من الكرامة والعزة الي سنوات الضياع والعار

حجم الخط

بقلم د. هشام عبد الرحمن

 

 يوم الكرامة ليس مجرد ذكرى لمناسبة وطنية تمر علينا كل عام، بل هو يومُ عزة للأمةِ العربيةِ ولكل وطني فلسطيني, يوم فخر لنا بانتمائِنا إلى هذا الشَّعب الذي يُقَدِّم قوافِل الشُّهداء دِفاعًا عن كرامَةِ الأُمّةِ وتاريخها المجيد, صاحب البطولات والتضحيات والرجولة والتاريخ الحافل بالنضالِ والكرامة…الشعب الذي يقف بصدره أمام أكبر احتلال في العصر الحديث .

جاءت معركةُ الكرامة بعد يأسٍ وهزيمة، لتغسل عارَ هزيمة الـ 67 التي سبقتها بتسعةِ أشهر فقط، ولتشكل نقطةً تحول في تاريخنا ومسيرتنا النضالية رغمَ الإمكانياتِ المتواضعة التى نملَكها، فضلاً عن أنها كانت نقطةَ انطلاق جديدة للجنديِ العربيِ ورفع روحُه المعنوية وتعزيز قدرته للدخولِ في حربِ أكتوبر, وكان الهدفُ من الهجومِ الاسرائيلي على بلدةِ الكرامة هو كسرُ قوةَ المقاومةِ الفلسطينية, حيثُ عبَّر عن ذلك وزيرُ الحرب الاسرائيلي الأسبق موشي ديان قائلاً أن فتح (في يدي كالبيضة أكسرها متى أشاء) كما دعا الصحفيون العالميون لتناول طعام الغداء في مرتفـــعات الســـلط ووعدهم بالقبضِ على قيادةِ فتح وجلبُهم بالشباكِ وبعد معركةِ الكرامة .. راجعه الصحفيون بذلك .. فقال: (كانت البيضة من حديد) وكان الهدفُ الأول للمعركة احتلال مرتفعات السلط وتحويلها إلى حزام أمنى لإسرائيل تمامًا كما حدث بعد ذلك في جنوبِ لبنان .

الجديرُ ذكرُه أن تسميةَ الكرامة تعودُ لعام 1949، وتُدعى منطقة " غور الكبد " وكان بها بئر ماء، وعاش فيها اللاجئون الفلسطينيون، وزارَهم الملكُ المرحوم الحسين، واطَّلع على أحوالِهم وأعطاهم ما يمكنَّهم من الحياةِ الكريمة، وبناءً عليه أطلق سكان المنطقة عليها " منطقةُ الكرامة " نسبة للمكرمةِ الملكية .

ولقد فشلَ العدوُ تمامًا في هذهِ المعركةِ دونَ أن يحقق أيَّا من أهدافِه على جميعِ المحاور, وأسقطَت معركةَ الكرامة مقولة أنَّه (جيشٌ لا يقهر) كما كان يزعم دائمًا. وتبين أنها ليست إلا كذبة حاول ترويجها من خلال الأبواق الإعلامية المؤيده له .

إن علينا كفلسطينيين الاستفادة من دروسِ وعبر معركة الكرامة التي خاضتها المقاومة الفلسطينية خصوصًا في هذه المرحلة التي يعيشها شعبنا, باعتبار أنَّ تلك المعركة ليست مجردَ ذكري, بل اعتراف من الفلسطينيين اليوم بأنها جزءٌ من نضالِهم المتواصل والمستمر, حيثُ تتزامن ذكري الكرامة في مارس من كل عام مع ذكريات عديدة أبرزُها عملية الساحل المعروفة بعملية كمال عدوان التي نفذَتها الشهيدة دلال المغربي وقتلت فيها أكثر من أربعين جندياً من جنود الاحتلال, وهو شهر الشهداء في يوم الأرضِ دفاعاً عن كرامتهم وأرضهم وتأكيداً على أن الأرضَ لنا ولا كرامة لنا بغير فلسطين وأرض فلسطين, من هنا لابد من اعادة الاعتبار لمعركة الكرامة كونها شكلت مفصلًا مهمًا في الصراع العربي الاسرائيلي، نعم علينا أنْ نستعيد كرامتَنا المفقودة, وأنْ نعيد ترتيب أفكارنا وبرامجنا وتماسكنا الداخلي, لاسقاط كل المؤامرات التي تستهدفُ وجودَنا وأرضنا, بتجسيد وحدة شعبنا وقواه الكفاحية على أرضِ الواقع, ومواجهة مشاريعَ الخضوعِ والخنوع والتتطبيع والاستسلام, فنحن نراهنُ على شعبنا وثورتنا وصلابة جبهتنا الداخلية الموحدة, نعم علينا النهوض من تحت الركام والتصرف برجولةٍ ووطنية, وطىّ صفحة الانقسام فعلاً وليس قولاً من أجل استكمال المواجهة مع المشروع الاحتلالي الغاشم على كافة الجبهات، وصولاً لتحقيق إرادة شعبنا وأمانيه في الاستقلال وتقرير المصير .