غانتس يزوّد نتنياهو بجهاز تنفُّس سياسي!

حجم الخط

بقلم: جاكي خوري*


في أحد خطابات نتنياهو الدعائية - التخويفية، الأسبوع الماضي، توجه إلى الجمهور بصورة مؤثرة، وطلب منه التقيد بالتعليمات، وأضاف: «لا نريد أن نصل إلى وضع نختار فيه مَن يجب جعله يتنفس اصطناعياً».
مجرد التفكير في مثل هذا الوضع يثير القشعريرة: طاقم طبي يقف في مواجهة مئات المرضى الراقدين على الأسرّة ويحتاجون إلى جهاز تنفس اصطناعي، ويضطرون إلى الاختيار بين مَن ينقذونه ومَن يتركونه يموت اختناقاً. هذا ليس من نسج الخيال، هذا تحديداً ما يجري في إيطاليا وفي إسبانيا.
في إسرائيل، يريدون منع حدوث هذا السيناريو المرعب، وفي مقابل جو من اللامبالاة، وسط عدد غير قليل من المواطنين، بينهم الجمهور العربي، لا يمكن تجاهل وضع أكثر تعقيداً: في إيطاليا، كلهم إيطاليون، بينما في إسرائيل، يوجد يهود وعرب. ما هو وضع المواطنين العرب في مثل هذا الوضع؟ ماذا سيجري لو وصل مئات المرضى من اليهود والعرب، وهم يعانون صعوبات في التنفس، إلى غرفة الطوارئ ذاتها في وسط البلد أو في الأطراف؟ هل سيحظون بمعاملة متساوية؟ هل ستوزَّع أجهزة التنفس بما يتلاءم مع حالتهم الطبية؟ مَن يقرر مَن الذي يجب إنعاشه ومَن لا يُنعش؟ ناهيك عن أن أغلبية عناصر الطاقم الطبي من العرب، الأمر الذي سيجعلهم في وضع مرعب، لذلك يحاول كثيرون كبت ذلك وعدم التفكير في هذا الوضع.
في الواقع، نموذج من هذا الاختيار حصلنا عليه، هذا الأسبوع، في الساحة السياسية: المرشح لرئاسة الحكومة، رئيس حزب «مناعة لإسرائيل»، بني غانتس، الذي طرح نفسه كبديل من السلطة، تخلى عن السفينة وانضم إلى بنيامين نتنياهو. من منظور المجتمع العربي، هذا الانضمام ليس مسألة شخصية بين غانتس ونتنياهو. هو يشكل ضربة مميتة للجهد الذي بُذل في السنة الأخيرة لتوسيع الهوامش الديمقراطية من أجل العرب في إسرائيل، وتقليص نزع الشرعية، وخلق جو مختلف يكون فيه المواطنون العرب وممثلوهم شرعيين، ويشكلون جزءاً لا يتجزأ من جهاز اتخاذ القرارات في دولة إسرائيل.
سيُقال عن رئيس القائمة المشتركة، أيمن عودة، وممثلي القامة إنهم صدقوا وعملوا من أجل تحقيق ذلك، أيضاً بثمن التعرض لانتقادات قاسية جداً داخل مؤسساتهم الحزبية، جزء منها كان محقاً. في النهاية قرروا التوصية [بتكليف غانتس تشكيل الحكومة]: كل الأعضاء الـ15 وقفوا صفاً واحداً، بمن فيهم «بلد» [حزب التجمع الديمقراطي]، في مقابل لجان ومسائل مدنية، كل حكومة طبيعية كان من شأنها أن تقدمها من دون أي شرط.
توصية، نعم. لكن تأليف حكومة تعتمد على العرب؟ هذه خطيئة أكبر بكثير من الخطيئة الأصلية. هذا يجب ألّا يحدث، حتى نظرياً، كأن المقصود عار. هذا لا يشمل فقط غانتس، وهندل وهاوزر وليبرمان - لن تؤلَّف حكومة في إسرائيل في سنة 2020، تعتمد على العرب، حتى لو كان البديل نتنياهو مع ثلاث لوائح اتهام، وقانون القومية وحملة التحريض ضد الجمهور العربي وممثلّيه.
فيما يتعلق بجهاز التنفس السياسي، غانتس اختار، فأنعش نتنياهو وقانون القومية وكل ما يمثل. يبقى فقط أن نأمل بأن يبقى هذا الاختيار في السياسة، وعلى الأقل تبقى إمكانية إنعاش العرب.

عن «هآرتس»

*محلل سياسي