الأنباء الملفقة حول وباء كورونا

حجم الخط

بقلم: روعي شولمان ودودي سيمان توف



في 2 شباط، بالتوازي مع تقرير الوضع الدائم لمنظمة الصحة العالمية بالنسبة لانتشار «كورونا»، قضت المنظمة بأن انتشار الوباء ترافق و»وباء المعلومات»، الذي من شأنه أن يعرض الصحة العامة للخطر. فانتشار الأنباء الملفقة حول وباء كورونا ليس مفاجئا: فالوباء يبعث سلسلة واسعة من المشاعر والمخاوف، التي من السهل استغلالها لاجتذاب الانتباه، وتشجيع تبادل المضامين. فانعدام اليقين وعدم توفر المعلومات المهنية لدى الجمهور يجعل من الصعب عليه أن يفهم الحجوم العامة للظاهرة، في ضوء التفسيرات المتضاربة في وسائل الاعلام. تكشف بعض التقديرات عن الأخطاء او عن محاولات الخبراء اعطاء أجوبة عن الأسئلة، مع التشديد على وسائل التصدي للظاهرة غير المعروفة. والنقاش في الأنباء الملفقة بشأن الوباء تُعنى سواء بالاعتبارات التي توجه من ينشر الشائعات غير المسنودة والاكاذيب أو المضامين نفسها أو الخفة التي لا تطاق، وتكاد تكون بلا حدود أو قيود لنشر التحليلات والمواقف حول «كورونا».

الأنباء الملفقة حول «كورونا»
يمكن أن نقسم ظاهرة الأنباء الملفقة حول «كورونا» الى نوعين. النوع الاول هو المعلومات المغلوطة (Misinformation)، التي معناها نشر معلومات كاذبة حتى دون يد موجهة ونوايا مغرضة، على أساس تقديرات غير مسنودة، وفي ضوء اعتبارات مختلفة. يبدو أن الشائعات تعكس حاجة إنسانية لتلقي معلومات كثيرة عن ظاهرة ليست معروفة وتبعث على خوف عميق. وتتضمن المعلومات تقريراً عن انتشار المرض حتى في الأماكن التي لا توجد فيها حالات عدوى، وشائعات عابثة عن علاجات للفيروس، وادعاءات كاذبة بشأن مزايا انتشاره، وأمان بأن يضعف الفيروس في المستقبل في الصيف أو أن زعماء دول العدو أصيبوا به (كأن يكون حسن نصرالله، زعيم «حزب الله»، يوجد في العزل عقب انتقال العدوى اليه).
نوع آخر من الانباء الملفقة هو المعلومات المضادة (Disinformation). تنقل المعلومات بيد موجهة وبنية مغرضة، بنية خلق مكسب ذاتي أو الحاق ضرر بجهة اخرى. من النماذج في موضوع وباء كورونا: الاتهام باخفاء حجم انتشار الوباء (روسيا او تركيا) والادعاءات بأن الفيروس انتج عن قصد (كسلاح بيولوجي في الصين مثلا)، وشائعات بشأن «العلاجات السحرية»، واتهام الاقليات بنشر الوباء. كما نشرت شائعات حول المس المقصود بحرية حركة المواطنين وخصوصيتهم، لخلق خوف من رد فعل الدولة. شائعات اخرى ربطت بمصدر الفيروس – في الصين تنتشر شائعات بأن الفيروس هو سلاح بيولوجي أميركي، وبالعكس. كما أن اسم إسرائيل ذكر في إيران وكأنها مسؤولة عن نشر الفيروس.

من ينشر المعلومات المضادة ولماذا؟
توجد أدلة على أن الدول تنشر معلومات مضادة لدوافع استراتيجية وداخلية، على خلفية المنافسة بين القوى العظمى. هكذا مثلا تتهم الصين بأنها فضلا عن اتهام الولايات المتحدة كمصدر للفيروس، تعمل على أن تثبت في الوعي العالمي تصديها للفيروس كقصة نجاح (لا يمكن استبعاد مصداقية هذه الرواية). ونشر المعلومات المضادة من جانب الدول يتم سواء علناً ام بشكل خفي. على المستوى العلني، مثلا، اتهمت السلطات الايرانية ايضا الولايات المتحدة في محاولة تعظيم التقدير بأن المؤسسات الايرانية فشلت في التصدي للفيروس. وبشكل سري مثلا، اتهمت تايوان الصين بنشر شائعات حول طمس حالات «كورونا» في تايوان، وادعى مسؤولون كبار في وزارة الخارجية الأميركية بأن حسابات وسائل اتصال اجتماعية متماثلة مع روسيا تنشر معلومات مضادة تقول، ان الفيروس هو سلاح بيولوجي استخدمه الأميركيون للمس بالاقتصاد الصيني.
تنشر الدول معلومات مضادة لاسباب متنوعة، بدءاً بصرف نظر المواطنين، ومنع الانتقاد الداخلي، والسيطرة على الرواية (مثلا، من ينجح في التصدي للوباء) أو إطلاق «بالونات اختبار» لقياس رد فعل الجماهير على السياسة المستقبلية. أحيانا يدور الحديث عن اسباب استراتيجية، مثل النية لخلق فزع لدى الجمهور في دولة اخرى وضعضعة ثقة الجمهور بالمؤسسة الرسمية فيها.
كما أن جماعات غير مؤسساتية تشارك في نشر المعلومات المضادة. من بينها يمكن أن نحصي منظمات الجريمة الاقتصادية، ومحبي نظريات المؤامرة، ومعارضي التطعيمات والفوضويين. لهذه المجموعات مصلحة في هز الثقة بالمؤسسة الطبية والسياسية. كما أن وسائل الاعلام تتهم، وعن حق أحيانا، في زرع الفزع ونشر صدى لمعلومات غير موثقة، وان كان عندما يدور الحديث عن وسائل الاعلام ففي احيان قريبة تكون هذه معلومات مغلوطة وليس معلومات مضادة.

آثار محتملة
لفيروس كورونا نفسه تأثيرات حادة على الصحة العامة، وعلى الاقتصاد، وعلى تراص الصفوف الاجتماعية في الدول، وعلى الوضع الجغرافي – السياسي العالمي. للانباء الملفقة إمكانية كامنة لتعظيم الاضرار في ظل زيادة الفزع ونشر الاوهام حول الجواب المحتمل. بالمقابل، فإن التقليل من معنى الخطر والشائعات غير المسنودة عن العلاجات والشفاء من شأنها أن تؤدي الى عدم اكتراث جماهيري، يجعل من الصعب على الدولة أن تتصدى للوباء. ونشر الانباء الملفقة حول مصدر الفيروس وشكل انتشاره من شأنه ان يؤدي إلى تبادل الاتهامات بين الدول، او صرف انتباه السكان المحليين عن قصورات الحكم. اضافة الى ذلك، فإن إيقاع الذنب في انتشار الوباء على الاقليات من شأنه ان يمس بتراص الصفوف الاجتماعية، واتهام دول اخرى من شأنه أن يؤدي الى التوتر بين الدول.

كيفية التصدي للأنباء الملفقة
أعلنت شركات التكنولوجيا العالمية (غوغل، فيسبوك وامثالهما) عن التعاون مع منظمة الصحة العالمية ومركز منع الامراض الأميركي، وذلك لمنع نشر الانباء الملفقة حول ازمة كورونا. فالشركات توجه المستخدمين الى المواقع الرسمية لهذه المنظمات والتعاون مع فاحصي الحقائق من اجل التحذير من المعلومات الكاذبة والمضللة لتصنيفها وشطبها. هكذا مثلا عندما تشخص «فيسبوك» و»تويتر» مستخدما يبحث عن مضامين عن «كورونا»، يوجهه الموقع الى الموقع المركزي لمنع الامراض.
توجد أدوات تكنولوجية لمكافحة المعلومات المضادة. وتتضمن هذه اضافات لمحركات الانترنت، مواقع للمعلومات وغيرها يقوم بعضها على اساس الفهم الاصطناعي. ومهمتها ايجاد المضامين التي اجتازت تلاعبا، والمواقع الزائفة وغيرها.
لم تبذل معظم الدول حتى الآن جهودا كبيرة لمكافحة الانباء الملفقة بشأن وباء كورونا. ففي بريطانيا، تشكل فريق لمواجهة الانباء المضادة، يضم خبراء في الاعلام. ويفترض بالفريق أن يشخص حجم ضرر المعلومات المضادة، ويرد بما يتناسب مع ذلك. في الهند تقرر ان تبعث الدولة رسائل قصيرة تحمل معلومات ذات مصداقية للمواطنين ووجهت شركات الاتصالات لاعداد مقطع سماعي يحمل معلومات ذات مصداقية كرنين للمتصلين على الهاتف النقال. في الصين وفي ايران، توجد قوانين متشددة ضد نشر الانباء الملفقة.
في إسرائيل، تنشر وزارة الصحة في صفحتها على «فيسبوك» وفي القنوات الاخبارية تفاصيل عن كل مريض كورونا كمؤكد، وهكذا تمنع الشائعات عن انتشار الوباء في اماكن لم يصل اليها الوباء وتنفي الشائعات. اضافة الى ذلك يشارك رجال وزارة الصحة في الماضي وفي الحاضر كمحللين في النشرات الاخبارة، ومعظمهم يساعد في بث الثقة لدى الجمهور. ومع ذلك، فإن وسائل الاعلام المؤطرة، التي تعمل في اوقات الازمة على البث على مدار الساعة، توفر هذه الايام عددا لا يحصى من التقارير عن الفيروس غير المعروف. هكذا غرقت وسائل الاعلام بسرعة في معمعان من المعلومات غير المسنودة وفي الفزع كان لها نفسها دور في خلقه. مراسلون وخبراء قلقو اللسان جندوا لاطالة ساعات بث طويلة امام ملايين المشاهدين العطشى للمعلومات وللتهدئة، بما في ذلك من خلال اقتباسات عن بحوث غير مسنودة. وهكذا ينشأ واقع اشكالي، مليء بالشائعات.
في وضع من فجوات واسعة في المعلومات بالنسبة لظاهرة جديدة وغير مسبوقة، من السهل جدا نشر الشائعات، والتخمينات والانباء الملفقة. دون صلة بمصلحة ناشري الشائعات، يتبين بعضها بأنه مسنود، مثلا، وشائعات عن النية لتطبيق رقابة تكنولوجية على المواطنين في إسرائيل، وبعضها يتبدد ويخلي مكانه لشائعات جديدة. تكاد لا توجد، ولا سيما في وسائل الاعلام التقليدية، حواجز في وجه نشر الشائعات العابثة والانباء الكاذبة، ومن المطلوب تطوير آليات وتفاهمات تشارك فيها الدولة، والمجتمع المدني، وشركات التكنولوجيا العالمية، من اجل تقليص الظاهرة وان كان من الواضح انه لا يمكن القضاء عليها تماما.

توصيات لمواجهة الانباء الملفقة
1. زيادة الشفافية حول حجوم الظاهرة وسبل التصدي لها في دول مختلفة في العالم، والتي طبقت بنجاح من قبل وزارة الصحة الإسرائيلية ايضا، مثل تقييد الحركة والتجمهر في المجال العام.
2. زيادة الوعي العام للحاجة لتقليص تلوث الخطاب حول وباء كورونا والاستهلاك العاقل للمعلومات والمعرفة في هذا الوقت، انطلاقا من الفهم ما هي انواع الانباء الملفقة وما هي المصلحة في نشرها. وزيادة قدرة الوصول الى المعلومات للجمهور بطريقة نشطة، مثل ارسال المعلومات مباشرة الى الهاتف الشخصي للمواطنين واقامة موقع لوزارة الصحة تتركز فيه معلومات مصداقة للجمهور حول الوباء وسبل التصدي له في ارجال العالم.
3. تعزيز الرسائل المسنودة بالحقائق في وسائل الاعلام التقليدية والجديدة حول الظاهرة لمواجهة الانباء الملفقة. على وسائل الاعلام، وبالتشديد على مراسلي الصحة، ان تصوغ مدونة اخلاقية لأوقات الازمة، تلزمها بعدم نشر اي معلومات غير ثابتة وموثقة بما فيه الكفاية.
4. لغرض تحقيق هذه التوصيات مطلوب إنشاء تنظيم ذي غاية تشارك فيه الوزارات الحكومية ذات الصلة، وجهات من المجتمع المدني، بما في ذلك وسائل الاعلام ومعاهد البحث.

عن «مباط عال»