إسرائيل بحاجة إلى خطة شاملة لمواجهة «كورونا»

حجم الخط

بقلم: نداف إيال



قبل أيام عديدة كُتب في هذه الصفحات مقال عنوانه ان إسرائيل بحاجة الى خطة وطنية مرتبة لمكافحة الكورونا والعودة الى الحياة الطبيعية. بعد بضعة أسابيع من ذلك، لا توجد خطة. الفوضى تحتفل. طواقم تفكير في الجامعات، طواقم تفكير في عالم التكنولوجيا العليا. غرفة عمليات للمشتريات برئاسة رئيس «الموساد». غرفة عمليات بقيادة افراد الوحدات الخاصة في الجيش الإسرائيلي. طواقم مع معلومات ليست متوفرة للجميع لدى وزارة الصحة ومعهد غيرتنر. معارك بين رؤساء الجهاز الصحي. مديرو المستشفيات ضد موظفي الوزارة، وموظفو الوزارة الواحد ضد الآخر. في يوم ما يقال انه ستكون هنا فحوصات أكثر. وفي يوم آخر يقال ان لا معنى للفحوصات. كمامات؟ لا حاجة، تقول البروفيسورة سيداتسكي، وبعدها تخرج مع كمامة وسياسة جديدة (وضرورية) كتب عنها في العالم قبل زمن طويل. وبالأساس المرة تلو الأخرى، وصفة واحدة فقط: الإغلاق والمزيد من الإغلاق وسنشدد الخطوات.
وها هي الحقائق، الجافة. معدلات الوفيات في إسرائيل متدنية الآن لأن الدولة عملت في البداية بشكل صحيح، حيث عزلت العائدين من الخارج. ويعود هذا الى وزارة الصحة ومديريها ولرئيس الوزراء نتنياهو الذين شخصوا التهديد بشكل مبكر. معدلات الوفيات متدنية لاسباب اخرى: ابناء 70 فما فوق من الإسرائيليين، بناة البلاد، هم أناس حذرون ومستقرون. فقد حموا أنفسهم في وقت مبكر. امتنعوا عن مناسبات اجتماعية، وبألم في القلب عن زيارة الأحفاد. وباستثناء الأطفال، الذين لا يفحصون، فانهم المجموعة الأصغر من بين المرضى المصابين بالمرض. اين يوجد مثل هذا الوضع؟ في ألمانيا. وهناك أيضاً معدلات الوفيات منخفضة. جهاز الصحة الإسرائيلي هزيل وضعيف ولكنه مع عضلات ومجند. أعداد المرضى الحرجين ترتفع، ومن المتوقع ان ترتفع، ولكن الجهاز يستجيب للأمر حاليا. الإغلاق ينجح، بمدى كبير، مثلما يفترض به أن ينجح؛ فإذا أغلقنا الدولة وأحدثنا ضرراً اقتصادياً هائلاً وكان الناس في بيوتهم، فان العدوى في المرحلة الأولى ستنخفض. لشدة الأسف لا نستخلص الدروس باي قدر؛ فالمعطيات التي تصدر للإسرائيليين ليست كاملة. نعرف كم من الفحوصات أجريت في اليوم، ولكن ليس كم هي النتائج كل يوم. كما أننا لا نعرف متى فحص المرضى الجدد على الاطلاق. هذا يبدو فنياً، أعرف، ولكن هذا هو الفرق بين معرفة ما هو الوضع وبين عدم معرفته.
حصل شيء آخر. كلما تدحرجت هذه الأزمة، بدأ الناس يتحدثون فيها الى لجان التحقيق المحتملة. الإطلاق الدائم للسيناريوهات القاتمة عن آلاف الموتى وعشرات آلاف المرضى. وبالطبع، كل سيناريو ممكن. ولكن اذا توفي في دولة مثل الصين نحو 3 آلاف شخص، وفي دولة مثل إيطاليا عشرة آلاف حالياً، فانه اذا مات هنا الآلاف فهذا فشل ذريع لرئيس الوزراء ووزارة الصحة، بكل وضوح. أما ان يقال «قلنا لكم» فهذا لن يجدي نفعاً.
كبديل، وبنزعة التطرف ذاتها، يخاف أصحاب القرار من حظوة النجاح. فرئيس الوزراء نتنياهو يمتنع بثبات عن تسليم مزيد من الصلاحيات لوزير الدفاع بينيت خوفا على ما يبدو من أن يعزى النجاح لصالح الأخير.
مصادر طبية وبحثية تقول ان تشديد الاغلاق في الايام الاخيرة لم يعد مجدياً. وتضيف: «الاغلاق حتى الآن كان ناجعاً، وحققنا منه الحد الاقصى من الانجازات. والضرر الاقتصادي الناتج عن التشديد لا يستحق هذا. فهل عرض تقرير وبائي على الحكومة قال لها ان هذا العدد من الناس اصيبوا في مكان العمل وبالتالي يجب إغلاق المشاريع؟ والمس بمزيد من رزق الناس؟ معظم الاصابات في هذه اللحظة تتم داخل العائلات».
في الأشهر الماضية اشترت إسرائيل مطرقة 5 كيلو. الإغلاق. والآن يوجد للمطرقة سرايا من الشرطة والجيش وهي في الشوارع. هذه مطرقة ناجعة ولكنها ليست غاية كل شيء. تستهدف هذه المطرقة كسب الوقت، وفي هذا الوقت سلة كاملة من ردود الأفعال: فحوصات ناجعة وواسعة تعثر على المصابين (بدلا من انتظار وصول المرضى الى الطوارئ). منظومات لوجستية تساعد السكان في العزل كي لا يخرجوا من البيوت. إغلاقات محلية تساعد على تقليص العدوى. الاستماع لمنظمة الصحة العالمية وللخبراء الذين حذروا من انه يحظر السماح بانزال المرضى في بيوتهم، وبناء بدائل للمرضى الخفيفين قبل التفشي في بني براك – وليس فقط بعده. نحتاج خطة مرتبة تقلص العدوى، وتعرض اهدافا واقعية، وتحسب دخول الفحوصات الخلوية الى البروتوكول الطبي وتفتح أفقا قريبا لاعادة بعض من المرافق الاقتصادية الى العمل.
لا توجد خطة كهذه بعد، وهذه الأزمة توجه بلا قائد يضرب على الطاولة. هذه ليست حرب «يوم الغفران»، ولكن فيها ايضا لا يمكن الانتصار من خلال تحذير دايان بـ «خراب البيت الثالث» من جهة وعدم اكتراث ايلي زعيرا من جهة أخرى. رؤساء المنظومة – كلهم مع نوايا ممتازة – يتحدثون وكأنهم في دولة أوروبية مصابة بالكارثة او في الولايات المتحدة التي بدون خدمات طبية لصناديق المرضى. ولكنهم ليسوا هكذا. إسرائيل دولة تكنولوجيا عليا صغيرة وغنية نسبيا؛ لديها احتمال ممتاز لتكون أفضل من العالم، واختيار التوقعات المتدنية هو اختيار بشع ومخيب للآمال. لم يحدد نتنياهو النصر او يرسم كيف يبدو بالضبط. أما الموظفون تحته فيتعلمون الدروس من آسيا (قياس الحرارة، كمامات، فحوصات، انفاذ للتعليمات) بشكل متأخر واضطراري، بل أحياناً في ظل حروب داخلية. وبالأساس هناك انطباع بـأنهم لا يفهمون الثمن الشخصي والاقتصادي الهائل لملايين الإسرائيليين. للأمهات والاباء الذين لا يعرفون كيف سيدفعون أجرة الشقة، للمستقلين الذين لن تنجو اعمالهم، للأجيرين الذين أخرجوا الى إجازة بلا أجر. وبدلاً من الركض، والعمل بسرعة والهجوم، وإنفاق الكثير من المال فوراً وهكذا توفير المليارات، يتصرفون في نوع من الحركة الغريبة، البطيئة، المليئة بالمراسلات والإجراءات.
اجتازت إسرائيل حتى الآن هذه الأزمة الطبية بشرف عظيم؛ والفضل كلّه يعود لرؤساء المنظومة. وعليها ان تتأكد من أنها في هذه المسيرة لا تدمّر مصدر حياتها حقاً. فثمن حياة الإنسان سيكون جسيماً جداً. والمسؤولية عن ادارة هذه المخاطرة عظيمة، وهي ملقاة كلها على بنيامين نتنياهو. إسرائيل بحاجة الى خطة وطنية، لوجستية، مرتبة وجذرية. خطة تأخذ المخاطر وتدرسها وتحاول الانتصار. في هذه اللحظة هي فقط في الإغلاق.

عن «يديعوت»