أهل الكهف والاحتماء من الكورونا!

حجم الخط

بقلم: المحامي إبراهيم شعبان

 

هم فتية آمنوا بربهم، كانوا أصحاب إيمان راسخ، قرروا النجاة بدينهم من أهل القرية الكافرين وملكها الكافر، فانتبذوا مكانا قصيا في كهف مهجور بصحبة كلبهم ليعيشوا حياة معجونة بشظف العيش، فإذا بهم يمكثون ثلاث مائة وتسع سنين على هذا الحال. ويكمل السرد القرآني أن الشمس في إعجاز إلهي، كانت تشرق عن يمين كهفهم، وتغرب عن شماله، فلا يكتوون باشعتها طيلة النهار. ونظرا لتقلبهم ذات اليمين وذات الشمال، كان الناظر إليهم يصاب بالفزع حيث يجدهم مستيقظون بينما هم نائمون، وكان يحار في عددهم، إلى أن بعثهم رب العزة من جديد. وكان قد غرب هذا الملك الكافر، وبطانته السيئة، وعادت الأمور إلى حالها ونصابها.

فهل نحن أمام هجرة واعتكاف جديدين، واعتزال هذا العالم الفاسد المستغل المحتكر لعل هذا الفساد والاستغلال والاحتكار يزول، وتزول أنظمة وتقوم أنظمة.

رب سائل يسأل، ما العلاقة بين قصة أهل الكهف والكورونا؟ وكيف يتم الجمع بينهما، وما هو القاسم المشترك بين الأمرين؟ وهل سينام أهل هذا الكون نومة طويلة مثل أهل الكهف؟ هل سيفيق العالم على قيم جديدة ومبادىء جميلة، ومتى سيفيق من غفوته وسباته؟ وهل سيستمر في نومه مئات السنين، أم أن هذا كله ضرب من الخيال الجامح والأسئلة اللاعقلانية؟

ما كان بالأمس خيالا غدا اليوم أقل من خيال الأمس. فلم نعد نفرق بين الخيال والحقيقة.

لو نظرنا للعالم أي الكرة الأرضية بأجمعها، نجد أن الدول في خطوة غير متصورة قبل نصف عام، قد انغلقت على نفسها وأغلقت حدودها وموانئها الجوية والبحرية والبرية. وبخاصة في القارة العجوز بدا هذا التحول واضحا بيِّنا حيث دفنت شنجن وتوابعها، بل إن الاتحاد الأوروبي ودوله آثرا العزلة ولم تقدم واحدة المساعدة للأخرى، حيث ان التاحاد الأوروبي لم يقدم مساعدة تذكر لدولة تعيش وضعا صعبا كإيطاليا.

والغريب أن دولة بعيدة كالصين، ودولة منبوذة كروسيا، هما من قدمتا المساعدة الإنسانية للإيطاليين. وهما ليستا بالجارتين ولا بالرفيقتين ولا يجمعهما سوى عنصر الإنسانية. وفي هذا الزمن الصعب، لا تزال أمريكا تفرض عقوبات اقتصادية ودوائية على الجمهورية الإيرانية الإسلامية. وقد يأتي يوم تحتاج فيه أمريكا مساعدات من إيران في ظل هذا الخيال الجامح الذي يسود العالم.

ليس هذا فقط، فقد ظهر بشكل واضح في هذا الزمن، قبح الأفكار والأيدولوجيات السائدة في هذا الكون والعالم، بل بشاعتها، حينما استبعدت الإنسان واستعبدته، وقدمت عليه رأس المال الجشع المتغول المتوحش. حينما قدمت الشركات الإحتكارية الكبرى على عوز الفقير وإنسانية المحتاج بحجة التنمية والمنافسة . حينما قدمت إقامة المصانع على إقامة المستشفيات والمختبرات، وعندما أقامت البنوك بدل إقامة المدارس والجامعات، حينما شيدت البورصات بدل تشييد مؤسسات الرعاية للعجزة والمحتاجين. وحينما قدمت التسهيلات النقدية المزعومة بحيث غدت عيئا على الدول الضعيفة مثل لبنان والأردن والعراق وفنزويلا.

ماذا يحدث الآن؟ كل الدول، وبخاصة الغنية تدفع الثمن وهو ثمن غال جدا، وهي غير راغبة في دفعه بل تحاول تأجيل الدفع بشكل أو بآخر وكأن لديها خيار وهي لا تملكه. وكان من الممكن أن يكون الوباء أقل تكلفة لو أنهم اهتموا بالإنسان، ورعوه كإنسان، وقدموا له حاجاته الإنسانية. لو رصدوا الموازنات مقدما لما وصلوا إلى هذه الحالة.

أنظروا إلى المستهترين الأرعنين النرجسيين المغرورين الأكبر في هذا العالم، نتنياهو وترامب، وتصرفاتهما التي قادت إلى تفشي الفيروس وتضرر عشرات آلاف البشر الذين سرعان ما يصبحون بالملايين. والأنكى أنهما يدعيان ويصوران أنه بدونهما لكانت الكارثة قد وقعت والمأساة قد حدثت.

سكان هذا الكون بملياراته السبعة وأكثر مختبئون ومعزولون في بيوتهم، معتكفون في مغرهم وشققهم وبيوتهم، كأهل الكهف، ينتظرون الفرج القريب القادم من المجهول. ويردد الشخص القابع في منزله لولا وجود الكهرباء والكمبيوتر والتلفاز والهاتف النقال، كيف كانت ستبدو الحياة في ظل انتفاء هذه الأدوات الحضارية؟ ماذا سيفعل الناس وكيف سيقضون وقتهم في ظل هذه العزلة المفروضة؟ يوم لا يستطيع الإنسان أن يقبل وجنتي والديه ولا أبنائه ولا أحفاده... يوم لا يستطيع أن يحضنهم ولا يقترب منهم أكثر من مترين، ويغسل يديه إن لامسهم. يوم لا يستطيع تقديم العزاء لمحب أو قريب... يوم لا يستطيع دفن قريب أو حبيب أو زوج ... يوم لا يكون فيه كهرباء ولا نفط ولا تلفزة ولا نت ولا كمبيوتر ولا هاتف نقال ولا مواصلات عامة أو خاصة... يوم لا يكون هناك مساجد للصلاة فيها ولا كنائس للتعبد فيها... يوم إغلاق المسجد الحرام والمدينة والأقصى... يوم لا يكون هناك حج ولا عمرة، ولا كريسماس ولا فصح.

تخيلوا أن يكون عدد القتلى بالآلاف، أي عقل بشري سيكون قادرا على التحكم بمصيره. ماذا لو عاد الفيروس للصين أو انتشر في روسيا أو تصاعد في الولايات المتحدة الأمريكية أو إسرائيل؟ ماذا لو انتشر هذا الفيروس في الجيش الإسرائيلي والشرطة الإسرائيلية وقوات الأمن؟ ماذا لو تفشى في الجمهور العربي الفلسطيني فأية معاملة سنلقى؟ ماذا لو نقصت المواد الأساسية في دول العالم بشكل ملموس وشكل أزمة تموينية؟ سيناريوهات لا يمكن توقعها وأحداث لا يمكن تخيلها، وأجراءات لا يمكن تصورها!

هؤلاء المليارات السبعة، كم سيبقى منهم، وكم سيحيى منهم، وكم سيموت منهم؟ هل نحن في قصة من قصص الخيال العلمي أم هي حقيقة واقعة؟ هل سيكون هناك مصل لعلاج المصابين وحقن الأصحاء أم هو عبث العابثين؟ هل سيضحى بالكبار من أجل أن يعيش الصغار وعلى أي أساس وأي معيار؟ هل سيكون هناك أسّرة كافية لمعالجة ملايين البشر المصابين؟ ولماذا تأخرت الحكومات في معالجة الوباء قبل وقوعه واستفحاله؟ ولماذا لا تجود الحكومات بدفع التعويضات لمن فقد عمله وما زالت تراهن على انتعاش الإقتصاد. لماذا استغلت الشركات الإحتكارية دول العالم الضعيفة والإنسان الضعيف وتخلت عنه في حالة الشدة والعوز؟

صدقوني أن العقل البشري عاجز عن تخيل ما سيحدث في المستقبل، وكيف سيبدو القادم من بعيد؟

هل نحن أمام عام مأساوي كئيب كما وصفه المنجمون؟ وهل هناك وصفة سحرية لهذا الوباء اللعين؟ وهل استفحل الأمر أم ما زال في الأمر بقية؟ وهل سيحمل دفء الجو أخبارا سارة لطرد هذا الفيروس؟ وهل العزل هو الدواء الوحيد؟ " إنهم إن يظهروا عليكم يرجموكم أو يعيدوكم في ملتهم ولن تفلحوا إذا أبدا ".

لا بد من إصلاح أنفسنا ورفض استغلال الغير لنا وله، وإقامة منظومة القيم والعدالة من جديد، أن نعتزل هذا العالم في كهف من كهوفه فعند العاصفة يفزع إلى أي مرفأ فهذا واجب الجميع وليس واجب أحد!