البذرة التي نبتت في الانتخابات الثالثة

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


بدأ الأسبوع الماضي بشكل سيئ جداً لكل من يتمنى انتهاء عهد نتنياهو، وانتهى بميل تحسن. التغيير نفسي في أساسه: خيبة الأمل من النتائج في صندوق الاقتراع أخلت مكانها لتشخيص أكثر وعيا بقليل للواقع.
فقد فهم ليبرمان، وبعده غانتس، بأن رحلتهم السياسية وصلت إلى نقطة اللاعودة، فإذا واصلا السير وراء جدول الأعمال الذي يمليه عليهما نتنياهو فسيجران إلى جولة انتخابات رابعة وخامسة وسادسة.
وفي كل جولة سيتقلصان قليلاً إلى أن يختفيا. فإما أن يجدا السبيل للعمل مع القائمة المشتركة أو أن يعيدا العتاد ويرحلا إلى البيت.
ليس في الأفق حل آخر. هذا الوضع صحيح حتى الآن: للقائمة العربية مستقبل دونهما، أما هما فلا مستقبل لهما دونها. من كان يتصور ذلك؟
إذا كنت أفهم على نحو صحيح خطوات غانتس وليبرمان فإنهما توصلا إلى التوافق، أو على الأقل إلى التفاهم على هدف استراتيجي مشترك: حكومة تقوم على أساس «الليكود» دون نتنياهو، «أزرق أبيض»، وربما، في الهوامش، العمل – ميرتس ويمينا أيضاً.
ومن أجل الوصول إلى مثل هذه الحكومة عليهما قبل كل شيء أن ينتخبا رئيسا من قبلهما للكنيست، وأن يرفعا إلى الرئيس ما لا يقل عن 59 نائبا يوصون لغانتس، وأن يجيزا أو لا يجيزا قانوناً يمنع نتنياهو من تشكيل حكومة، وأن يجتازا عائق محكمة العدل العليا، وأن يقيما حكومة أقلية بتأييد من الخارج لنحو كل القائمة المشتركة، لاستقرار حكومة أقلية أقاماها وعندها يدعوان بكرامة «الليكود» إلى الداخل.
لا يوجد ما يقال: مناورة رائعة، معقدة جدا، ملتوية جدا. وهي تحتاج إلى ذكاء تلاعبي لا يخجل ليئور سوشرات ومرونة جسدية لا تخجل لينوي أشرم. فهل مناورة كهذه يمكن أن تنجح؟ أشك كثيراً في ذلك.
فما بالك أن العجز الذي تخلفه الحكومة المنصرفة وراءها كبير جداً، والآثار الاقتصادية لازمة الكورونا تهدد بأن تكون قاسية، ويطلب الجيش الإسرائيلي علاوة ميزانية بالمليارات، والوعود التي قطعت للناخبين مبالغ فيها، والأحزاب التي يفترض أن تقيم الائتلاف وتدعمه لم تختبر أبدا في عمل مشترك، وبعضها معادٍ الواحد للآخر ومتمزقة في حروب داخلية.
نتنياهو هو السبب الوحيد الذي يوحدها. لن يكون سهلا إدارة حياتها المشتركة بغيابه.
هذا هو النصف الفارغ من الكأس. ومن المشوق أكثر التصدي للجزء المليء.
منذ بداية سنة الانتخابات وأنا أتابع التغييرات السياسية في الوسط العربي. كان ممكنا أن نتوقع بأن التحريضات للناطقين بلسان كتلة اليمين، وعلى رأسهم نتنياهو، ستؤدي إلى تطرف وانعزالية في الوسط العربي.
كان هذا هو هدف التحريض، ولكن حصل العكس: صوّت المواطنون العرب بجموعهم إلى جانب الاندماج، والى جانب المشاركة.
جاء الضغط من تحت – وفي أحيان قريبة بخلاف إرادة النواب. هذه انعطافة تاريخية.
يجب مراجعتها ليس وفقاً لما قاله هذا النائب أو ذاك في الماضي – كان بينهم من قال أموراً رهيبة – بل وفقاً للميل الذي يلوح في الأفق للمستقبل.
طرأ التغيير أيضا في الجمهور اليهودي. قادة «أزرق أبيض» ارتكبوا كل الأخطاء المحتملة في موقفهم من الوسط العربي: فقد تخلوا، عملياً، عن الناخبين هناك، تحدثوا باغتراب، بتعالٍ، وبالأساس بجهل، عن «عرب إسرائيل» وعن ممثليهم.
مستشاروهم قالوا لهم إنهم هكذا سينجحون في جذب الأصوات من اليمين. يجدر بنا أن نذكر بالمنسيات: عندما بادر «أزرق أبيض» إلى مظاهرة مفتوحة، متعددة الأحزاب، ضد نتنياهو في ميدان المتحف في تل أبيب، نشب جدال في الحزب على مسألة هل أيمن عودة، رئيس القائمة المشتركة، سيدعى للخطابة.
حسم غانتس إلى جانب ذلك، ولكن يوعز هندل وتسفي هاوزر، من رجال يعلون، قاطعوا الحدث.
وكانت المقاطعة غبية وصبيانية. اليوم، عندما يدعو يعلون إلى العمل مع «المشتركة»، يحتج هندل وهاوزر مرة أخرى. في السنة الماضية أكثرا من الظهور، ولم يكن لهما وقت لينضجا.
إن رفض المقترعين العرب ليس أمرا جديدا. في الماضي تحدثوا عن «أغلبية يهودية»؛ أما اليوم، لاعتبارات السلامة السياسية، فيتحدثون عن «أغلبية صهيونية».
داخل الأغلبية الصهيونية يدرج الأصوليون، الذين كراهية حاخاميهم للصهيونية أكثر تطرفا من كراهية العرب؛ ويدرج أيضا الأصوليون المتدينون، الذين لهم صهيونية خاصة بهم، وما بعد صهاينة ممن صوتوا لـ «العمل» – «ميرتس».
بالمناسبة، فإن ممثلي كل مناهضي الصهيونية أولئك يفخرون في أن يخطبوا في الكنيست بينما صورة ثيودور هرتسل معلقة خلف ظهورهم. وهم يعرفون بماذا هم مدينون لعقيدته.
الصهيونية شرفها محفوظ في مكانها: تقام الحكومات على قاعدة الخطوط الأساس.
لا أعتقد أن القائمة المشتركة سترغب في الجلوس في حكومة تقر حملات عسكرية في غزة، ولكن البذرة التي نبتت في هذه الانتخابات تحمل معها وعداً لنبتة مشتركة وباندماج، في السياسة ومن خارجها.
لا ينبغي أن نستبعد إمكانية أن يثني وزير التاريخ في هذا الشأن على نتنياهو، فقد ساهم مساهمة مهمة في هذه الانعطافة.

عن «يديعوت»