تروي كتب السيرة أنه لم تمضِ شهورٌ على ولادةِ رسولِ الله صلى الله عليه وسلم، حتى سلمته أمُّه وجدُّه إلى حليمة السعدية لترضعه، كما جرت عادةُ العرب بذلك، حتى يَشُبَّ أبناؤهم في بيئتِها الرحبة، ليشتد فيها عودهم، ويتلقوْا من أهلها فصاحةَ اللسان، وهم في مهدهم. فلغةُ البادية ظلت سليمةً من أي تأثير خارجي.
وكان من عادةِ نساءِ البادية أن يَفِدْنَ إلى مكةَ عسى أن يجدن من يرضعْنَه من أبناءِ أثريائها، طلبا للرزق واليَسار. لكنَّ حظَّ حليمةِ بنتِ أبي ذؤيب السعدية، كان هذا الطفلَ الفقير اليتيم، فأخذته وهي به من الزاهدين، لأنها لم تجد سواه.
ولم تكن تدري حينذاك ما ستتنزل عليها وعلى بيتها من البركات بمَقْدمِ ذلك الطفل الرضيع، الذي أمضى بينهم ما يربو على أربع سنوات، رأوْا خلالها العَجَبَ العُجاب، والبركة التي حلت في دارِهم رغم أن مَنْ حولَهُم كان يعاني من تلك السنوات العجاف.