من الذي خاف مهاجمة إيران؟

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



أخرج السطر الأخير في الصراع بين «الليكود» و»أزرق أبيض»، عشية الانتخابات، من المزمار قضيتين تعودان الى بداية العقد الماضي: الخلاف على مهاجمة المنشآت النووية الإيرانية، وقضية هرباز. وفي الحالتين يبدو أن حملة «الليكود» تعتمد على الذاكرة القصيرة للناخبين في إسرائيل من أجل عرض صورة مشوهة عن الأحداث.
رد رئيس «ازرق ابيض»، عضو الكنيست بني غانتس، بغضب على الرأي الذي تم تسجيله من فم مستشاره الانتخابي (الذي أُقيل)، إسرائيل بخر، والذي قال فيه إنه يخشى من مهاجمة إيران. وفي جولة مقابلاته مع وسائل الإعلام قال غانتس إنه أعد الجيش الإسرائيلي بصفته رئيساً للأركان، لاحتمالية مهاجمة إيران. وقال إن قرار عدم المهاجمة اتخذ في المستوى السياسي وليس في المستوى العسكري. الادعاءان صحيحان، لكن تحت هجوم «الليكود» لم يذكر غانتس أي نقطة مهمة: تحفظ حقا من هجوم إسرائيلي لا ينسق مع الأميركيين، بالضبط مثل سلفه في المنصب، غابي اشكنازي، وجميع رؤساء الأجهزة الأمنية في تلك السنوات.
التهمة التي يدفع بها «الليكود» لا تتعلق تماما بالفترة الحالية. في الأصل، هجوم إسرائيلي على إيران لا يقف الآن على الأجندة. في شباط 2011، عندما تم تعيينه رئيسا للأركان، سرّع غانتس خطط الهجوم التي بدأ بإعدادها اشكنازي. احتمالية الهجوم تم طرحها للنقاش على الأقل مرتين إضافيتين، في ربيع وصيف 2011 ومرة أخرى بعد نحو سنة. كبار الضباط في الأجهزة الأمنية تحفظوا لسببين رئيسيين: الشكوك حول درجة قدرة الهجوم الإسرائيلي على إعاقة المشروع النووي الإيراني لفترة زمنية، والخوف من حدوث قطيعة مع إدارة أوباما.
يحاول رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، أن يلقي على غانتس قرار عدم الهجوم. في السابق برر نتنياهو ووزير الدفاع في حينه، ايهود باراك، القرار بعدم القدرة على تحقيق أغلبية في «الكابنت» وفي منتدى الثمانية. الوزير يوفال شتاينيتس والوزير موشيه يعلون تمت الإشارة اليهما كمتهمين. عمليا، حتى الآن ليس من الواضح للقلائل الذين كانوا مطلعين على هذا الامر هل كان نتنياهو وباراك ينويان المهاجمة حقا أم أنهما روجا للاستعداد للهجوم فقط من اجل اقناع الأميركيين بزيادة الضغط الاقتصادي على إيران (مثلما حدث حقا في نهاية المطاف).
على أي حال، كان نتنياهو يدرك جيدا الاعتبارات المضادة التي طرحها رؤساء جهاز الأمن، وقد خاف هو نفسه من التورط في حرب تتعرض فيها الجبهة الداخلية في إسرائيل لضربة غير مسبوقة من «حزب الله»، واختار الامتناع عن القيام بهذه الخطوة التي لو أنها انتهت بالفشل لكان سينهي حياته السياسية. من الصعب أن ننسب كل ذلك لبني غانتس.

عصفوران بحجر واحد
في قضية هرباز يحاول نتنياهو، الآن، إصابة عصفورين بحجر واحد: اشكنازي (الآن هو من كبار اعضاء «ازرق ابيض») والمستشار القانوني للحكومة، افيحاي مندلبليت (الذي كان في حينه المدعي العام العسكري). أي منهما لا توجد له ذريعة للتفاخر بدوره في هذه القضية. وهي التي وصفها غانتس في حينه بـجثة تبعث رائحة كريهة في رئاسة هيئة الاركان. تقرير مراقب الدولة وفحوصات اخرى اظهرت انتقادا شديدا لسلوك اشكنازي الذي انحرف عن حدود منصبه، وعلى الاقل اغمض عينيه عندما كان محيطه منشغلا بمناورات سياسية قبيحة ضد الوزير المسؤول عنه، باراك. وتأخر مندلبليت في بلورة التوصية القانونية المطلوبة لاشكنازي – تسليم الوثيقة على الفور لمحققي الشرطة – وعمل أكثر كمحام لرئيس الأركان، وبدرجة أقل مسؤول عن إنفاذ القانون في الجيش.
ولكن كل هذه الأمور تمت مناقشتها في السابق كثيراً قبل عشر سنوات تقريبا. انتهت التحقيقات في 2014، وخلال تلك الفترة أظهر نتنياهو بصعوبة قدرا قليلا من الاهتمام بنتائجها. فهو لم يظهر حب استطلاع حول خطوات اشكنازي طالما لم يعتبره خطرا سياسيا. وبالنسبة لمندلبليت، نتنياهو هو الذي دفع من اجل تعيينه في منصب المستشار القانوني للحكومة، مع تجاهل تحفظ سلفه، يهودا فاينشتاين، ورئيس المحكمة العليا في حينه، آشر غرونس. وفقط مؤخرا على خلفية الحرب الضروس التي يديرها ضد سلطات القانون تذكر نتنياهو قضية هرباز. فجأة طلب نشر جميع محاضر المكالمات المتعلقة بالقضية.
الابواق وروبوتات الحملة انقضوا كمن وجدوا غنيمة على كل كشف حول القضية، رغم أن الحديث يدور فعليا في معظم الحالات عن تكرار التقارير التي نشرت في «هآرتس» وفي وسائل اعلام اخرى عندما كانت القضية لا تزال على قيد الحياة. وليس من الصعب ملاحظة أن الغضب المقدس الذي يظهر هنا هو غضب مصطنع. إطلاق الذخيرة القديمة في قضية هرباز استهدف تحقيق هدفين: تعزيز الادعاء غير الثابت بأن درجة مشابهة من الفساد انتشرت في المعسكرين، وتخويف مندلبليت من القيام بخطوات تضر بنتنياهو في الفترة الواقعة بين موعد الانتخابات وموعد محاكمته في 17 آذار.
أضاف رئيس الحكومة خطأ آخر على الجريمة عندما أوضح في نهاية الأسبوع الماضي بأنه بسبب تزوير وثيقة هرباز فقد تم التشويش على تعيين الجنرال (الآن وزير) يوآف غالنت رئيسا للأركان. هذا في الحقيقة كان هدف من اخترعوا الوثيقة، حيث أرادوا أن يشوهوا باراك بواسطتها. ولكن نتنياهو وباراك قاما بتعيين غالنت رئيسا للأركان بعد تفجر القضية. وفقط تقرير مراقب الدولة عن قضية أراضي غالنت في مستوطنة «عميكام»، هو الذي اجبرهما على إلغاء تعيينه واستبداله بغانتس قبل أسبوع من تسلمه للمنصب.

الجيش في مرمى الهدف
إلى جانب النظام السياسي، لا يكف نتنياهو عن إدارة حملة التخويف ضد الشرطة والنيابة العامة والآن القضاة أيضا. مؤخراً انتشرت شائعات بأن نتنياهو نفى بشكل علني الأقوال حول نيته إقالة مندلبليت من منصبه، والقيام بعملية تطهير في النيابة العامة إذا فازت كتلة اليمين بـ61 مقعداً أو أكثر في الانتخابات.
الرعب والتشويش، اللذان ألقتهما هذه الخطوة على الجهاز القضائي، أصبحا واضحين الآن. وهناك موضوع لا يتم ذكره يتعلق بالتأثير المحتمل لحملة التهديدات على رؤساء جهاز الأمن. قبل ثلاث سنوات قام محيط نتنياهو بحملة عنيفة أديرت ضد رئيس الأركان في حينه، غادي آيزنكوت، فيما يتعلق بالخط المتصلب الذي أدى إلى محاكمة اليئور ازاريا، وهو الجندي الذي أطلق النار في الخليل. في السنة الماضية كانت محاولة لتشويه آيزنكوت، ومن خلال ذلك إعطاء دعم اليمين، بالتأكيد مؤقت، لرئيس الأركان الحالي، أفيف كوخافي.
تؤدي الأوقات الحساسة إلى خيبة أمل الرتب التي توجد تحت كوخافي في الجيش الإسرائيلي. الجيش، الذي لم يتم إبلاغه عن الاتصالات مع إدارة ترامب حول صفقة القرن، اضطر إلى استخدامه زينة لتهديدات نتنياهو بشأن التصعيد المتوقع مع إيران، وتطبيق مناورة جمع جثث «المخربين»، التي بادر إليها وزير الدفاع بينيت، رغم أنه لا يرى في ذلك أي فائدة. وبشكل عام، الانطباع هو أن هيئة الأركان تسير على أطراف أصابعها من أجل عدم التورط مع السياسيين في فترة الانتخابات.
كم يؤثر هذا على طرح رأي مهني ومستقل في فترة توتر أمني شديد في قطاع غزة وفي الساحة السورية؟ الجيش و»الشاباك» تم إخضاعهما للامتحان مرة واحدة بعد ليلة الصواريخ التي تم إطلاقها على أسدود في أيلول الماضي. في حينه، كما نشرت «هآرتس»، حاول نتنياهو القيام بعملية عسكرية واسعة كان يمكن أن تؤدي إلى تأجيل جولة الانتخابات الثانية. وهذه العملية تم وقفها في نهاية المطاف بتدخل مندلبليت، بعد أن تم تحذيره من قبل الجيش. هذه ظواهر يمكن أن تتكرر أيضا في هذه الأيام.

عن «هآرتس»