مـلـف فـسـاد نـتـنـيـاهـو رقــم 2020 !

حجم الخط

بقلم: غيدي فايس


يوجد خط مباشر يربط بين تحصن ادلشتاين في مكتب رئيس الكنيست وبين ملفات 2000 و4000 التي يتهم بها رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، بتلقي الرشوة والتحايل وخيانة الثقة. بذور الانقلاب في الحكم تم زرعها هناك، ومن لا يلاحظها (مقالان ونصف عن سارة في «واللاه») فهو إما أعمى أو مجنون.
في سنوات حكمه، لا سيما قبل وبعد الفوز المفاجئ في انتخابات 2015، استثمر نتنياهو كمية كبيرة من الطاقة في محاولة لقمع الصحف الحرة وتحويلها الى صوت مخلص له، يغتال خصومه عن طريق منشورات مسممة.
حاول عقد صفقة مع ناشر «يديعوت احرونوت»، نوني موزيس، من أجل أن تغير سفينة الإعلام المعادي وجهتها.
استخدم بشكل مباشر أو بوساطة مخصييه مكبس ضغط ثقيلاً على صاحب السيطرة في «بيزك»، شاؤول الوفيتش، الذي بدوره سحق الحقوق الأساسية للصحافيين في «واللاه»، وطلب منهم العمل كمتحدثين بلسان السلطة الحاكمة. وقد حاول إغلاق القناة 10 فقط لأنها نشرت عدة تقارير ضارة عنه. وقام بحل الحكومة، حسب شهادته، بسبب القانون الذي استهدف إضعاف الصحيفة المؤيدة له وهي «إسرائيل اليوم». وهو قام بحل الحكومة التالية من اجل منع إنشاء هيئة البث خشية أن لا يقوم هذا الجسم الجديد بالدور الذي خصصه له.
وحاول إغراء عدد من اصحاب المليارات في أرجاء العالم لضخ أبناء عائلته ورجال بلاطه. وقد استثمر ساعات كثيرة في اللقاءات مع لاري اليسون وجيمس باكر وارنون ملتشن وروبرت ماردوك ورؤساء الاتحاد الألماني اكسيل شبرنغر، على أمل أن يفعلوا ما فعله قبلهم شلدون ادلسون: أن يقيموا لصالحه أبواقاً تنشر رسالته بضربات مطرقة ثابتة الى أن يفقد وعي الجمهور ما بقي من الاستقلالية، ولتنهار أجهزة انتقاده. ومن أجل السيطرة على هذه العملية، وضع لأصحاب رؤوس الأموال محامين مقربين منه مثل يعقوب فنروت ويعقوب نئمان.
في التحقيقات معه احتج نتنياهو على تدخل قوى عليا غامضة منعته من معالجة ما وصفه بمسألة أكثر تهديداً من الذرة الإيرانية أو من الفجوة بين الاثرياء والفقراء: «المشكلة الأكثر جدية لدينا هي المركزية الاعلامية التي لا توجد في العالم الغربي... نحن نتفاخر بأننا ديمقراطية، ليس لدينا تنوع في سوق الآراء، لا يوجد تمثيل. هذه الأسواق مغلقة»؛ «لا أصدق بأنكم بادرتم الى البدء بالتحقيقات» قال رئيس الحكومة لمحققي الشرطة بلهجة متشككة. «شخص ما بادر وفعل ذلك، من اجل عدم فتح سوق الإعلام».
ها هو أمامكم حفل أقنعة بكامل جلاله، من صرخ ضد المركزية فقد فعل كل شيء من أجل تحققها. والأمر الأخير الذي طمح اليه نتنياهو هو فتح السوق لتنوع كبير في الاصوات. وكل من تابع علاقته مع الصحف، ومنهم من نظروا وينظرون اليه كبطل، من الواضح أن هدفه هو أن يُسمع فقط صوت واحد، يكون خاضعاً لسيطرته. هو لم يرغب في فتح الاعلام وتنويعه، بل حبسه ووضع حراس عتبة على المدخل لا يسمحون لأي ذرة من الانتقاد أو الشك بالدخول الى الداخل. الشخص الذي يتفاخر بقيم الديمقراطية التي رضعها من جابوتنسكي ومن الآباء المؤسسين الأميركيين، آمن بأن خطة السيطرة هذه هي شرط أساسي لتعزيز سيطرته على الجمهور وبقائه على الكرسي. عندما فهم جهاز إنفاذ القانون، بتأخر ما، أن استحواذه الخطير جعله يفقد الحذر المغروس فيه، وأن يبيع لذوي النفوذ وارباب المال مصالح عامة، فقد حدد بذلك رؤوسهم كهدف قادم للتشويه والتصفية. وعندما خشي من أن المحكمة العليا ستقف في طريقه خطط للتخلص منها ايضاً.
لو كانت خطة نتنياهو تحققت بالكامل لكانت وسائل الإعلام الآن منشغلة فقط بالكورونا، وعمل ادلشتاين المشين كان ربما سيحظى بتقرير مقتضب في هامش نشرات الأخبار والصحف. في الواقع ايضاً لم يكن كما يبدو حاجة الى ذلك: لو أن نتنياهو سيطر على الإعلام لما كانت فتحت ضده تحقيقات، ولما كانت قدمت ضده لوائح اتهام، أو أن تقف ضده معارضة فعالة. لم يكن رئيس الكنيست ليضطر الى تشويه نفسه الى الأبد بسلوك يناسب رئيس برلمان للدمى في نظام استبدادي. الصحف الحرة، التي هي في الحقيقة ضعيفة، بقيت العدو القاتل لنتنياهو. أمام محاولته لسحق ما بقي من التوازنات والكوابح في ظل ذعر «الكورونا» هي ما زالت تتمسك حتى الآن بخط التحصين الأخير قبل الانزلاق نحو الهاوية. رئيس الحكومة، الذي هو شخص بعيد النظر، كان أول من لاحظ هذا التهديد.

عن «هآرتس»