حان الوقت لوقف المقاطعة السياسية ضد القائمة المشتركة

حجم الخط

بقلم: أيهود أولمرت*

 

لم يقصد بنيامين نتنياهو أبداً إقامة حكومة وحدة. ومجرد استخدام هذا المفهوم هو فعل مخادع. فالحملات الانتخابية الثلاث الأخيرة، مثل تلك التي في العام 2015 ثبت الانقسام، التحريض، والإهانات للقطاعات المختلفة في الجمهور الإسرائيلي. في العام 2015 تحدث في يوم الانتخابات عن الباصات المحملة بالمصوتين العرب في طريقهم الى صناديق الاقتراع. كانت هذه صرخة عابثة، ولكنها كانت مجدية جدا لـ "الليكود". فآلاف المصوتين، الذين فكروا بالبقاء في بيوتهم، ركضوا الى صناديق الاقتراع لإنقاذ الدولة من التهديد الرهيب. قرر آخرون التصويت لصالح "الليكود" بدلا من التصويت لأحد الاحزاب التي على يمينه.

أجواء مشابهة فرضها نتنياهو في الحملات الانتخابية الثلاث في السنة الاخيرة: تحريض لا ينقطع ضد المواطنين الإسرائيليين العرب والأحزاب التي تمثلهم. هذه كانت النبرة السائدة في خطاب العائلة القيصرية من بلفور وشماسيها في كل وسائل الإعلام. في صياغة لا يمكن الخطأ فيها، قال نتنياهو عمليا إن نحو مليوني مواطن هم خونة. شعار "إما بيبي أو طيبي"، قال للجمهور إن الخيار الذي في أيديهم هو إما التصويت لدولة إسرائيل اليهودية والصهيونية أو لأولئك الذين يريدون إبادتها. لا توجد اي إمكانية لفهم الأمور بشكل مختلف.

رئيس الحكومة المؤقتة هو بالطبع ذو تجربة جمة في التحريض الذي لا كابح له. نذكر الأيام التي سبقت اغتيال اسحق رابين. بيبي بالطبع لم يكن مذنباً بالاغتيال، ولكنه خلق الاجواء السامة التي أدت اليه. فكيف يمكن أن ننسى المظاهرة مع التابوت، كيف يمكن أن نحاول طمس المشاهد في ميدان صهيون، مع صورة رابين في بزة الـ "أس أس" حين كان نتنياهو يقف على الشرفة ويخطب. في ذاك المساء، امتنعنا دان مريدور وأنا عن الذهاب الى المظاهرة، وفضلنا قطع أنفسنا عن كل صلة أو انتماء للأجواء الحماسية. فهمنا بأن هذا الأسلوب يوقظ النوازع ومن شأنه أن يشجع معارضي رابين على القيام بأفعال.

أذكر جيداً جلسة الكنيست، التي جرت في ساعات متأخرة من المساء، بعد دقائق من محاولة مجموعة من الزعران هز سيارة الوزير بنيامين بن اليعازر ومنع دخولها بوابة الكنيست. رابين كان في صدمة. لم يسبق لي أن رأيته عاصفاً بهذا القدر. فهم الى أين يسعى نتنياهو، ولا بد أنه قدر الى أين يمكن للتحريض أن يؤدي. ما حصل في الأشهر الأخيرة في البث التلفزيوني، في الخطابات العلنية، وفي الشبكات الاجتماعية يكاد يشبه تماما ما حصل في حينه، ومن شأنه- لا سمح الله- أن ينتهي بنتائج مشابهة الآن أيضا.

***
ليس صدفة أن شبّه قادة "أزرق أبيض" نتنياهو باردوغان، الذي يرمز بالنسبة للكثيرين للحاكم الفرد، المتطرف والمتزمت الذي لا يتردد في استخدام أجهزته كي يدحر خصومه السياسيين، بل أن يعمل أحياناً ضدهم. نتنياهو يخلق لأول مرة تهديداً ملموساً على القواعد الأساس للحياة الديمقراطية في إسرائيل. ضياع الكوابح، تفاقم التهديدات، الإهانات، رفض حق ممثلي 20 في المئة من مواطني الدولة أن يكونوا جزءا من المنظومة التي تصمم نمط حياتنا – كل هذا هو مس فظ، يمكنه ان يولد توترا ينتج من داخله العنف، العصيان المدني، بل ربما امورا اسوأ.

يتصرف نتنياهو وكأنه لا يوجد وضع يكف فيه عن أن يكون رئيس وزراء. لو نشأ تعادل عددي بين الكتلتين، لطلب لكتلته أن تأخذ الأسبقية في تشكيل الحكومة، لأن هذا حقه منذ الولادة. عندما تبين أن ليس لكتلة نتنياهو حتى 59 عضواً، ليس له مشكلة في أن يشطب شرعية الـ 15 عضو من "القائمة المشتركة"، رغم أن لجنة الانتخابات والمحكمة العليا لم تجدا شائبة في ولائهم لقوانين الدولة. واذا كانت ثمة حاجة، سيحرض نتنياهو ضد النواب العرب، بل سيسير شوطا أبعد وسيحاول تثبيت قواعد/ قوانين تؤدي الى استبعادهم، أو استبعاد بعضهم من المشاركة في تصويت الثقة أو حجبة الثقة عن الحكومة التي تطرح على الكنيست لنيل ثقتها. لا توجد أي خطوة يتردد نتنياهو في اتخاذها طالما يمكنها أن تساعده في التملص من ربقة القضاء وضياع الحكم، مهما كان الضرر اللاحق بنسيج الحياة المشترك هنا.

هذا بالضبط ما ادى بقادة "أزرق أبيض" أن يعلنوا عشية الانتخابات بأنهم لن يجلسوا مع نتنياهو. كان هذا تصريحا حاداً، واضحاً، ولازماً. ولعله التصريح الوحيد الذي أطلقوه في حملة الانتخابات. لا يحتمل أن من يسمي نتنياهو أردوغان يوافق على الجلوس معه حين يكون هو الطيار الأول في القمرة. من قال انه لن يجلس مع رئيس وزراء رفعت ضده ثلاث لوائح اتهام لا يمكنه أن يفعل العكس، وبالتأكيد ليس عندما ينفذ خطوات فظة، استفزازية، تتعارض والقيم الأساس للحياة الديمقراطية.

وعندما أقول "أزرق أبيض" فإني أقصد ايضا يوعز هندل وتسفي هاوزر. عندما صرح الحزب بانه لن يجلس مع نتنياهو، أيداه، وباسمه طلبا ثقة الجمهور. كل من له عينان في رأسه كان يعرف قبل الانتخابات بأنه لن يكون ممكناً تشكيل حكومة دون دعم ما، غير مباشر، سلبي او مباشر اكثر، لأجزاء من "القائمة المشتركة". أفلم يفهم هندل وهاوزر ذلك؟ أفلم يقصدا بأن شراكة نتنياهو مرفوضة، الا اذا كانت حاجة له لاستبعاد "القائمة المشتركة"؟ هل يريد الرجلان أن يبقيا بضعة ملايين من الفلسطينيين كأناس عديمي الحقوق في "المناطق"، وان يدعما الضم من طرف واحد، وان يلونا المضمون الأخلاقي لدولة إسرائيل بألوان منفرة وداعية الى المقاطعة، وان يستبعدا أيضا شرعية 15 نائباً انتخبوا في انتخابات ديمقراطية؟


***

أعتقد أنه حان الوقت للبحث عن سبيل للحوار مع الجمهور العربي في إسرائيل، الذين في معظمه، ان لم يكن كله، يريد المشاركة الفاعلة، الناجعة والمساهمة لدولة إسرائيل وللمجتمع الإسرائيلي. أعتقد أنه حان الوقت لوقف مقاطعة "القائمة المشتركة"، ومن يخشى على صورة المجتمع الإسرائيلي ملزم بأن يكون مشاركاً لي في الرأي.

لا أعتقد أنه يمكن إقامة ائتلاف مع "القائمة المشتركة". ليس لأنها مرفوضة لان تكون جزءا من جمهورنا. فهي غير مرفوضة؛ بل لأن احتمال الوصول الى توافقات تولد اتفاقاً ائتلافياً كاملاً هو احتمال صغير. ولكن لماذا لا يكون التعاون على أساس توافقات جزئية على مواضيع مدنية ودعم خارجي للحكومة أمرا مرفوضا؟ من يريد أن يسمح بمثل هذه السياسة العنصرية التي من شأنها أن تدهور إسرائيل الى حملة انتخابات رابعة، أكثر عنفا من سابقتها، أخطر ومقسمة أكثر؟

من لم يفهم حتى الآن بأن مواطني إسرائيل العرب غيروا أنماط سلوكهم؟ الحمد لله. فهم يريدون أن يحققوا مواطنتهم وان يكونوا جزءا من الإجراء السياسي الديمقراطي، روح المجتمع الإسرائيلي. عشرات السنين ونحن نتمنى ذلك، وادعينا ان زعماءهم يتملصون من المسؤولية وينشغلون فقط بشؤون الفلسطينيين. فهل نردهم ونعود لنهينهم، الآن، عندما يبدون بداية انعطافة يمكنها ان تؤدي الى شراكة مجدية ومرغوب فيها؟ في دولة يوجد فيها آلاف عديدة من الأطباء، الصيادلة، الممرضات والممرضون في المستشفيات، المهندسون، المستشارون، التجار، الصناعيون، المخترعون ومبادرو التكنولوجيا العرب – ألم يحن الوقت لان يكون ممثلوهم في الكنيست شركاء في تصميم الحكم ايضا؟

هل أعضاء "أزرق ابيض"، جزء منهم أو قلة قليلة منهم، سيصبحون مخادعين مزاودين، فيعدوا نتنياهو من هوامش الطريق الذي أوصلته اليه حملة الانتخابات الى مركز الحكم؟ هل كانت هذه هي بشرى "أزرق أبيض"؟ ممثلوه، ولا سيما اناس كهندل وهاوزر، لا يمكنهم أن يختبئوا خلف معاذير مزايدة واتهامات عنصرية ضد رجال "القائمة المشتركة". عليهم أن يأخذوا المسؤولية مع رفاقهم، ويتأزروا بالشجاعة، وأن يوجهوا نظرة الى الجمهور، ويتخذوا الخطوة التي تكمل التحول.

________________

عن "معاريف"
*رئيس الوزراء السابق.