الانفكاك الاقتصادي يبدأ بطبق الحمص

حجم الخط

بقلم د. أسامه الفرا

 

 الانفكاك الاقتصادي يبدأ بطبق الحمصطالبت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني في رام الله المواطنين عدم استهلاك حمص الصبار "تسبار" الاسرائيلي المنتج في العبوة 400 غراماً والذي تنتهي صلاحيته في 26 أذار الجاري، وكي تكون اكثر دقة في تخصيص مطالبتها في اضيق حدودها كي لا يشمل كافة العبوات من ذات الحجم فقد ارفقت رقم المنتج، والتحذير جاء خوفاً من إحتمال احتواء المنتج على جرثومة الليستيريا المستوحدة، ولم تتأخر شقيقتها وزارة الاقتصاد الوطني في قطاع غزة بذات المطالبة "على طريقة القص واللصق" واضافت اليه بأن طواقمها بدأت بأخذ عينات من كافة الاصناف التي تنتجها الشركة الاسرائيلية لفحصها مخبرياً والتأكد من سلامتها حفاظاً على صحة وسلامة المواطنين، وبغض النظر إن كانت وزارة الاقتصاد قد اكتشفت احتمالية تلوث المنتج الاسرائيلي "الذي سبق ايضاً أن تلوث بجرثومة السلامونيلا" في مختبراتها أم أن التحذير وصلها كما هو وتكفلت هي بتعميمه علينا فلا يقلل ذلك من حرص الوزارة على صحة وسلامة المواطنين.
وزارة الاقتصاد في دول العالم المختلفة لا تحشر كلمة وطني في مسماها، فنسمع بوزارة الاقتصاد الصينية ومثلها الألمانية وكذلك وزارة الاقتصاد في مدغشقر دون أن تستحضر أي منها أو غيرها من دول العالم كلمة الوطني في مسماها، وفي المقابل يوجد مصطلح المنتج الوطني الذي يشكل جزءاً وليس كلاً من اقتصاد الدولة تسعى لتعزيز مكانته ليشكل رافعة لاقتصادها، أما وأن وزارة الاقتصاد لدينا قد اقحمت الوطني في مسماها "وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني" فهذا يدفعنا لتناول تحذيرها الأخير المتعلق بالحمص في سياقه الوطني، حمص "تسبار" الاسرائيلي والذي يعني الصبار، وكلمة "تسبار" يتم استخدامها في الثقافة العبرية لوصف الاسرائيلي المولود في فلسطين لتمييزه عمن جاء اليها مهاجراً، ودلالتها مستمدة من نوعمته الداخلية وأشواكه المؤلمة الخارجية، ومصنع تسبار المملوك لشركة اوسم الاسرائيلية "التي اقامت مصانعها على انقاص البلدات الفلسطينية في النجد والطنطورة وعراق المنشية" تفتخر بأنها شريك مخلص للصندوق القومي اليهودي وتتباهى بجمعها الأموال لأغراض الاستيطان، ليس هذا فحسب بل أن منتجاتها يتم انتاجها تحت اشراف الحاخامية العليا في اسرائيل، وأن الحملة الدولية لمقاطعة اسرائيل ادرجت منتجات شركة نستلة السويسرية ضمن المنتجات التي تعمل على مقاطعتها نظراً لقيام الشركة السويسرية بشراء اسهم في شركة اوسم الاسرائيلية.
خلافاً لكل ذلك هل نحن بحاجة إلى طبق الحمص الاسرائيلي على مائدتنا؟، والأهم من ذلك ألا يقع طبق الحمص ضمن دائرة الاستهداف لمنظومة عمل الاحتلال القائمة على السرقة وتزوير التاريخ؟، والتي تسعى من خلالها لانتزاع الفلسطيني من تراثه وطمس هويته وصناعة تاريخ لها؟، حيث أنه بموازاة سرقة الأرض التي عكفت عليها حكومات الاحتلال المتعاقبة وبوتيرة متصاعدة وما أحدثته من تغيير في معالمها بما يلائم منهجية التزوير التي تقوم بها، تعمل جاهدة للسطو على مكونات التراث الفلسطيني واظهاره للعالم وكأنه جزءاً من تراثها، تلاحقنا في أدق تفاصيل تراثنا حيث الثوب الفلسطيني التقليدي ترتديه مضيفات شركة طيران العال الاسرائيلية، والتحف الخزفية المصنوعة بأيدي فلسطينية تسوق للسياح على اعتبار انها من صميم الفلكلور الاسرائيلي، وطبق الحمص تسوقه في الدول الاوروبية على أنه من مكونات مأكولاتها الشعبية.
بعيداً عن المقاطعة وضجيجها، تلجأ العديد من دول العالم لسياسة دعم منتجها الوطني من خلال منع استيراد البديل له حتى وإن تمتع الأخير بجودة أفضل من منتجها، وبالتالي لا يمكن لأحد أن يتهم وزارة الإقتصاد الوطني الفلسطيني بمعاداة السامية إن قررت منع استيراد الحمص الاسرائيلي، سيما وأنه لا توجد دولة في العالم تستورد أكلاتها الشعبية، ولنا أن نتخيل ما الذي يمكن أن يحدث لو أن اليابانيين استيقظوا من نومهم ووجدوا أن السوشي يأتي اليهم من كوريا الشمالية، أو أن الحكومة المصرية قررت فتح أسواقها لاستيراد الكشري من الدول المجاورة، أو أن تذهب إلى مطعم في ايطاليا ليسألك إن كنت تريد بيتزا محلية أم مستوردة، بل كيف يمكن للحكومة الصومالية أن تبرر لشعبها اسيترادها العنجيلو من جيبوتي؟.
إن كانت وزارة الاقتصاد الوطني الفلسطيني جادة في العمل نحو الانفكاك عن الاقتصاد الاسرائيلي والتحلل من قيود اتفاقية باريس الاقتصادية فلتبدأ بطبق الحمص بدلاً من مسألة استيراد العجول.