زيارة هنيّة في ميزان الحسابات الروسية

حجم الخط

بقلم مروان كنفاني

هل سيعتبر الرئيس محمود عباس أن زيارة غريمه الحمساوي لموسكو خطوة روسية عدائية للنظام الذي مثّل الفلسطينيين خلال الخمسين عاما الماضية؟

يقوم رئيس حركة حماس إسماعيل هنية برفقة مسؤولين بارزين في الحركة بجولة خارجية، محطتها الراهنة موسكو، وسط تفسيرات وإشاعات عن خلافات داخلية حمساوية وتحضيرات لانتخابات الحركة القادمة، وخيرا فعل. لقد بارك العرب قديما السفر وفوائده. وحان الوقت لترى قيادة حماس العالم، المؤيد والمعادي من خارج قطاع غزة، الجميل والحزين، وكيف ينظر ويحكم العالم عليه.

يعتقد غالبية المتابعين للتطورات التي تعصف بالقضية الفلسطينية أن مطلب إعادة اللُحمة إلى الجسد السياسي للشعب، والجغرافي لما تبقى من أرض لهذا الشعب، لم يعد هدفا لقيادة حركتي فتح وحماس، حيث استبدلت الثانية شعار المقاومة الذي كان يعني المقاومة والتصدي في قطاع غزة وفي الضفة الغربية أيضا، بالعمل الحثيث المتشعب الاتجاهات لإبعاد سيطرة فتح عن غزة وإرساء إمارة حمساوية فيه، وربما جزيرة صغيرة تبنى في البحر لتوسيع مساحتها.

بينما تنهمك قيادات حركة فتح في الاجتهاد لمنع أي طموحات قد تدور في أذهان قادة حماس للتسلل للضفة الغربية بالقوة أو بالانتخابات. وتبدو منهمكة في ترتيب الأمور وتحشيد القوى والبحث عن التحالفات لضمان تفرّد قيادة فتح لمنظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية.

ما تعذّر على الجميع هو إعادة اللحمة الوطنية والجغرافية والسياسية للشعب الفلسطيني، والعائق الوحيد لتحقيق هذه الأمنية هم القيادات أنفسهم، والكاسب الأول هي إسرائيل، والخاسر الأكبر هم الفلسطينيون وقضيتهم العادلة.

ستتعامل الدبلوماسية الروسية بحرص شديد مع الرغبة التي أبدتها حركة حماس بالاقتراب المستقل من إحدى الدولتين الأعظم في العالم. وإن كان من المعروف أن حماس أبدت من خلال وسطاء رغبتها منذ سنوات عديدة بالتقارب المباشر فإن المجهول هو السبب الذي دفع موسكو إلى الاستجابة للرغبة الحمساوية في الوقت الحاضر.

يتفرّع الطلب الحمساوي بالنسبة لروسيا إلى ثلاثة أفرع هامة في سياساتها الخارجية، أولها علاقات موسكو مع الفلسطينيين خاصة والعرب بشكل عام، وثانيها الحسابات الحاكمة في العلاقات الروسية الأميركية، وثالثها طبيعة العلاقات الروسية الإسرائيلية.

هل سيعتبر الرئيس محمود عباس أن زيارة غريمه الحمساوي لموسكو خطوة روسية عدائية للنظام الذي مثّل الفلسطينيين خلال الخمسين عاما الماضية؟ وهل تتحسس واشنطن من هذا التقارب الجديد بين روسيا وبين منظمة تعتبرها أميركا إرهابية؟ وكيف تتصرف إسرائيل في مواجهة التقارب الجديد؟

أول ما يلفت الانتباه في هذا التطوّر هو جدّية التجاوب الروسي مع الرغبة الحمساوية والأناة والحذر من المساس بالعلاقة المتميّزة مع منظمة التحرير الفلسطينية والسلطة الوطنية وحركة فتح، منذ بداية ظهورها على ساحة الشرق الأوسط.

قد يكون ما صرّح به وزير الخارجية الروسي المحنّك سيرجي لافروف، حول هذا الموضوع وربطه بكامله في إطار المساهمة في إعادة اللحمة للجسد الفلسطيني جانبا من التفسير، الأمر الذي يساعد الفلسطينيين على تحسين موقفهم في العودة للتفاوض مع الإسرائيليين، مع علم الوزير الروسي المؤكّد أن حركة حماس ليست معنية أو مهتمة بأي نوع من التفاوض مع إسرائيل، ومصر، في حالات الصدام، هي التي تمثّل الوسيط الخبير في العلاقات غير المباشرة الإسرائيلية الحمساوية.

كي يبدو الموقف الروسي عادلا في ما يتعلق بالطلب الحمساوي فقد استقبلت في صمت عميق وفدا من حركة فتح لإبلاغه بنية روسيا استقبال وفد من حماس، كما وَجهت روسيا الدعوة أيضا لتنظيم الجهاد، التنظيم الوحيد مع حماس غير الممثل في منظمة التحرير الفلسطينية وما تفرّع عنها من مؤسسات سياسية.

واضح أن الخطوة الأخيرة التي قامت بها روسيا ستؤهلها لتجمع كافة المنظمات والفصائل الفلسطينية فيما إذا دعت، نظريا، منظمة التحرير الفلسطينية للالتحاق بمؤتمر لتوحيد الفصائل.

لم يتطرق وزير الخارجية الروسي خلال الاجتماع لاحتمال لقاء ممثلي حماس والجهاد للرئيس الروسي، ولم يشر للموقف الإسرائيلي الرافض لكل الاتفاقات أو القرارات الدولية والمواقف الأوروبية. وكرر موقف موسكو المعلن من المبادرة الأميركية.

تهدف الخطوة الروسية فقط لدعم الفلسطينيين وإقناعهم بضرورة الوحدة والاتفاق، فليس هناك ما يثير غضبا أو تصرّفا من الولايات المتحدة أو إسرائيل، لأن التدخل السياسي أو العسكري في المشكلة الفلسطينية غير وارد في قاموس روسيا في الفترة الحالية ولا يبدو أن ذلك ممكن في المستقبل المنظور.

لكن روسيا انتهزت الفرصة لإعادة التأكيد باستمرارها في دعم القرارات الدولية المؤيدة لحقوق الشعب الفلسطيني. كان الموضوع الوحيد الذي أصرّ لافروف على تكراره وتأكيده هو الوضع العام والخلاف الفلسطيني وأهمية إعادة توحيد الصف للعمل السياسي والمقاوم الذي يشكّل المطلب الأساسي في الوقت الحالي.

لم يغب عن ذهن لافروف، ما أشار إليه هنية، من أن العقبة بين حركتي فتح وحماس للتوصل إلى اتفاق مشاركة لا يحتاج إلى اتفاقات ولا اجتماعات جديدة، لأن القرارات الموقّعة التي توصّل إليها الطرفان كافية في حد ذاتها إذا تم تنفيذها.

نفس ما يقوله ويكرره ويطالب به الوفد الفتحاوي لمحادثات التوحد الجارية منذ أكثر من عقد من الزمن، ومع ذلك لم يتم أي تقدم لتنفيذ ما يدّعي كل طرف بالموافقة عليه.

كما يعرف لافروف أن العقبة التي تقف عائقا أمام التوحّد الفلسطيني لا يمكن حلها في موسكو ولا في القاهرة، لكن في فلسطين نفسها وبين الفلسطينيين أنفسهم، كما أن الوزير واثق من أن انضمام روسيا إلى الوساطة المصرية قد يضعف ويعرقل أي محاولة دولية جادة للتوسط، لأن الوساطة والتقرير في الأزمة الفلسطينية الإسرائيلية هما احتكار أميركي، كما أن التعامل مثلا في مشكلة أوكرانيا هو احتكار روسي.

من الممكن أن تعرض روسيا مبادرة للتوصل لموقف فلسطيني موحّد تجاه الجرائم الإسرائيلية ضد الشعب والأرض والمقدسات الفلسطينية، إذا اقتنعت بصدق الطرفين الفلسطينيين (فتح وحماس) للتوصل إلى برنامج سياسي مشترك أو الدعوة لانتخابات عامة رئاسية وتشريعية، الأمر الذي لا يراهن عليه أحد حتى الآن.