فيروس «كورونا» وخطورة العبث بالنظام البيئي!

د.عقل أبو قرع.jpg
حجم الخط

عقل أبو قرع

انشغل العالم ونحن معهم، خلال الأسابيع القليلة الماضية بظهور الفيروس المستجد، الذي بات يعرف بفيروس «كورونا»، أو علميا وحسب منظمة الصحة العالمية «COVID-19»، ومع انشغال العالم بنسبة الإصابات أو عدد الحالات التي أصابها الفيروس وعدد الوفيات، وعدد المليارات أو التريليونات التي خسرتها الاقتصاديات والأسواق في العالم، والتداعيات السياسية والاجتماعية والاقتصادية، تناسى الناس بشكل أساسي البحث عن الأسباب أو عن الظروف التي ربما ساعدت أو هيأت ظهور مثل فيروس كهذا، أو غيره من الفيروسات الأكثر خطورة في المستقبل.
ورغم التداول الشائع بأن السبب الحقيقي أو الأساسي لظهور هذا الفيروس هو انتقاله من حيوان مصاب إلى الإنسان، سواء من خلال الاستهلاك أو غيره، مع العلم أن استهلاك ذاك النوع من الحيوانات هو أمر شائع في الصين التي تعتبر بؤرة أو مصدر المنشأ للفيروس، إلا أنه وحتى الآن لا يوجد تأكيد واضح لكيفية ظهور هذا الفيروس في بني البشر، وشرح واضح لسرعة انتقاله وانتشاره إلى معظم دول العالم، وما هي الظروف المستجدة التي ساعدت على ظهوره في الناس والأهم ساهمت في سرعة انتشاره، وبصرف النظر عن أن انتقال الفيروس قد تم من خلال استهلاك حيوانات موبوءة أو لا، إلا أن تصرفات الإنسان غير الطبيعية أو غير الصحية، وعبث الإنسان بالنظام البيئي ومن مختلف الجوانب، ربما ساهم أو سوف يساهم في انتشار هذا الفيروس وفي ظهور سلالات أكثر خطورة وأشد فتكاً وسوف يكون من الصعب علاجها أو الوقاية منها في المستقبل وربما المستقبل القريب.
حيث من المعروف أن أكثر بقاع الأرض تلوثاً في الوقت الحاضر هي مناطق أو مدن صينية أو مدن هندية، هذا مع التقدم الهائل الصناعي الهائل وغيره والذي تناسى أو تغاضى عن تداعيات ذلك على النظام البيئي، سواء على الهواء أو على التربة أو المياه أو الطعام الذي يتم استهلاكه، ومعروف أن عبث الإنسان المتواصل بالنظام البيئي، هو الذي أدى إلى ما بات يعرف الآن بالتغيرات المناخية والاحتباس الحراري وغيرهما، والذي انعكس وما زال من خلال ظواهر واضحة ومكررة مثل، الفيضانات والجفاف وارتفاع درجة الحرارة وقلة الأمطار والتصحر والحرائق وتغيرات جوية عنيفة في مناطق لم تشهدها من قبل، وكل هذه الظروف هي المرتع الخصب لنشوء الأمراض ولتحور وتطور كائنات حية مميتة سواء أكانت فيروسات أم بكتيريا أم حتى حشرات وفطريات، أصبحت تقاوم المبيدات وتدمر المحاصيل والأمن الغذائي.
ونحن نعرف أن هناك أمراضاً كثيرة ومنها الـ «عضال» لها علاقة بالتلوث البيئي وتداعياته، ومنها ما هو أصبح شائعا عندنا، ومنها أمراض السرطان المتنوعة، والتي أصبحت وخلال السنوات القليلة الماضية مسببا أساسيا للوفيات في كثير من الدول، والمسبب الثاني للوفاة في بلادنا، سواء أكان ذلك في الضفة الغربية أم في قطاع غزة، حيث إنه وبالإضافة إلى العوامل الجينية أو الوراثية التي يمكن أن تساعد أو تحفز النمو غير الطبيعي للخلايا وبالتالي بداية تشكل الورم السرطاني، فعلى ما يبدو أن هناك ممارسات حياتية وظروفا بيئية وأنظمة غذائية هي التي ساعدت وتساعد على انتشار هذه الأمراض.
ورغم انعقاد قمة المناخ العالمية والضجيج الإعلامي الذي رافقها، ورغم التوقيع مسبقا على اتفاقية المناخ في باريس، والذي حدث بعد مضض وبعد تردد وأخذ وعطاء، والذي يعني الالتزام بالحصة المخصصة لتلك الدولة للحد من انبعاثات الغاز، إلا أن التطبيق أو الترجمة العملية لهذا التوقيع لم تحدث، وهو المؤشر على مدى الالتزام، وبالطبع تتداخل المصالح الاقتصادية والسياسية والحزبية وغير ذلك، وفي المحصلة وكما كان يتم في الماضي، لا تجد هذه الاتفاقيات أو الالتزامات طريقها إلى الحيز العملي أو إلى التطبيق الفعلي، أو إلى البدء الحقيقي في الحد من التداعيات المناخية وبالتالي إنقاذ الأرض والنظام البيئي العالمي من تداعيات مستقبلية ربما نجهل حدتها وخطورتها.
ومع مواصلة انتشار فيروس «كورونا» وتزايد عدد الوفيات وارتفاع عدد البلدان التي اجتاحها هذا الفيروس، فدعنا نتذكر أن التقدم التكنولوجي الهائل ليس دائما في الصالح الإيجابي للبشر، وبالأخص في مجال إحداث التغيرات الجينية من خلال الهندسة الوراثية، سواء في حيوانات أو في نباتات أو كائنات دقيقة، وربما ذلك أدى إلى توفر الظروف الملائمة من أجل انتشار كائنات أو ظهور أصناف لم نعرفْها أو نَعْتَدْ عليها، وبالتالي لا نعرف كيفية الوقاية منها أو التعامل معها، سواء أكان ذلك من خلال أخطاء بشرية غير مقصودة، أم بشكل مقصود، ولكن ودون تقدير مدى الخطورة وعدم القدرة على التحكم بها، ومثال ما يحدث الآن من خلال ظاهرة فيروس «كورونا»، ربما يكون من أهم الأمثلة على ذلك.