يـدوسـون عـلـى الـديـمـقـراطـيـة ..

حجم الخط

بقلم: ناحوم برنياع


مع كل نقاط ضعف النظام في إسرائيل، بقي شيء واحد لا جدال فيه: احترام الحسم في صندوق الاقتراع.
أخلى رابين كرسيه لبيغن؛ وأخلى شامير كرسيه لرابين؛ وأخلى بيريس كرسيه لنتنياهو؛ وأخلى نتنياهو كرسيه لباراك؛ وأخلى باراك كرسيه لشارون؛ وأخلى أولمرت كرسيه لنتنياهو.
أي منهم لم يحب اللحظة التي اضطر فيها ليخلي أغراضه من بلفور، ولكن كل واحد منهم فهم بأن لا مفر حتى الآن.
ما يوجد على جدول الأعمال في هذه النقطة الزمنية ليس فقط القانون، القضاء، قواعد اللعب، بل مجرد ثقة المواطنين بالنظام، بالدولة. بالكلمات التي قالها نتنياهو، هذا الأسبوع، في موضوع آخر: هذه ليست لعبة.
انتخابات آذار 2020 هي الأولى التي لا يقبل فيها الحزب الحاكم حكم الناس.
مرت 17 يوماً منذ الانتخابات، ويرفض "الليكود" الاعتراف بنتائجها.
بدأ هذا فور إغلاق الصناديق، حين شرع مقربو رئيس الوزراء في حملة في الشبكات الاجتماعية ضد لجنة الانتخابات المركزية والقاضي الذي يترأسها بدعوى تزوير الانتخابات.
كانت هذه كذبة مقصودة، نبأ ملفقاً من إنتاج بلفور مثلما اعترف أحدهم بعد ذلك.
في المرحلة الثانية اقترحوا على نواب من الوسط – اليسار الفرار إلى كتلة اليمين، وعندما لم ينجح هذا أيضا توجهوا للاستعانة بـ"كورونا".
النتيجة غير مسبوقة حقاً: لا توجد في إسرائيل حكومة منتخبة، الكنيست المنتخب مشلول، والمحاكم تخضع لرحمة وزير عدل معين.
هذا الفراغ العظيم يملأه شخص واحد: لا جدال، لا رقابة، لا توازن، ولا إشراف. بتنا نشبه روسيا: قل من الآن فصاعدا ليس بنيامين نتنياهو – بل بنيامين بوتينياهو. وتفاديا لكل ادعاء: لا توجد صلة حقيقية بين أزمة "كورونا" والدوس على الإجراء الديمقراطي.
لقد بدأ الدوس قبل الأزمة. والأزمة هي مجرد عذر. مثلما في "كورونا"، عدد حاملي الفيروس أكبر من عدد المرضى.
ونحن نستصعب الفهم بأن المرض يعشعش داخلنا. هذا الوضع خطير في فترات الهدوء وخطير أكثر في فترات الطوارئ، حين تكون أهمية مصيرية للثقة التي يشعر بها الجمهور تجاه القرارات التي تتخذها السلطة.
كل مساء أشاهد البيانات التي يطلقها رئيس الوزراء من على المنصة (الحدث يسمونه مؤتمراً صحافياً، رغم أنه بعيد عن أن يكون مؤتمرا وليس فيه صحافيون. مجرد مناجاة على لسان البطل)، وآمل من كل قلبي أن يكون المشاهدون يصدقونه. أما أنا فصعب عليّ: مرات كثيرة جدا صرخ نتنياهو ذئب ذئب، ولم يأتِ الذئب، بل واحيانا لم يكن، حيث يصعب عليّ أن اصدقه حتى عندما يكون ذئبا حقيقيا.
يصعب عليّ أن أصدقه حين يلوح بإنجازاته الرائعة وبإنجازات إسرائيل في مواجهة الأزمة، لأن الحقائق - رغم الأسى - معاكسة.
ليس الجمهور مذنبا في قصور رزم الفحص، وفي فتح بوابات مطار بن غوريون للفيروس وفي ترك الطواقم الطبية لمصيرهم.
لقد كانت لإسرائيل معطيات أولية طيبة مقارنة بدول أخرى وأضاعتها، كنت سأحترمه لو أنه قال: أخطأنا ونحن الآن نصلح الخطأ.
إنه يأخذ معه إلى مطارح عدم الثقة كبار رجالات وزارة الصحة أيضاً. يخيل كأن شخصا ما قال لهم: "يعتقد الإسرائيليون أنهم في إجازة كورونا. أخيفوهم: فقط إذا ما أخفتموهم حتى الموت سيبقون في البيت".
وعندها يقف مدير عام وزارة الصحة، موشيه بار سيمان توف، وهو شخص مستقر بشكل عام، ويعلن عن "آلاف كثيرة من الموتى. إذا كان هذا هو التوقع، فإن وضعنا أسوأ بكثير من وضع إسبانيا. في هذه الأثناء لم يمت في إسرائيل أي شخص. لم يحن الوقت بعد لحفر القبور في الحدائق العامة.
قد يبدو هذا تافها، ولكن من المسموح أن نتوقع ممن يزايد على الآخرين أن يحترم بضعة قواعد تحذير أساسية.
فمسؤولو وزارة الصحة يتحدثون في ميكروفونات رطبت ببصاق من سبقهم، يلمسون بأيديهم الأسطح التي لوثت، ويكثرون من الحديث عن المسافة الاجتماعية بينما خلفهم، في استديو التلفاز المكشوف، يحتفل القرب الجسدي.
الوزراء يرتبون كراسيهم مثلما في ألعاب الأطفال، ولكن فور الحدث يتجمعون (ليتسمان على الأقل لم يعد هناك. أما قدوته الشخصية فهو يوفرها في المدارس الدينية في بني براك).
سيختفي كورونا في النهاية. غير أنه في الديمقراطية لا يعود الناس أبداً إلى نقطة الصفر: ما يجري هذه الأيام، تحت غطاء كورونا، لن يصلح بسهولة. وعليه فيجب معالجة كورونا وكأنه لا تقع أمام ناظرينا عملية تخريب للديمقراطية، والكفاح في سبيل الديمقراطية وكأنه لا يوجد كورونا.

عن "يديعوت"