التعليم الإلكتروني في ظل كورونا....

حجم الخط

بقلم: د. دلال عريقات

 

أبدأ مساقاتي كل فصل دراسي بمشاركة مقولة لكونفوشيوس يفيد فيها:

"لبناء مملكة عظيمة، عليك أن تبني أولاً دولتك الخاصة، ولبناء دولة عظيمة، يجب أن تعمل أولاً على عائلتك، ولبناء عائلة عظيمة، يجب عليك أولاً تثقيف نفسك؛ ولتنمية نفسك، عليك تكريس نفسك للتعلم".

هذا الفصل الأكاديمي الاستثنائي في ظل الكورونا لم يمنعني من مشاركة هذه المقولة مع طلابي من خلال التعليم الإلكتروني الذي نطبقه في الجامعة العربية الأمريكية.

قد يرى البعض أن التعليم هو شيء يمكن الاكتفاء منه، ولكن إذا أدركنا قول أينشتاين بان التعليم هو ليس تعلم الحقائق إنما هو تعويد العقل على التفكير، سنقتنع جميعاً أن التعليم لا يقف عند محطة سفر وأننا كبشر نعيش لنتعلم.

في ظل وباء الكورونا Covid-19 وجدت المؤسسة التعليمية الفلسطينية نفسها أمام تحدٍ كبير على مستوى المدارس والجامعات، فالأولوية في هذه المرحلة هي الصحة! نعم ولكن الصحة ليست ذريعة للكسل وعدم مواجهة الأزمة. لأكون واقعية في طرح الموضوع، وكوني أنتمي لقطاع التعليم، لاحظتُ أن الكثيرين ماطلوا واعتبروا بداية الأزمة كعطلة وفترة استراحة، لا بل هناك من فقد الرغبة بالعمل والإنتاج بحجة أن هذه أزمة وباء عالمي لا تقع علينا وحدنا، فبالنسبة لهؤلاء لن يتغير شيء لو لم ندرس، لو تعطلت أعمالنا لبرهةٍ، فما يجري على العالم يجري علينا وهذه فترة وستزول. لا خلاف بين العقول المستنيرة صاحبة الضمير أن هؤلاء قصيرو النظر ويفتقرون للبصيرة، أرفض طرحهم إلا أنني شهدته في مجتمعنا مع بداية تفشي الكورونا. بعد مدة بسيطة لم تتجاوز الأسبوع على حالة الطوارىء، بدأت المنافسة على مستوى المدرسين والأدوات على مستوى المدارس والجامعات وبات الجميع يحاول توظيف كافة وسائل التواصل والتكنولوجيا المتاحة للاستمرار بالتعليم عن بُعد، وهنا شهدنا تذمرا وتوترا وإرباكا من الطلبة والأهل الذين اشتكوا من تدفق الواجبات وصور التعليم الإلكتروني التي ملأت الشاشات وشتتت الأهل ووترت الطلاب. كل هذه التناقضات طبيعية في وقت الأزمات؛ فمن جهة نريد ان تستمر المسيرة التعليمية ومن جهة أخرى نريد الابتعاد عن التوتر والضغط!

تجربتنا الانسانية مع ڤيروس كورونا، ما هي إلا درس كبير لنا كأفراد، كمؤسسات، كجامعات، كوزارات، وكدول بأن الاستثمار في الفرص المُتاحة أمامنا وأهمها التعليم الإلكتروني، هو الخيار الاستراتيجي الذي سنعيش مع نتائجه في مرحلة ما بعد الكورونا. هذا الخيار سينجح إذا رافقه التخطيط السليم والعمل الجماعي والموجه من صانعي القرار في المؤسسات التعليمية.

هناك من لا يزال ينتقد فكرة التعليم الإلكتروني، فالتجربة متواضعة، الأدوات متفاوتة، المنهجيات غير متفق عليها، معايير التقييم مختلطة، توجهات الأفراد متضاربة، والسياسات الرسمية المتعلقة بالتعليم الإلكتروني غائبة، التعليم الإلكتروني يتخلله الكثير من الإرباك، التشتت والتوتر إضافة لضعف وعدم جهوزية منصات التحميل الإلكترونية لاستيعاب مواد ضخمة، وتصوير المحاضرات وتحضير المحتوى الرقمي وتحويل المنطوق الى مرئي مسموع ومنطوق والكثير من التفاصيل، باختصار كل شي جديد أوله صعب. وهنا رسالتي اليوم بتذكير صانع القرار على مستوى الصف، المدرسة، الجامعة، الوزارة أن القيادة والتخطيط وعمل الفريق في هذا الظرف الطارىء هي أساس لنجاح مهمة التعليم الإلكتروني. اتخاذ القرارات السريعة وردود الأفعال الفردية في المؤسسة التعليمية لن يفيد تجربة التعليم الإلكتروني في فلسطين. لنعمل معاً على تنمية المهارات ولنشجع العقول على التفكير، ندرك تفاوت صعوبة تطبيق تجربة التعليم الإلكتروني من تخصص إلى آخر وندرك أن الارتقاء بالتعليم الإلكتروني سيحتاج مدة زمنية وتجارب وخبرات ستتخللها العديد من الأخطاء. لا تيأسوا فالتعليم الإلكتروني هو خيارنا الاستراتيجي في ظل ڤايروس كورونا. لنترك التفاصيل السلبية الصغيرة ونركز على الصورة الكبيرة، فالعالم كله يتأمل الوباء العالمي الذي أوقف كل شيء في عالمنا وأعطانا فرصة للتأمل، فرصة للإبداع وهذه فرصة لتبني وتطوير التعليم الإلكتروني في فلسطين.

عندما نخرج من الأزمة، سنعيش مع نتائج هذه المرحلة، لطالما صدرت فلسطين العقول والمعلمين للخارج، فلنجعل من تجربة التعليم الإلكتروني الفلسطيني قصة نجاح للتعليم في زمن الكورونا.

تحية وتقدير خاص لكل معلم/ة وأستاذ/ة مدير/ة وكل من يعمل في قطاع التعليم في تأديتهم لواجبهم تجاه طلابهم وأجيال فلسطين القادمة، ما نقدمه اليوم من خلال التعليم بالوسائل المتاحة والخلاقة هو ما سيذكره التاريخ لفلسطين وشعبها العظيم، نعم التحدي كبير ولكن لن نفشل أبداً إلا إذا توقفنا عن المحاولة....

- د. دلال عريقات: استاذة التخطيط الاستراتيجي وحل الصراع، كلية الدراسات العليا، الجامعة العربية الأمريكية.