في عددها، ونوجد في ذروتها. حملة يوجد فيها، ظاهرا على الاقل، شرعية معينة للتطرف، ان لم نقل لاطلاق الشعارات. هذه ايام لا يمكن لرئيس الوزراء او لمنافسه ان يسمحا لنفسيهما بالاعتراف بأن ليس لدى إسرائيل حل حقيقي للتصدي للتحدي الذي يشكله حكم «حماس» اجمالا، والفصائل الجهادية في غزة. لا يوجد حل معياري، او حل سحري ولا ابتكار حل لم يسبق أن جرب. تصفيات مركزة؟ غارات جوية؟ حملات اجتياحية؟ اغلاق المعابر، تقييد مجال الصيد؟ كل ذلك سبق أن جرب. وفي اطار ذلك دفعنا ايضا ثمنا دمويا رهيبا وجبينا ثمنا دمويا رهيبا. بكلمات اخرى، فإن الاحاديث عن حل في المدى المنظور ليست اكثر من وعود عابثة.
الموضوع الثاني، يتعلق بسياسة الاحتواء التي تنفذها إسرائيل عمليا. مع كل الألم الذي في الأمر، صحيح حتى اليوم، فإن هذا أهون الشرور في قائمة الخيارات التي كلها سيئة، أمر تقف خلفه نية صادقة للوصول الى تسوية. بالمال الذي تسمح إسرائيل بادخاله الى القطاع، مثلا، حتى تحت وابل الصواريخ، يكمن احتمال، حتى وان كان صغيرا، لتحسين جودة حياة مليوني نسمة يعيشون هناك. نحن لسنا المذنبين الحصريين بالمعاناة المتواصلة لسكان القطاع، ولكننا لا يمكننا أيضا أن نسمح لأنفسنا أن نتجاهله.
وهنا يأتي الموضوع الثالث. في الدولة السليمة يكون رئيس الوزراء هو المسؤول. الجيش يمكنه أن يشير، ويجب عليه أن يفعل ذلك، و»الكابينت» يمكنه أن يعرب عن رأيه، ولكن الرجل المقرر هو رئيس الوزراء. وعليه، فإلى جانب التقدير لقدرة نتنياهو على منع التصعيد، فإن خيبة الأمل الكبرى هي حقيقة أنه في أثناء الـ 11 سنة من حكمه لم ينجح في أن يبادر ويتصدر خطوات دراماتيكية لتغيير الوضع. إن لم يكن بالفعل، فبالوعي. ليحررنا أخيرا من الأمل البائس في أن ننجح في أن نقرر للغزيين من يترأسهم؛ ان ننجح، اذا كنا سمحنا فقط للجيش الإسرائيلي بأن ينتصر، في تنظيف القطاع من مخزونات الوسائل القتالية وتصفية منظمات «الارهاب» التي تعمل ضدنا. لم ينجح في استنفاد الامكانيات، مهما كانت صغيرة، للوصول الى تسوية سياسية طويلة المدى. الاعتراف بأن «حماس» هي الجهة التي علينا ان نتحدث معها، مباشرة أو بشكل غير مباشر. الموافقة على أخذ المخاطرة والثقة بالفرصة الكامنة في اقتراح مثل ذاك الذي بادر له في حينه الوزير إسرائيل كاتس. القول علنا ان ترتيبات الامن التي نتفوق فيها لم تنتج الهدوء المرجو، نعم، ولا حتى «الجرف الصامد»، وربما بالذات الموافقة على اقامة جزيرة اصطناعية تسمح للغزيين بالاتصال بالعالم ليس عبر معابر الحدود التي نتحكم بها، قد تحرك الأمور. حتى لو كان الأمر يتعلق بفكرة غير واقعية في نظر من لا يؤمنون الا بمزيد من القوة، والقاء المزيد من القذائف، الاحباطات، التجويع، التعطيش – سننجح في حل ما لم نحله منذ الانسحاب في العام 2005.
وهذا ما لم يفعله نتنياهو. كما أنه لا يعد اليوم بأن يفعله. وهكذا فانه هو وكذا بيني، الذي يعد بإعادة الردع، لا يعرضان علينا إلا المزيد من الأمر ذاته، ولسنوات كثيرة إلى الأمام.

عن «يديعوت»