الحل الإستراتيجي مع غزة يتطلب التفاوض مع السلطة الفلسطينية

حجم الخط

بقلم: نداف تمير*



إذاً، ما العمل مع غزة؟ في كل جولة عنف يبدأ من جديد مراثون المقابلات الصحافية مع كل الطيف السياسي ممن يقترحون الكليشيهات العادية – ترميم الردع، احتلال غزة، او التسوية. يدعي المتشائمون بأن ليس هناك ما يمكن عمله، والجولات ستستمر. كل هذه الأجوبة تعنى بحلول تكتيكية لا ترتبط بغاية استراتيجية وسياسية، ولهذا فهي محكومة بأن تكون قصيرة المدى. أما النهج الاستراتيجي تجاه مسألة غزة فيجب ان يتعاطى مع العموم الفلسطيني، وليس فقط مع «حماس» أو «الجهاد الإسلامي».
وميل الحكومات الأخيرة في إسرائيل لخلق فصل بين قطاع غزة والضفة الغربية نجح في إقناع الجمهور بأن هذا بالفعل هدف مرغوب فيه، ولكن هذه فرضية مغلوطة.
وبالذات خطة ترامب، التي تضر من نواحٍ عديدة بفرص السلام، أشارت الى الحل المحتم للربط بين غزة والضفة.
كل حل لمسألة غزة يجب أن يتضمن السلطة الفلسطينية، ولكننا جعلنا السلطة غير ذات صلة بغزة، وهكذا حققت النبوءة ذاتها.
في كل مرة كانت فيها محاولة للربط بين غزة والضفة، أفشلتها إسرائيل. هكذا كان عندما حاول أبو مازن العمل على انتخابات فلسطينية، أو عندما حاول إقامة حكومة تكنوقراط كان يمكنها أن تشكل سلما مناسبا لـ «حماس» للتقدم معنا دون أن تهجر في المرحلة الأولى أيديولوجيا الحركة، والذي هو شرط للتغيير في كل نزاع دولي سبق أن حل.
أضعفنا السلطة الفلسطينية عندما لم نسمح لسياستها ضد العنف ومع الحلول الدبلوماسية أن تحقق الإنجازات.
نهج ابو مازن، منذ يومه الأول في منصبه، هو محاولة الوصول الى تسوية، اذا كان ممكنا بالمفاوضات واذا لم يكن ممكنا، فبالتوجه الى المؤسسات الدولية.
اما نحن فقد جعلنا محاولاته للحوار مع إسرائيل باعثة على الشفقة، لأننا واصلنا البناء في المستوطنات واستخدمنا المفاوضات كوسيلة للتسويف في الوقت ولخلق حقائق على الأرض. عندما حاول الفلسطينيون عمل ذلك بوسائل متعددة الأطراف، وصفنا هذا بـ «الإرهاب» السياسي، واستخدمنا الأميركيين لمنعه، رغم أنه بالضبط بذات الوسيلة – التوجه الى مؤسسات الامم المتحدة – حصلنا على استقلالنا.
بينما يؤيد ابو مازن حل الدولتين والاعتراف بإسرائيل في حدود 1967 مع تبادل للاراضي، بل وافق على مبدأ تجريد الدولة الفلسطينية من السلاح، نصر على التعاطي مع «حماس»، التي تعارض وجودنا.
وبينما يواصل أبو مازن توجيه قوات الأمن لديه للتنسيق الأمني لمنع العمليات نثيب «حماس» ونغدق عليها العطايا والدفعات المالية عبر قطر.
إن حلا طويل المدى واستراتيجياً لمسألة غزة يرتبط باستئناف المسيرة السياسية مع السلطة الفلسطينية، بتشجيع من حكومة وحدة تكنوقراطية في غزة، يمكن معها التقدم بالتدريج في الأعمال والتجريد.
حل طويل المدى يجب أن يكون سياسيا. من كل محاولاتنا السابقة لخلق الردع تعلمنا أنه لا يوجد حل عسكري.
يوجد اليوم شركاء فلسطينيون أكثر جودة مما كان لنا في الماضي. عرفات «الارهابي» حل محله أبو مازن، الذي ينفر من «الارهاب»، و «اللاءات الثلاث» من مؤتمر الخرطوم للجامعة العربية (1967) (لا صلح، لا اعترف، ولا مفاوضات مع إسرائيل) حلت محلها مبادرة السلام العربية، والتي رسالتها هي: تقدموا سياسيا مع الفلسطينيين كي نتمكن من تطبيع علاقاتنا معكم، انطلاقا من الفهم بأن إسرائيل يمكنها أن تكون جزءا من الحل لمشاكل المنطقة وليست المشكلة.
بينما وقعت كل هذه التغييرات الايجابية حولنا، واصل زعماؤنا الشرح لماذا لا يوجد شريك، وعززوا «حماس». وعليه، فان الخطاب الجماهيري في إسرائيل يعود كل مرة من جديد إلى الاقتراحات التكتيكية ذاتها التي لا تحل شيئا. هذه الحلول تبدو منطقية بغياب بديل استراتيجي، ولكن يوجد بديل كهذا، وهو يتطلب زعامة شجاعة وواعية وليس شعارات سياسية وكليشيهات فارغة من المضمون.

عن «معاريف»
*عضو اللجنة الإدارية في «ميتفين» – المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية، وعمل سابقا دبلوماسيا ومستشارا سياسيا للرئيس بيريس.