كيف نجح "جزار الخيّام" في الهروب من لبنان بمروحية أميركية؟

حجم الخط

بقلم: تسفي برئيل


أفادت التقارير الرسمية في لبنان، نهاية الاسبوع، بأن 167 شخصاً اصيبوا بفيروس كورونا. والتقدير هو أن هذه التقارير، مثلما هي الحال في دول كثيرة اخرى، لا تعطي صورة صحيحة. بالذات لأن في لبنان يوجد نقص في اجهزة الفحص. وجهود الحكومة للحصول على هذه الاجهزة من الدول الاوروبية، وعلى أجهزة تنفس وباقي معدات الحماية للمصابين وللطواقم الطبية، ووجهت بالرفض. فقد أوضحت ألمانيا وفرنسا لممثلي لبنان بأنه توجد أولوية لمواطني اوروبا، وبأنه يوجد فيهما ايضا نقص في المعدات.
المواطنون، الذين يريدون اجراء الفحوصات أو الاستشفاء، يجدون مستشفيات مكتظة، حتى في الاوقات العادية هي غير قادرة على تلبية الطلب. صحيح أن الحكومة أمرت المستشفيات الخاصة بالعمل وكأنها مستشفيات حكومية، وتقديم المساعدة لمن يتوجهون اليها، لكن ايضا عدد اجهزة التنفس الصناعي فيها تم تقديره بالألف تقريبا (مقابل 150 جهازا في المستشفيات الحكومية)، ولا يمكنها تلبية الطلب المتزايد.
في لبنان، لم يفرض حظر التجول حتى الآن على المواطنين. فقط يحاولون اقناعهم بالبقاء في البيوت. ولكن لبنان لا توجد لديه حلول لنحو مليون لاجئ سوري يعيشون على اراضيه في مساكن مؤقتة. البعض في الخيام وفي الحدائق العامة. واللاجئون الذين يحاولون الهرب من مناطق في شمال الدولة ومن بيروت الى جنوب الدولة، حسب الاحصائيات أُصيب الجنوب بدرجة أقل بـ"كورونا"، يواجهون رفض تأجيرهم الشقق خوفا من "كورونا". وفي عدد من البلدات صدرت بيانات رسمية تطلب من المواطنين عدم تأجير الشقق للاجئين أو السكان القادمين من المناطق الشمالية.
في الشبكات الاجتماعية تسمع انتقادات شديدة للحكومة، وقيل إنها غير قادرة على أن توفر للمرضى الحد الادنى من الشروط، وهي تستغل ازمة "كورونا" من اجل حرف الخطاب العام عن الازمة الاقتصادية التي تمر بها الدولة. وتبين ايضا بأن وزارة المالية تنوي استخدام اموال التوفير للمودعين من اجل مساعدة البنوك التي تمر بصعوبات، والسماح لها بتقليص مستوى السيولة لديها بدرجة من شأنها أن تعرض استقرارها للخطر.
ولكن من خلال مشاهدة وسائل الاعلام في لبنان يتبين أن فيروس كورونا يتنافس مع موضوع آخر جديد مثير للغضب، يحتل العناوين الرئيسية واعمدة التحليل. هبطت، الخميس الماضي، طائرة مروحية أميركية في ساحة السفارة الأميركية في بيروت لنقل عامر الفاخوري الى منزله في نيوهامشير. "من سمح للطائرة المروحية الأميركية بالهبوط في بيروت؟ كيف تصمت الحكومة على هذا الخرق الفظ لسيادة لبنان؟ وكيف هبطت الطائرة الأميركية في حين أن جميع المطارات في لبنان مغلقة بسبب "كورونا"؟ تم سؤال الحكومة اللبنانية بعد أن أمرت المحكمة العسكرية باطلاق سراح الفاخوري.
كان الفاخوري ضابطا كبيرا في جيش لبنان الجنوبي، وقائد سجن الخيام، سيئ الصيت، الذي احتجز فيه آلاف المواطنين اللبنانيين الذين تم التحقيق معهم وتعذيبهم في حرب لبنان الأولى. شهادات مخيفة عما حدث في الخيام نشرت خلال سنوات، وفيها نُشر عن التنكيل الذي قام به الفاخوري، الذي أُطلق عليه اسم "جزار الخيام". مع اتهامه بأنه عذب بيديه معتقلين وتسبب بموتهم في الوقت الذي كان فيه السجن تحت سيطرة اسرائيل الكاملة.
عند انسحاب الجيش الاسرائيلي من لبنان، العام 2000، انتقل الفاخوري للعيش في الولايات المتحدة وحصل هناك على الجنسية وفتح مطعما فاخرا، استضاف فيه شخصيات كبيرة من الحزب الجمهوري الذي كان من المتبرعين له. وليس واضحا لماذا قرر زيارة لبنان. حسب اقوال أبناء عائلته استند الى الدعوة الكاسحة لرئيس لبنان، ميشيل عون، لرجال جيش لبنان الجنوبي بالعودة الى الوطن، والى وعده بألا يلحق أي ضرر بهم. ويبدو أنه حصل على ضمانات معينة من شخصيات رفيعة في لبنان بألا تتم محاكمته.
ولكن عند هبوطه في لبنان في ايلول الماضي تم اعتقاله. وكانت النية تقديمه للمحاكمة بسبب افعاله في سجن الخيام. وكان يتوقع أن يسجن فترة طويلة. ولكن بعد ذلك دخلت الدبلوماسية الأميركية في تسارع. السفارة وشخصيات كبيرة في وزارة الخارجية استخدمت ضغطا كبيرا على الحكومة اللبنانية لإطلاق سراحه؛ لأنه مواطن أميركي. ومن بين امور اخرى هددت الادارة بأنها ستجمد المساعدات العسكرية للبنان، التي تبلغ 100 مليون دولار في السنة تقريبا. وستفرض عقوبات على المسؤول عن اعتقال الفاخوري.
لبنان، الذي يعتمد على الولايات المتحدة في الطلب الذي قدمته لصندوق النقد الدولي من اجل منحها قرضا لانقاذها من الازمة الاقتصادية، لم تسمح لنفسها بمواجهة الادارة الأميركية. وفي الاسبوع الماضي ألغت المحكمة العسكرية الاتهامات ضد الفاخوري، وقامت باطلاق سراحه. يوم الجمعة الماضي، حاول نصر الله التنصل من الانتقادات التي وجهت له، والتي بحسبها لم يفعل أي شيء لمنع اطلاق سراح "العميل الاسرائيلي"، ولم يمنع نقله في المروحية الأميركية. "لم تكن هناك أي صفقة. ولم نعرف عن أي صفقة لاطلاق سراحه"، قال نصر الله، وهاجم الحكومة التي منظمته عضو فيها. ومن اجل تهدئة الانتقادات اعلن نصر الله بأن منظمته تضع تحت تصرف الحكومة 20 ألف طبيب وممرض وطواقم اسعاف من اجل مواجهة ازمة "كورونا"، وكأن الامر يتعلق بمنظمة اغاثة دولية.
خلال ذلك طلب تعيين لجنة تحقيق تفحص ظروف اطلاق سراح الفاخوري. ويبدو أن نصر الله يفضل هذا التحقيق كي يحرج رئيس الحكومة والرئيس، وليس لجنة تحقيق تفحص سلوك وزارة الصحة في لبنان ازاء ازمة "كورونا" – الوزارة التي يترأسها حمد حسن الذي تم تعيينه من قبل "حزب الله".

عن "هآرتس"