«كورونا» حاضنته الجهل والحماقة؟!

عبد الناصر النجار.jpg
حجم الخط

عبد الناصر النجار

نعم، حتى اليوم، نستطيع أن نقول: إن فلسطين نجحت مبدئياً في مواجهة امتحان «كورونا»، ولكنها ليست النتيجة النهائية لهذا الامتحان، نحن كما العالم ما زلنا في بداية المشوار، ولا بوادر عالمية للسيطرة على الوباء خلال الأسابيع المقبلة، وهناك احتمال كبيرة بأن تمتد حالات الطوارئ الدولية شهوراً عدة.
إجراءات الحكومة الفلسطينية المتقدمة والناجحة حاصرت الانتشار، ولولا هذه الإجراءات لكان الوضع أسوأ بكثير مما نتصور.
بؤرة الفيروس في بيت لحم حوصرت بشكل علمي وإجراءات صحية مميزة مقارنة بدول المنطقة، والمصابون تحملوا صحياً ونفسياً، وانصاعوا للتعليمات برحابة صدر فجاءت البشرى، أمس، بشفاء غالبيتهم وعودتهم إلى بيوتهم، مع استكمال الحجر الصحي المنزلي.
وعلى الرغم من إجراءات الحكومة القاسية والصحيحة، والثمن الباهظ الذي دفعناه في معظم القطاعات خاصة التعليم والاقتصاد، إلا أن جهل البعض وحماقة البعض الآخر، وهم قلة، إلا أن تأثيرهم أكبر بكثير من حجمهم، وقد يتسبب بضياع المنجزات كلها وجرنا إلى نقطة الصفر.
الحجر المنزلي كان وما زال إجراء وقائياً مهماً، بل أكثر أهمية من العلاج، فهو طريق الشفاء الحقيقي، لكن الحمقى أو الجهلة هم من يلقون بأعواد الثقاب على أكوام القش في بيدر جاف، فيدمرون كل شيء.
أربع قصص يجب أن نتعلم منها، حتى لا نعض الأصابع على تقصيرنا، ولنا في الصين وإيطاليا عبرة.. القبضة الحديدية والالتزام الحرفي أخرج الصين من الكارثة فأصبحت نموذجاً يقتدى به.. وفي إيطاليا عندما استهان المسؤولون الشعبويون بالوضع وحرضوا على عدم الالتزام بالتعليمات ورفضوا إغلاق المطاعم والمقاهي والتجمعات، بل ذهبوا بأنفسهم إلى هذه الأماكن بشكل استعراضي، وقعت الكارثة.. واليوم الجيش الإيطالي يجهد في جمع عشرات الجثث ليلاً وحرقها مباشرة لأنه لا توجد إمكانية للدفن.
المسؤولون الحمقى اختبؤوا ولم يعد يسمع لهم صوت، بعدما تسببوا في «خراب روما».
القصة الأولى هي لمواطن من محافظة نابلس كان قادماً من الخارج، وكان من المفترض أن يحجر نفسه مدة أسبوعين، لكن حماقته واستهتاره كادا أن يتسببا بكارثة لعشرات الأشخاص الذين اختلط معهم وبعدما تبين إصابته حاول الهرب، ولسان حاله يقول ليصب الجميع كما أصبت، كما قال هو على صفحته على موقع تواصل اجتماعي.. التصرفات الهوجاء تسببت بإغلاق الأماكن التي زارها أو دخلها والطلب من المواطنين الذين احتكوا به إجراء الفحص والحجر.
القصة الثانية هي لداعية من رجال الدعوة الذين نفترض أنهم أحرص الناس على مصالح الآخرين.. الداعية العائد من باكستان بعد زيارة استغرقت أربعة أشهر لم يلتزم بالتعليمات واستقبل عشرات المهنئين من أهل بلدته، واحتضن أطفاله من زوجتيه، وحاول فتح المسجد لصلاة الجماعة وصلى جماعة بمجموعات خارج المسجد وزار مواقع عدة.. والنتيجة إغلاق البلدة وفرض الإقامة المنزلية على جميع السكان واتخاذ إجراءات مشددة على صعيد محافظة سلفيت، وإجبار طواقم الصحة على إجراء عشرات الفحوص وربما المئات للتأكد من سلامة مخالطيه.. ولكن هناك استفسار من كثير من الناس، هل كان مع الداعية دعاة أخرى عادوا من باكستان؟ على الأقل هناك حديث عن داعية من جنوب الضفة عاد قبل أيام من باكستان.
القصة الثالثة هي لصورة انتشرت على وسائل التواصل الاجتماعي وهي أداء صلاة الجمعة في بركس بعد إغلاق المساجد في تحد سافر لقرارات وزارة الأوقاف.
الصورة تؤكد أنهم مجموعة من حزب التحرير في مخيم الفوار.. والسؤال: لمصلحة من؟ ولماذا هذا التحدي الأرعن الذي واجه موقفاً صلباً من أهالي المخيم الذين لم يتركوا مسبة ولا شتيمة إلا ألحقوها بمن يريد حرق البيدر؟ المطلوب من السلطة ومحافظ الخليل سرعة محاسبة صاحب البركس والإمام على الأقل.. لأنها قضية مجتمع.
في ظل القصص المظلمة، يظل هناك جانب مشرق ومواطنون يجب أن نؤدي لهم التحية، القصة الرابعة لمواطن جاء من فرنسا قبل أسبوعين وحجر نفسه مباشرة في منزله برام الله، لم يختلط بأحد حتى أفراد عائلته، بعد أسبوعين عادت ابنته الطالبة الجامعية وصديقتها من ألمانيا، ومباشرة حجرهما، ولعل الفيديو الذي نشرته العائلة يبين مدى الالتزام بالتعليمات، حتى أن الأم لم تقترب من ابنتها لمجرد المصافحة.. بعد يومين ظهرت الأعراض على البنت فاتصل الأب فوراً بالصحة والمسؤولين ليتبين أنها مصابة فنقلت للحجر الصحي.. تعاون العائلة خلّص العشرات من الأهل والأقارب والجيران الذين ربما رغبوا بالزيارة والتهنئة بسلامة العودة من خطر الفيروس.. هذا هو النموذج الذي نطمح إلى أن يكون دائماً وأبداً. لكي نكمل مسيرة النجاح ونكون مثالاً يحتذى به وليس العكس.