منذ اغتصاب غالبية فلسطين التاريخية وإقامة إسرائيل على أراضيها وتهجير ما أمكن تهجيره من سكان الأرض الأصليين، يعيش بعض من أبناء الشعب الفلسطيني في "وضع سياسي معقد"، قلما كان له مثيلا في كوكبنا، حيث ارتضت أقلية من أهل البلاد التعايش في ظل نظام سياسي شكل "عدوا قوميا ووطنيا وإنسانيا" لهم.
لم يكن ذلك "خيارا" لمن قرر البقاء في أرضه وبيته ورفض المغادرة "المفخخة"، بين انها "مؤقتة" او "هروبا" من مجازر منتظرة، خيار التعايش داخل نظام يجسد فكر العدو القومي والسياسي هو أكثر مظاهر الإشكاليات السياسية، وتحتاج الى درجة من الوعي الخاص، والمدرك لقيمة الاختيار وضرورة استمراره.
ومنذ عام 1948، والمعادلة عن دور ومهام وطبيعة "أهل فلسطين" قيد النقاش بين ضرورة التفاعل الإيجابي وبين الرفض السلبي "الشكلي"، نقاش بدأ وكأنه "صراع فكري" لخدمة أهداف لا ترتبط بجوهر القضية الفلسطينية، بل لخدمة رؤى بعيدة عن ذلك الأمر، ولعل الشيوعيين الفلسطينيين ومعهم بعض الشيوعيين اليهود، الذين شكلوا ما عرف بحزب "ركاح" جسد "النموذج الأبرز لرؤية وضع أسس التعامل من داخل النظام بما يمثل حماية للوجود الفلسطيني، مقابل "تحالف غير معلن" بين اتجاه قومي وإسلاموي رافض لذلك، مع قبوله الاستفادة من الخدمات التي يقدمها النظام الجديد، أي قبول الخدمات ورفض ما يمكن أن يكون وقاية وفعلا للتأثير السياسي.
نقاش لم ينته بعد، رغم انه بات "هامشيا"، رغم ان بعض التركيبات الفكرية أدركت، بان المعركة السياسية ليس خيارا ذاتيا، بل هي ضرورة لا بد منها في ظل واقع مكروه لكنه قائم، وأثبتت التجارب أن المشاركة الكفاحية السياسية هي السبيل الأمضى والأكثر فاعلية، من "نكوص" واختباء وراء "شعارات" لم تقدم خدمة حقيقية للمعركة القائمة، خاصة عندما يقبل البعض الرافض للمشاركة السياسية بقبول المشاركة المحلية.
يوم الأرض 30 مارس (آذار) عام 1976 شكل مرحلة فارقة في مسار الحركة السياسية الفلسطينية داخل إسرائيل، أكد للواهمين او "الصبيانيين" أن الروح الكفاحية أكثر اشتعالا وحضورا ولم تذهب في دهاليز العمل السياسي ضن "قواعد" نظام ما بعد عام 1948.
"يوم الأرض"، ليس حدثا بل فصلا تاريخيا أكد أن الهوية الفلسطينية لشعب وأرض لن تنالها كل مشاريع التهويد وكسرت حركة "الأسرلة" التي جاهدت الحركة الصهيونية فرضها داخل "الأقلية السكانية الأصلية"، مع تمكنها من تحقيق اختراق في بعض من مكونات أبناء الشعب الفلسطيني، لكن الجوهري جسدته قوى يوم الأرض.
وعام 2020 وفي شهر آذار حدث "يوم أرض" سياسي جديد تجسد في فوز تاريخي لأبناء الشعب الفلسطيني في الداخل 48 عندما حصدت "القائمة العربية المشتركة" 15 نائبا في الكنيست الإسرائيلي، قوة لم يكن لها ان تكون لولا حركة وعي وإدراك لقيمة المسار السياسي الذي تمثل في تغيير 30 مارس 1976.
الانتصار الأخير ليس رقميا، بل هو انتفاضة لتجسيد هوية ومكانة، ولذا كل من يعمل على النيل من قيمة ذلك "الكسب المفصلي" يخدم موضوعيا فكرة الحركة الصهيونية، التي لا تريد حضورا فلسطينيا خاصا ومميزا وفاعلا في النظام القائم، ليس كخيار ذاتي بل كـ "ضرورة سياسية" لا بديل لها سوى "انعزالية سياسية" ضارة.
ملاحظة: الفدائية "الفريدة" تيريزا هلسه، مسيحية علمانية أردنية فلسطينية، رحلت بلا ضجيج سوى أن غيابها أعاد للذاكرة ما جسدته بتكوينها من مشهد فريد...رحلت وتركت آثارا أبرزها أثر سيبقى نتنياهو دون غيره متعايشا معه...سلاما تيريزا وسلاما لمن سبقك شهداء لوطن وقضية.
تنويه خاص: لا زالت جريمة النصيرات تقدم مزيدا من ضحاياها..وفاة 24 إنسان دون ان يهتز ضمير مسؤول عن محاسبة المجرمين...يتحدثون بلا انقطاع عن قيمة الانسان لكنهم يكذبون في كل حرف مما يقولون!