كتبت: الصحفية والشاعرة الفلسطينية لينا أبو بكر - محررة أسرانا الالكترونية – لندن
كل إنجاز عظيم يحتاج دائما إلى بداية بحجم بذرة ، ليتحول إلى حقل أو ربما جنة ، هكذا بدأ مشروع ملف الأسرى الفلسطينيين في الصحافة الجزائرية ، مع ملحق خاص يحمل صوت الأسير الفلسطيني ، ضمن صفحات جريدة الشعب منذ عام 2011 ، مع حامل لواء الفكرة والتنفيذ المدير العام للصحيفة الإعلامي الكبير " عز الدين بوكردوس " ، الذي كان يحلم بمجلة تعنى بشؤون أبطال فلسطين وعائلاتهم ، مبلورا شرارة الانطلاق إلى شعلة يتخلل شعاعها العنقودي جميع الصحف الجزائرية ، من بعد .
ليس غريبا على الجزائر ، التي تضيء في سماواتها ، أقمارُ مليونٍ ونصفِ مليون جنة ، أن تحس بقلب أبطال فلسطين وأوجاعهم ، و ترصد رحلة صمودهم في أرض الظلام ، التي يحرسها لقطاء بني صهيون ، ضمن حراك صحافي ووطني عام ، تلقف الشرارة الأولى ، ليوقد بزيتها فتيل الصحف الجزائرية ، في حشد موحد وشامل ، يتقاطع بنهجه الصحافي مع القيم البطولية للحقيقة ، و الوعي الإعلامي الرفيع ، و الضمير النضالي الشريف ...
هكذا بدأ مشوار صحافي عريق مثل " بوكردوس " يشق طريقه إلى السماء ، وهو مدرك أن أقصر الطرق إلى فلسطين الجنة ، تبدأ من الجزائر ، بهمة مهنية عالية ، ونبيلة ، وبعزم وطني نزيه ، و وازع إنساني حي ، لا يغفل عن القضايا العادلة ، في زمن الخذلان الذي لا يقهره سوى من لا يتواطؤون معه ، ولا ينهزمون إليه !
اليوم وصلني خبر رحيل هذا الرجل المنار ، عبر الأستاذ خالد عز الدين ، مسؤول ملف الأسرى الفلسطينين في الجزائر ، الذي أرفق مع الخبر زوادة وثاقية حول مسيرة الإعلامي الذي رحل ، لا لكي يغيب ، إنما ليقهر الغياب ، فهذه هي أقدار الكنوز : إما الآفاق وإما الأعماق ، والرجال القامات التي يصغر الزمن أمامها ويضمحل ، ليضيق بها ، تتسع لها السماوات ، و أحضان وطنها ، فهل ننعى الراحلين ، أم نزفهم إلى خالقهم ، تسير في أثرهم أعمالهم ، و تشهد عليهم كلماتهم ، و أقلامهم ، وكتب حسناتهم ؟
أن يؤمن الراحل " بوكردوس " بالكلمة ، وقيمتها الأخلاقية والتوثيقية والنضالية ، وهو صحفي صاحب مراس ، يعلم أن ثمن الكلمة يعادل الروح - وما الكلمة إلا روح – فهذا يعني أنه وضع قلمه على جذوة الحكاية ، وأطلق نافورة الجمرات من فوهة محكمة الإغلاق ، في فضاء عولمي يتخذ من الصحافة مشروعا للدعاية ، أو للتكسب ، أو لشراء الذمم ، أو للإيتيكيت الإعلامي ، فراهن على الجزائر ، وعلى فلسطين ، بحجر النرد الأخير : الكلمة الحرية .
هذا عهدنا ، بهؤلاء الرجال ، رجال الجزائر ، الذين لم يكلوا ولم يملوا من مساندة فلسطين وأحرارها ، فالأبطال هم فقط من يناصرون الأبطال ، ولا يعيبون على الرجال ما يُشَرِّفُ الرجال ، فالفرسان لا تضرهم الأثمان ، ولا تضيرهم المشقات ، ولا تثبط عزائمهم الأزمة الكسولة ، ولا تهز إرادتهم الطوابير الخلفية في معركة الحرية ، التي لا قيامة لها سوى القيامة ، وما القيامة سوى الكلمة !
امض إلى طريقك السماء يا عز الدين بوكردوس ، فلهذه السماء ملك الغيب ، الذي عرفناه بلغته ، وهو الذي أقسم بالقلم وما يسطرون ، جل جلاله ، نسأله أن يتغمد روحك الكلمة بواسع رحمته ، و أن يجعل لك في جنته سكنا ...إنا لله وإنا إليه راجعون .