مستقبل إسرائيل بيدي غانتس

حجم الخط

بقلم: دافيد غروسمان



تُكتب هذه الأمور في ذروة الدراما الليلية حول إقامة حكومة الطوارئ. من داخل القلق المتصاعد جراء وباء كورونا، تطل هنا بقعة ضوء. مؤثر تصميم غانتس، في هذه اللحظات، على أن يضم الى الحكومة «القائمة المشتركة». هذا التصميم الجديد، يشهد على طريقة تفكير وعمل لم نشهد مثلها منذ عشرات السنين تجاه الوسط العربي في إسرائيل.
«ينبغي محاكمة العرب في إسرائيل وفقاً لما من شأنهم أن يفعلوه وليس وفقا لما فعلوه»، قال دافيد بن غوريون في بداية الخمسينيات. وهكذا صاغ الموقف الأساس للدولة تجاه الاقلية العربية. مرت سبعون سنة منذئذ، ولا تزال الاغلبية اليهودية تواصل الإدانة في وعيها لابناء الأقلية العربية «الى أن تثبت براءتهم». سبعون سنة مرت منذئذ، سبعون سنة هي بالتأكيد تعذيب قضائي.
نحو 20 في المئة من المادة العضوية لدولة إسرائيل توجد في وضع من التعليق. هذا ليس وضعا نشأ من تلقاء ذاته: ثمة في إسرائيل من هم معنيون جدا بان تشعر هذه الأقلية الكبيرة هكذا: دوماً غير مرغوب فيها وغير منتمية، دوماً على شفا الإبعاد، النفي، واللجوء. بالضبط من هذا المكان جاء قول نتنياهو عن العرب الذين يتدفقون الى صناديق الاقتراع. من هنا جاء «قانون القومية» الذي استهدف التسبب في أن يكون المواطنون العرب مقصيين اكثر، ومهانين اكثر. من هنا نشأ ايضا البند الفضائحي حول مستقبل «عرب إسرائيل» في «خطة القرن» لترامب (ونتنياهو).
ولكن الآن في أعقاب حملات الانتخابات الأخيرة، نشأ وضع جديد: العرب يأبون أن يُشطبوا وأن يختفوا. الغائبون عادوا للحضور. وفشلت المحاولات لإبقائهم خاضعين وسلبيين. هم هنا، مستعدون لاتخاذ الخطوة، التي منعت عنهم – والتي هم أنفسهم ايضا امتنعوا عنها على مدى 72 سنة – الدخول ليس فقط الى الحقل السياسي، بل الى الحاضر الإسرائيلي كله، بكل أبعاده.
حتى لو فشلت الخطوة لاشراكهم في الحكم، لا نزال نشهد مرحلة جديدة: هذه لحظة فرصة هائلة لمواطني إسرائيل العرب. الآن هم في واقع الأمر يتوقفون عن العمل كـ «حركة احتجاج» (وليس اكثر من ذلك)، وكفيلون بأن يكونوا شركاء متساوي الحقوق في تصميم واقع حياتهم وتقرير مستقبلهم ومصيرهم. مرحلة جديدة ومتسارعة في مسيرة أسرلة «الوسط» قد تبدأ، الآن، وهي ستجلب له حقوقا كثيرة، وواجبات أيضا، ومسؤولية مدنية وسياسية ستتحدى بلا انقطاع الأغلبية اليهودية والمكانة المركبة لمواطني إسرائيل العرب ايضا.
كما أن هذه هي لحظة الاختبار الكبرى لبيني غانتس. نأمل ان ينجح فيها رغم الضغوط الهائلة التي ستمارس عليه في الساعات القادمة.
خير أنك تشخص الأهمية المصيرية لوضع الأمور، يا غانتس. خير أنك تدعو «عرب إسرائيل» الى الدخول، الى داخل البيت الإسرائيلي. لا تتوقف هنا: ادعوهم بقلب كامل لان يكونوا مواطنين متساوي الحقوق والواجبات في الوطن القومي للشعب اليهودي. فاشراكهم في حكومة الطوارئ هو اعتراف بأنه أمام التهديد الوجودي بات فجأة واضحاً على نحو عجيب كم هو مصيرهم ومصير الأغلبية اليهودية مرتبطان ومتعلقان الواحد بالآخر. خطوتك، حتى هذه الساعة قبل منتصف الليل هي فعل شجاع، وفيها أمل ببداية مسيرة إصلاح وإشفاء. بيدك ان تكسر السقف الزجاجي الذي يمنع المجتمع العربي من ان يكون محرك نمو هائل في كل مجالات الحياة. ثمة أمل في أن تتبين فجأة بأن السقف الزجاجي أيضا الذي يمنع إسرائيل من أن ترتفع درجة كدولة، كمجتمع، كديمقراطية، هو ايضا سيتحطم أخيراً.
أمامك، يا غانتس، يفتح الآن طريق لاعادة صياغة – بروح متساوية حقا، مناهضة للعنصرية، محترمة – العقد بين قسمي السكان. بيدك القوة لأن تصب مضموناً حقيقياً في إعلانات الشراكة والمساواة في وثيقة الاستقلال.
يوجد في «المشتركة» أناس آراؤهم تبعث فيّ الاشمئزاز. كما أن آراء الكثير من الإسرائيليين هي كابوس في نظر العرب في إسرائيل. ولكن استمرار الوضع القائم، الذي كله اشتباه وعداء، من شأنه أن يدهور الطرفين الى التطرف والى انفجار عنيف. ولعله بالذات الشراكة، الحاجة الى المساومة والمرونة، أن تخلق تحالفات مفاجئة، وحتى مجرد الانصات من مكان جديد لقصة الطرف الآخر، لمعاناته، لحقه، يمكنه ان يطلق دينامية جديدة.
يا بيني غانتس، موقفك في المفاوضات سيقرر طريقك ورؤياك. صحيح أن الحديث يدور هنا فقط عن حكومة مؤقتة، ولكن حسمك في الموقف من العرب الإسرائيليين كجزء لا يتجزأ من إسرائيل يدل على أنه بالفعل فتح لإسرائيل مستقبلاً افضل بعد سنوات من الجمود والتجمد، وانك لست صدى لنتنياهو، بل زعيم من نوع آخر تماما. الزعيم الذي تتوق له إسرائيل.

 عن «يديعوت»