العقيقة هي الذبيحة التي تذبح عن المولود، في اليوم السّابع لولادته، وذلك شكراً لله سبحانه وتعالى على إنعامه على المسلم بنعمة الطفل، سواءً أكان ذكراً أم أنثى، ولكنّ التّعريف غير جامع، لأنّ فيه اقتصاراً للعقيقة على الشّياه فقط، وهذا على قول من لا يجيز العقيقة من الإبل والبقر.
شروط العقيقة في الإسلام
هناك مجموعة من الشّروط التي يجب أن تتوافر في العقيقة حتى تكون تامّةً، وهي:
- أن تكون العقيقة من الأنعام، وهذا يشمل الضّأن، أو المعز، أو الإبل، أو البقر، وإنّ العقيقة لا تكون صحيحةً بغير هذه الأنواع، مثل الأرانب، أو الدّجاج أو العصافير، على هذا القول اجتمع أهل العلم من الفقهاء، والمحدّثين، وغيرهم.
وقد خالف ذلك القول ابن حزم الظاهري فقال:" ولا يجزئ في العقيقة إلا ما يقع عليه اسم الشّاه، إمّا من الضّأن، وإمّا من الماعز فقط، ولا يجزئ في ذلك من غير ما ذكرنا، لا من الإبل، ولا من البقر الإنسيّة، ولا من غير ذلك "، وقد نقل هذا القول عن حفصة بنت عبد الرّحمن بن أبي بكر، وهو رواية عن الإمام مالك.
- أن تكون العقيقة سليمةً وخاليةً تماماً من العيوب، وعلى هذا يقوم مذهب جمهور أهل العلم. وأمّا المقصود بالعيوب هنا فهي ذات العيوب التي تمنع الإجزاء في الأضحية، وذلك كما نصّ عليه كثير من أهل العلم. قال الإمام مالك:" وإنّما هي - العقيقة - بمنزلة النّسك والضّحايا، لا يجوز فيها عوراء، ولا عجفاء، ولا مكسورة القرن، ولا مريضة ...".
وقال الإمام الترمذي:" وقال أهل العلم لا يجزئ العقيقة من الشّاة إلا ما يجزئ في الأضحية "، وبالتالي فإنّه لا يجزئ في العقيقة ما كانت عرجاء بيّن عرجها، ولا عوراء بيّن عورها، أو مريضة بيّن مرضها، ولا عجفاء هزيلة، ولا عمياء، ولا كسيرة، ولا كسيحة.
ويرى جمهور أهل العلم أنّه يشترط في العقيقة كلّ ما يشترط في الأضحية، من حيث كونها من الأنعام، ومن حيث السّن، ومن حيث السّلامة من العيوب، قال الإمام التّرمذي:" وقالوا لا يجزئ في العقيقة من الشاة إلا ما يجزئ في الأضحية".
حكم العقيقة
لقد اختلف العلماء في حكم العقيقة، وذلك على ثلاثة أقوال، وهي:
- القول الأوّل: أنّ العقيقة سنّة مؤكّدة، وهذا قول الجمهور من أهل العلم، سواءً من الصّحابة، أو التّابعين، أو الفقهاء، وهو قول الشّافعية والمالكيّة أيضاً، وهو المشهور والمعتمد في المذهب الحنبليّ، وبه قال الجمهور.
وقد نُقل هذا القول عن ابن عباس، وابن عمر، وعائشة، وفاطمة بنت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، وبريدة الأسلمي، والقاسم بن محمد، وعروة بن الزّبير، وعطاء، والزهري، وأبو الزّناد، وإسحاق، وأبو ثور، وغيرهم كثير.
قال ابن القيّم:" فأمّا أهل الحديث قاطبةً، وفقهاؤهم، وجمهور أهل السّنة، فقالوا: هي من سنّة رسول الله صلّى الله عليه وسلّم ".
- القول الثّاني: أنّ العقيقة فرض واجب، وهذا قول الظاهرية وعلى رأسهم صاحب المذهب، وابن حزم، وقد نُقل عن الحسن البصريّ، وهو رواية عن الإمام أحمد، وقد اختارها جماعة من الحنابلة، وهو قول الليث بن سعد.
- القول الثّالث: وهو للحنفيّة، وقد اختلفت الرّوايات الموجودة في المذهب الحنفي في حكم العقيقة، وهي على ثلاثة أقوال، وهي:
1- أنّ العقيقة تطوّع، فمن شاء فعلها أو تركها، وهذا قول الطحاوي في مختصره، وابن عابدين في العقود الدّرية، وهذا موافق لقول الجمهور بشكل عامّ.
2- أنّ العقيقة مباحة، وهذا قول المنبجي، ونقله ابن عابدين عن جامع المحبوبي.
3- أنّ العقيقة منسوخة، وأنّه يكره فعلها، وهو منقول عن محمّد بن الحسن صاحب أبي حنيفة، حيث قال:" أمّا العقيقة فبلغنا أنّها كانت في الجاهلية، وقد فعلت في أوّل الإسلام، ثمّ نسخ الأضحى كلّ ذبح كان قبله ".
مشروعية العقيقة لقد ثبتت مشروعيّة أداء العقيقة من خلال السّنة النّبوية، وذلك من قول النّبي - صلّى الله عليه وسلّم - ومن فعله، وهي على النّحو التالي:
- الأدلة من السّنة القوليّة، فقد وردت أحاديث كثيرة تدلّ على ذلك، ومنها: روى الإمام البخاري بسنده عن محمّد بن سيرين، حدّثنا سلمان بن عامر الضبّي قال: سمعت رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - يقول:" مع الغلام عقيقة فأهريقوا عنه دمه، وأميطوا عنه الأذى "، ورواه أبو داود، والترمذي، والنّسائي، وابن ماجة. عن سمرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:" كلّ غلام رهينة بعقيقته، تذبح عنه يوم سابعه، ويحلق، ويسمّى "، رواه أبو داود.
- الأدلة من السّنة الفعليّة الثّابتة عن رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - فمنها ما ورد من الأحاديث التالية: عن عكرمة، عن ابن عباس:" أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - عقّ عن الحسن والحسين كبشاً كبشاً "، رواه أبو داود. وفي رواية أخرى لحديث ابن عباس:" أنّ الرّسول - صلّى الله عليه وسلّم - عقّ عن الحسن والحسين بكبشين كبشين "، رواه النّسائي. عن بريدة أنّ الرّسول صلّى الله عليه وسلّم:" عقّ عن الحسن والحسين "، رواه أحمد، والنسائي، والطبراني.
وقت العقيقة
يرى الشّافعية والحنابلة أنّ الوقت لذبح العقيقة يبدأ من تمام انفصال المولود، وبالتالي لا تصحّ العقيقة قبل ذلك، بل تكون في هذه الحالة ذبيحةً عاديّةً.
وقد ذهب أصحاب المذهبين الحنفي والمالكي إلى أنّ وقت العقيقة هو في سابع يوم من الولادة ولا يكون قبل ذلك، وذهب الجمهور من الفقهاء إلى أنّ يوم الولادة يُحتسب من الأيّام السّبعة، ولا تحتسب الليلة إذا ولد ليلاً، بل يُحتسب اليوم الذي يليها، وقال المالكيّة:" لاَ يُحْسَبُ يَوْمُ الْوِلاَدَةِ فِي حَقِّ مَنْ وُلِدَ بَعْدَ الْفَجْرِ، وَأَمَّا مَنْ وُلِدَ مَعَ الْفَجْرِ أَوْ قَبْلَهُ فَإِنَّ الْيَوْمَ يُحْسَبُ فِي حَقِّهِ ".
وقالوا أيضاً:" إِنَّ وَقْتَ الْعَقِيقَةِ يَفُوتُ بِفَوَاتِ الْيَوْمِ السَّابِعِ "، أمّا الشّافعية فقد قالوا:" إِنَّ وَقْتَ الإِْجْزَاءِ فِي حَقِّ الأَْبِ وَنَحْوِهِ يَنْتَهِي بِبُلُوغِ الْمَوْلُودِ ".
وأمّا الحنابلة فقد قالوا في قول ضعيف عند المالكيّة أيضاً:" إِنْ فَاتَ ذَبْحُ الْعَقِيقَةِ فِي الْيَوْمِ السَّابِعِ يُسَنُّ ذَبْحُهَا فِي الرَّابِعَ عَشَرَ، فَإِنْ فَاتَ ذَبْحُهَا فِيهِ انْتَقَلَتْ إِلَى الْيَوْمِ الْحَادِي وَالْعِشْرِينَ مِنْ وِلاَدَةِ الْمَوْلُودِ، فَيُسَنُّ ذَبْحُهَا فِيهِ "، وأمّا الشّافعية فقد نصّوا على:" أَنَّ الْعَقِيقَةَ لاَ تَفُوتُ بِتَأْخِيرِهَا، لَكِنْ يُسْتَحَبُّ أَلاَّ تُؤَخَّرَ عَنْ سِنِّ الْبُلُوغِ، فَإِنْ أُخِّرَتْ حَتَّى يَبْلُغَ سَقَطَ حُكْمُهَا فِي حَقِّ غَيْرِ الْمَوْلُودِ، وَهُوَ مُخَيَّرٌ فِي الْعَقِيقَةِ عَنْ نَفْسِهِ، وَاسْتَحْسَنَ الْقَفَّال الشَّاشِيُّ أَنْ يَفْعَلَهَا ".
توزيع العقيقة
ذهب جمهور العلماء إلى أنّه يستحبّ أن تطبخ العقيقة كلها حتّى الأجزاء التي يتمّ التصدّق بها، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها:" السُّنَّةُ شَاتَانِ مُكَافِئَتَانِ عَنِ الْغُلاَمِ، وَعَنِ الْجَارِيَةِ شَاةٌ، تُطْبَخُ جُدُولاً وَلاَ يَكْسِرُ عَظْمًا، وَيَأْكُل، وَيُطْعِمُ، وَيَتَصَدَّقُ، وَذَلِكَ يَوْمَ السَّابِعِ "، وأمّا الحنفيّة فقالوا:" يَجُوزُ فِي الْعَقِيقَةِ تَفْرِيقُهَا نِيئَةً وَمَطْبُوخَةً ".
ما يستحب في العقيقة
يجزئ في حكم العقيقة ما يجزئ في الأضحية، وهي الأنعام من الإبل، والبقر، والغنم، ولا يجزء عنها غيرها، وهذا باتفاق بين كلّ من الحنفيّة، والشّافعية، والحنابلة، وهو أرجح القولين عند المالكية. وأمّا الشّافعية فقالوا أنّه:" يُجْزِئُ فِيهَا الْمِقْدَارُ الَّذِي يُجْزِئُ فِي الأُْضْحِيَّةِ وَأَقَلُّهُ شَاةٌ كَامِلَةٌ، أَوِ السُّبُعُ مِنْ بَدَنَةٍ أَوْ مِنْ بَقَرَةٍ "، وأمّا المالكية والحنابلة فقالوا:" لاَ يُجْزِئُ فِي الْعَقِيقَةِ إِلاَّ بَدَنَةٌ كَامِلَةٌ أَوْ بَقَرَةٌ كَامِلَةٌ ".
وقد ذهب كلّ من الشّافعية والحنابلة إلى أنّه من المستحبّ أن يعقّ المسلم عن الذّكر بشاتين متماثلتين، وعن الأنثى بشاة، وذلك لحديث عائشة رضي الله عنها أنّ رسول الله - صلّى الله عليه وسلّم - أمرهم عن الغلام شاتان مكافئتان، وعن الجارية بشاة، ويجوز العقّ عن الذّكر بشاة واحدة، وذلك لحديث ابن عبّاس رضي الله عنهما:" أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَقَّ عَنِ الْحَسَنِ وَالْحُسَيْنِ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا كَبْشًا كَبْشًا ".
وقد ذهب الحنفية والمالكية إلى أنّه يعقّ عن الغلام والجارية شاةً شاةً، وكان عبد الله ابن عمر رضي الله عنه يفعل ذلك، وأمّا الحسن وقتادة فقالوا أنّه لا عقيقة عن الأنثى.