هوامش على دفتر الوباء

حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

أبرز ما يمكن تسجيله من هوامش على فايروس الكورونا ، اتسامه بالعدل ، فهو يضرب الامم العظيمة كالصين وايطاليا وامريكا و فرنسا ، والامم الضعيفة التي بالكاد ترى بالعين المجردة ، ومن ضمنها شعوب امتنا العربية ، يضرب المدن الغنية كالرياض والمنامة واوسلو ، كما يضرب المدن الفقيرة كمدينة بيت لحم ، يضرب الملوك والامراء والوزراء والعلماء من جهة ، ويضرب الفقراء وعمال المطارات وممرضي المستشفيات ، يضرب الذكور والاناث على حد سواء ، وكأنه ملتزم بمعاهدة سيداو ، يضرب المؤمنين والملحدين على حد سواء ، دون تمييز بين الديانات والطوائف ، وكأنه يقول على لسان رب العالمين " قُلْ لا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ" .

الهامش البارز الآخر ، هو ان الصين التي ابتليت به وبدأت تتعافى منه ، لم يقتصر دورها على الحجر الصحي فقط ، كما تفعل الدول الاخرى ، ومن ضمنها بالطبع دولتنا الفلسطينية ، وبقية منظومة الدول العربية الشقيقة ، فالحجر اقرب ما يكون الى منع التجول الطوعي ، وهو اقرب الى شل مناحي الحياة بما في ذلك شل عجلة الانتاج والاقتصاد ، والسفر والاجتماع والثقافة والترفيه والتخطيط ، وبالنسبة الى شعبنا ، النضال ضد الاحتلال . الصين حجرت وابتكرت وعالجت فتشافت ، دون ذلك فإن الفيروس سينتشر الى ان يطول الملايين وسيفتك بالاجسام الضعيفة اولا .

"سلامتك يا راسي" شعار فارغ ، فإذا اصاب جارك فلا بد انه سيصيبك ، و لفظة الجار هنا تمتد لتطول قريتك ومدينتك ودولتك الى الدولة الجارة ، في اوهايو وحدها قفز العدد فجأة من بضع عشرات الى مئة الف وفق عمدتها . ورغم تعافي الصين الذي اصاب نحو مئة الف شخص ، فإن منظمة الصحة العالمية اعلنته وباء عالميا بعد نحو شهر ونصف على خروجه من قمقمه .

لا بأس بالدعاء ، كما ينادي رجال الدين في المسجد والكنيسة والكنيس ، رغم ان الفيروس اغلقها كلها تقريبا بما في ذلك الحرم المكي و كنيسة المهد و ساحة بطرس في الفاتيكان ، تماما كما اغلق الحانات والكازينوهات والملاعب ، ولكن هذا الدعاء لا ولن يكفي ، منذ ان قال الخليفة عمر قبل 14 قرنا: اجعلوا مع دعائكم شيئا من القطران . لقد سجل رجال الدين على اختلاف مذاهبهم وطوائفهم و احزابهم السياسية والدعاوية فشلا ذريعا في محاصرة الفايروس ، وأكثر ما سجلوه هنا هو استجابتهم للتوجيهات الطبية فاغلقوا دور عباداتهم ، بما في ذلك عدم تلبية الصلوات الجماعية في الجمعة والسبت والاحد . احد الدعاة كتب على صفحته : الرجاء من أئمة المساجد عدم الدعاء على الكفار لحين اكتشافهم الدواء .

قال نزار قباني في هوامش النكسة : خمسة آلاف سنه ونحن في السرداب / ذقوننا طويلةٌ / نقودنا مجهولةٌ /عيوننا مرافئ الذباب / جربوا أن تغسلوا أفكاركم وتغسلوا الأثواب / جربوا أن تقرؤوا كتاب / أن تزرعوا الحروف والرمان والأعناب / كان بوسع نفطنا الدافق بالصحاري/ أن يستحيل خنجراً من لهبٍ ونار / لكنه..واخجلة الأشراف من قريشٍ/ وخجلة الأحرار من أوسٍ ومن نزار / يراق تحت أرجل الجواري...