إسـرائـيـل 2020 وجـنـوب إفـريـقـيـا فـي عـهـد "الابـرتـهـايـد": تـطـابـق خـطـيـر!

حجم الخط

بقلم: حيمي شليف


الأنباء الجيدة هي أن التقرير السنوي لمنظمة "فريدم هاوس"، الذي نشر، هذا الأسبوع، عن وضع الحرية والديمقراطية في العالم، ما زال يعتبر إسرائيل دولة "حرة". والأنباء السيئة هي أنه حسب التقرير فإن الديمقراطية في إسرائيل توجد في حالة تراجع متواصلة. في السنوات الثلاث الأخيرة هبطت إسرائيل من المكان 45 في التصنيف العالمي الى المكان 76، قريباً بصورة مقلقة مع الدول التي تعتبر "حرة جزئيا". وفي كتلة الدول الديمقراطية الغربية إسرائيل موجودة في المكان الأخير.
مكان إسرائيل في التقرير السنوي لهذه المنظمة، التي ترتكز إلى إعلان حقوق الانسان الصادر عن الامم المتحدة، يوجد له سقف زجاجي فكري، وهو لا ينبع من الاحتلال في الضفة الغربية الذي يتم احتسابه بشكل منفرد، بل من عدم فصل الدين عن الدولة والتمييز المؤسساتي ضد "عرب إسرائيل" وما أشبه. إن تدهور إسرائيل في التصنيف العالمي لـ"فريدم هاوس" في السنوات الاخيرة ينبع بالاساس من نزع الشرعية المتسارع عن الاقلية العربية، ومن التحريض المتزايد ضدها برعاية رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بشكل خاص، واليمين بشكل عام خلال الحملتين الانتخابيتين اللتين أجريتا في العام 2015.
من حسن حظ إسرائيل أن التقرير تم الانتهاء منه قبل العرض العنصري الرهيب لنتنياهو، الاربعاء الماضي، الذي بالتأكيد سيقلل علاماتها في السنة القادمة. اعتبر نتنياهو ممثلي القائمة المشتركة، الذين حصلوا على ثقة كاسحة من الجمهور العربي في الانتخابات الاخيرة، منبوذين. العرب، قرر نتنياهو، ليسوا شركاء كاملين في الديمقراطية في إسرائيل، فهم يصوتون بالاساس لصالح أنفسهم.
ومن اجل مساعدة الأذن الإسرائيلية على استيعاب الصدى الخطير الذي كان لتصريح نتنياهو في العالم في الـ 64 ساعة الاخيرة، يكفي تخيل مؤتمر صحافي لزعيم اوروبي، يقوم فيه برسم علاقات القوة السياسية في دولته، لكن دون اليهود. هؤلاء غير مخلصين لدولتهم، بل لشعبهم ودينهم، سيقول، لذلك لا يتم أخذهم في الحسبان.
هكذا يسمع في الأذن الصماء تعبير "حسم الشعب" الذي يستخدمه نتنياهو ومن يرددون اقواله دون ادراك مدهش، منذ تبين أن انتصاره الكبير في الانتخابات لا يحقق له الاغلبية المطلقة التي توقعها. بالنسبة لنتنياهو فإن الانتخابات الإسرائيلية تجري على مستويين بشكل متواز، وهي تشمل كل مواطني إسرائيل في انتخابات لا يمكن قبول نتائجها، وتشمل اليهود فقط، وتعتبر الانتخابات الحقيقية الحاسمة.
أشار محامو رئيس الحكومة، بحق، إلى أن أقواله تعكس اتفاقا واسعا بين جميع الاحزاب الصهيونية (أي اليهودية، لأن الأحزاب الأصولية لا تعتبر نفسها "صهيونية" بالمعنى المقبول) ومنها حزب "ازرق ابيض". ولكن هناك فرقا كبيرا بين توجه حقير، مهما كان مخجلا، وبين تصريح رسمي لرئيس الحكومة يعتبر "عرب إسرائيل" رسميا مواطنين من الدرجة الثانية مع حق تصويت من الدرجة الثالثة، الذي يحول العنصرية الكامنة الى سياسة رسمية.

تشابه محرج
حسب الحلم المحدث لرئيس الحكومة وائتلافه، الذي يستبعد نهائيا صيغة دولتين لشعبين، ستسود في "إسرائيل الكبرى، كما يظهر، ثلاثة انواع من الحكم، ديمقراطية لإسرائيل، "ابرتهايد" للفلسطينيين في "المناطق" التي لن يتم ضمها في "يهودا" و"السامرة"، و"ابرتهايد" خفيف لإخوتهم في أرضها السيادية. براءة الاختراع هذه غير أصيلة. فهي تشبه بشكل مبدئي "البرلمان المثلث" الذي أسسه رئيس حكومة جنوب افريقيا، بيتر وليام بوتا، في محاولة لصد الضغط الدولي ضد نظام "الابرتهايد" الذي أسسه.
وحسب التعديلات في الدستور، التي أجراها بوتا، والتي تمت المصادقة عليها في البرلمان الأبيض في جنوب افريقيا في العام 1983 والتي بقيت سارية المفعول حتى العام 1994، فإن المجلس التشريعي ستكون فيه ثلاثة مجالس منفردة. الأول للبيض، فيه 178 عضواً. والثاني لـ"الملونين"، مثلما كانوا يسمونهم وهم أبناء الجنسيات المختلطة، فيه 85 عضواً. والثالث للمواطنين من أصل هندي، وفي 45 عضواً. وتجدر الاشارة الى أنه تم منح البرلمان الأبيض حق الفيتو على قرارات البرلمانين الآخرين اللذين اقتصرت صلاحياتهما على الشؤون المتعلقة بسكانهما.
إن منح حق التصويت للسود، حتى لو كان ذلك في برلمان خاص بهم مخصيّ، يشكل جسرا بعيدا جدا بالنسبة لبوتا واصدقائه. السود كان يمكنهم التصويت فقط في الاقاليم المرعية التي اقامها نظام "الابرتهايد" لهم، والتي تذكر الآن باسم "بانتوستانات". وقبل ذلك كان مطلوباً مجهر من أجل تمييز الفرق بين البانتوستانات وبين الحكم الذاتي الذي يقترحه اليمين على الفلسطينيين في "المناطق". ومن ضمن ذلك حلم الرئيس ترامب، الذي يتمثل بصفقة القرن. وتصريحات رئيس الحكومة تكمل الصورة. فهي تسهل على من يكرهون إسرائيل الادعاء بأنه بين إسرائيل 2020 وبين جنوب افريقيا في عهد "الابرتهايد" يوجد تطابق كامل تقريبا.
في دولة سليمة، كما كانت إسرائيل ذات يوم، فإن رئيس الحكومة، الذي يقوم باقصاء جمهور كامل على اساس عرقي وديني، ويعطي بذلك هدية لاعداء بلادنا، كان سيتم منعه نهائيا من مواصلة القيام بوظيفته. في إسرائيل 2020، التي يحكم فيها رئيس حكومة يقوم بالتقسيم والتحريض وتشجيع رئيس أميركي فظ وعنصري اكثر منه، فإن تصريح نتنياهو يستقبل باحتجاجات ضعيفة، ولكن بالاساس بلامبالاة.
المقارنة محظورة. ولكن على الاقل يمكننا أن نفهم بشكل افضل كيف أن شعبا لديه ثقافة عظيمة وقيم سامية يمكنه بالتدريج الانجرار على أيدي زعمائه الى أماكن قومية متطرفة، مركزية الاثنية، والشعور بأنه محق، ويعتبر المعارضين له من الداخل كمن يغرسون سكيناً في ظهر الأمة، ومن ينتقدونه من الخارج كمن يثيرون العداء ويدعون الى الكراهية ولا يعرفون الوضع على حقيقته ويسيرون في مسيرة وطنية فخورة نحو الهاوية.

انبعاث رائحة شرائح لحم مشوية
أمي العزيزة - رحمها الله - ولدت في بلدة ليتو مايرزتسا، التي عرفت في حينه باسم "لايتمريتس" في اقليم السوديت في شمال غربي التشيك. عندما كبرت تحول سكان البلدة والاقليم، الذين كانوا في معظمهم من أصل ألماني، إلى قوميين متطرفين لاساميين، أيدوا بحماسة هتلر ونظامه. وعندما كنت طالبة في الثانوية عانت أمي من التنكيل من قبل المعلمين والزملاء في المدرسة. وبعد ذلك تم نقلها مع طلاب يهود آخرين الى آخر الصف في مكان مخصص لهم. وفي العام 1938 بعد ضم ألمانيا للسوديت هربت مع عائلتها الى براغ، ومن هناك جاءت وحدها الى إسرائيل.
تجربة أمي منحتها الشعور بتشخيص وتمييز بمستوى لن يتكرر بوساطة التكنولوجيا الحديثة. رادارها الداخلي لم يشمل فقط رؤيتها بأنه يمكنها التمييز بين اليهود وغير اليهود في لحظة، بل ايضا زادت لديها حاسة السمع والشم، حيث كان يمكنها التمييز بين اللاساميين وغير اللاساميين استنادا الى جملة عابرة أو نظرة عفوية أو تعابير وجه عارضة.
يدور الحديث عن تطور تجاوز كما يبدو اليهود الذين يشكلون الاغلبية في إسرائيل، والذين لا يحتاجون الى أجهزة الدفاع التي طورها يهود الشتات، وتجاوز زعماء إسرائيل الذين ربطوا انفسهم بزعماء قوميين متطرفين مثلهم، وتجاهلوا جوهرهم. التدهور الشديد في ارض إسرائيل الى درجة أن اليهود فيها لم يكفوا فقط عن تشخيص اللاساميين من الخارج، بل هم ايضا يجدون صعوبة في ملاحظة العنصرية التي تنمو في اوساطهم.
رادار الشتات مع ذلك لا يقتصر على اليهود، بل هو يتطور في اوساط أي اقلية دينية، قومية أو عرقية، تعيش لفترة طويلة في محيط معاد يميز ضدها. والسود في أميركا، المعروفون اليوم بالافارقة الأميركيين، يوجد لهم الشعور ذاته. فتاريخهم، الذي يشمل 300 سنة من العبودية والتنمر و100 سنة من الاضطهاد والعنف و70 سنة من المساواة التي هي رسمية أكثر منها عملية، وفر ايضا للافارقة في أميركا راداراً متطوراً يمكنه التمييز بين الاصدقاء الحقيقيين وبين المتملقين برمشة عين. وهذا الرادار هو المفتاح لفهم الانقلاب الذي لا يصدق والذي حدث، هذا الاسبوع، في السباق الديمقراطي للرئاسة. جو بايدن لم يقف فقط الى جانب السود خلال سنوات، بل بث أيضاً التماهي الصادق مع نضالهم. وبيرني ساندرز لم يتجاهلهم خلال سنوات فقط، بل إن محاولته تقريبهم في اطار سباقه على الرئاسة بثت لهم - كما كانت تقول أمي - رائحة شواء وهمية.
تدفّق المصوتون الديمقراطيون السود الى صناديق الاقتراع، في البداية في جنوب كارولاينا وبعد بضعة ايام في جميع الولايات في يوم "الثلاثاء الكبير". وقد تسببوا بضربة قاضية لساندرز، ربما قاتلة، ومنحوا بايدن عودة مدهشة الى السباق، حيث كان مشجعو مكابي تل ابيب القدامى، على الاقل الذين لم يصابوا بالكورونا، سيسمونها "معجزة بدالونا".
لقد رفضوا النظرية التقدمية الشاملة لساندرز التي لا تميز بينهم وبين مضطهدين آخرين وبين المقاربة التقليدية للحزب الديمقراطي التي يمثلها بايدن، والتي توحد السود وتعترف بأن معاناتهم في الماضي والحاضر، التي هي مثل الكراهية العنصرية الموجهة ضدهم ايضاً، الآن، لا يمكن مقارنتها مع مشكلات أي أقلية اخرى.
إن انتصارات بايدن في يوم "الثلاثاء الكبير" في الولايات التي يوجد فيها جاليات كبيرة للسود، منحته انتصارات جارفة واقامت من اجله "حصنا جنوبيا" توجد فيه مفارقة تاريخية غير قليلة. حظي بايدن بتطبيق "إستراتيجية الجنوب"، التي طرحها ريتشارد نيكسون في العام 1968، التي انتزعت من الديمقراطيين دعم الجنوب، وحولت الحزب الجمهوري الى الحزب المهيمن، لكن بشكل معاكس. احتل نيكسون قلوب أبناء الجنوب عن طريق تطوير غضبهم وعنصريتهم ضد السود. وامتلك بايدن قلوب السود في الجنوب عن طريق تعظيم تميزهم والاعتراف بمعاناتهم.
نقطة ضعف ساندرز، مثلما هي نقطة ضعف منافسيه بايت بوتجيجي وايمي كالوفسر، نبعت من عدم قدرتهم على التواصل مع المصوتين السود ومن فشلهم في اثبات اقوال التملق التي أغدقوها عليهم في حملات تعكس الايمان الداخلي المتقد. بايدن، في المقابل، لم يستند فقط الى سجل حقيقي من دعم نضالهم، بل بث أيضا التعاطف الذي لاحظه السود بإحساسهم بأنه تعاطف صادق.
السياسي الديمقراطي غير المحبوب في اوساط السود لديه احتمال ضعيف كي ينتخب مرشحا لحزبه للرئاسة، واحتمال ضئيل للفوز بالرئاسة. منذ عهد نيكسون، الديمقراطيون الوحيدون الذين دخلوا الى البيت الابيض، جيمي كارتر وبيل كلينتون وباراك اوباما، جميعهم حصلوا على دعم كبير من السود. وهذا الدعم هو شرط ضروري، حتى لو لم يكن كافيا، لجميع مرشحي الحزب الديمقراطي.
نجاح ساندرز في بداية الانتخابات التمهيدية، في الولايات التي لا تمثل الشريحة السكانية النموذجية للحزب، مع اغلبية مطلقة للبيض وتمثيل أقل بروزا للسود، خلق الوهم الذي أيده خبراء ومحللون، بأنه سينجح في التغلب على العائق الافروأميركي ويواصل السير في ترشحه للرئاسة. السود تجاهلوا هذه التحليلات، وتجندوا لاظهار قوتهم واعادة كرامتهم الضائعة. ومثلما تظهر الامور الآن فإنه ليس مستبعدا أن تصويتهم في هذا الاسبوع قد قضى على ساندرز، وضمن انتخاب بايدن مرشحا للحزب الديمقراطي للرئاسة. وفي نهاية العملية، إذا لم يتوقف بايدن في منتصف الطريق فسيتم تذكر ذلك مثل المسدس الذي وضع على الطاولة في المعركة الأولى من أجل تصفية رئاسة دونالد ترامب لاحقا.
من ناحية تاريخية، يدور الحديث عن إنجاز لامع للسود، انتقام جميل من ليبراليين بيض مثل ساندرز ومؤيديه الذين يريدون إصلاح العالم، ولكنهم لا يرونهم عن بعد متر. هم يستطيعون ربما أن يشكلوا الالهام ايضا للقائمة المشتركة التي يمكنها أن تصنع تاريخاً اذا وقفت في صف واحد مع معارضي نتنياهو اليهود، حتى لو كانوا بالنسبة لهم يشكلون بضاعة تالفة. والمؤكد هو أنه اذا كان نتنياهو يقف الآن في الطرف الآخر للمتراس، فإنه كان سيقول إن السود هم بالفعل نبتة غريبة، وأصواتهم لا يمكنها تقرير مستقبل أميركا.

عن "هآرتس"