الآثار الاقتصادية للإغلاق المشدّد لا تقلّ خطورة عن "كورونا"

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل



التوقعات القاتمة، التي زعمتها وزارة الصحة على طول النصف الثاني من آذار، لم تتحقق حتى الآن. صحيح أن عدد المصابين بالكورونا يواصل الارتفاع، ومثله ايضا أعداد الوفيات والمصابين في حالة خطيرة، لكن منذ أسبوع من الواضح أن هذا الارتفاع في المعطيات ليس زيادة مطردة. والمنحنى لا يزال غير مسطح، ولكنه مع ذلك يزداد اعتدالاً.
التفسير الرئيسي لذلك هو أنه في إسرائيل مثلما في الدول الأوروبية، التي تعرضت لضربة أشد بكثير وكذلك يوجد فيها اعتدال، يكمن كما يبدو في السلوك الإنساني. عدد الوفيات الكبير والتقارير عن انهيار مستشفيات في إيطاليا وفرنسا وعدد من الولايات في أميركا، هز المواطنين. سياسة الابتعاد الاجتماعي ما زالت محافظا عليها، وتعليمات الاغلاق تقلص حجم العدوى، وأيضا بقاء معظم السكان الاكثر عرضة للاصابة بالفيروس والمسنين في البيوت.
في الايام الاخيرة يكثرون من طرح مقارنة بين دولتي النرويج والسويد. فالنرويج فرضت قيودا في مرحلة مبكرة نسبيا. والمعطيات هناك حتى أول من أمس: 5900 مصاب، 89 وفاة. والاهم من ذلك الانخفاض المتواصل في عدد الإصابات الجديدة مقابل نقطة الذروة التي كانت قبل أسبوعين. وفي النرويج يعتقدون أنهم فعليا صدوا بنجاح انتشار الفيروس. الوضع في السويد، التي امتنعت عن فرض الإغلاق وعن اتخاذ خطوات اخرى، مختلف تماما. هناك نحو 7700 مصاب من بينهم 591 وفاة (وإن كان عدد السكان فيها هو ضعف عدد السكان في السويد تقريبا).
تعرضت إسرائيل لمشكلات خاصة بها. بلدات اصولية تقف على رأس قائمة الاصابة، والفيروس يتوقع أن يتفشى في تجمعات الاقليات مثل البدو والاحياء العربية في شرقي القدس وعدد من القرى العربية. نقطة ضعف بارزة اخرى هي أن الدولة ردت بشكل متأخر على تفشي الكورونا في دور المسنين، ويزداد عدد المصابين والوفيات هناك بشكل واضح. حتى أول من أمس تم إحصاء 17 حالة وفاة و70 مصابا على الأقل في 6 دور للمسنين.
عيد الفصح مشكلة خاصة. أول من أمس بعد الظهر تم تشديد الاغلاق بصورة تقيد الحركة بين المدن. ولكن يبدو أن الكثيرين سبقوا القيود بهدف الاحتفال بالعيد مع العائلة الموسعة رغم تحذيرات الحكومة. وبالطبع هناك أخطار عدوى إضافية ناتجة عن الاكتظاظ في الحوانيت (في الأيام الأخيرة)، وحتى محلات الحلاقة وصالونات التجميل يقدمون الخدمات للزبائن في البيوت.
أول من أمس ظهرا فقط صادقت الحكومة على لوائح لزمن الطوارئ تقيد النشاطات في العيد. وحتى ذلك الوقت لم يكن من الواضح للمواطنين ما الذي يتوقع أن يحدث هنا بالضبط عشية العيد. في البداية انتشرت أنباء متناقضة حول موعد فرض الاغلاق الشامل، حظر التجول المحدد (فعليا كان هناك حركة لمسافة 100 متر فقط من البيت) والحظر الشامل (الانتقال بين المناطق)، كالعادة هذه القرارات رافقتها صراعات سياسية في الحكومة، ومنها ايضا مع الوزراء المتدينين، بصورة منعت نشر تعليمات واضحة قبل ذلك.
الفهم السائد في جهاز الصحة هو أنه في كل الأحوال يتوقع حدوث قفزة في الإصابة في أعقاب العيد. قبل نهاية الشهر يتوقع حدوث ميل مشابه مع بداية رمضان. إبطاء وتيرة زيادة الإصابات يعطي جهاز الصحة وقتا للانتظام، الذي من شأنه أن يبعده عن احتمالية الانهيار. ولكن مثلما كشف عيدو فراتي في «هآرتس»، أول من أمس، فان هذا الوقت لم يستغل لشراء اجهزة تنفس من الخارج؛ لأنه رغم جهود جهاز الأمن فإن كل الصفقات هناك فشلت.
المعنى هو أن مجال المناورة بقي ضيقا. وأن الزيادة في عدد الاصابات في أيار وحزيران سيقرب إسرائيل من الخط الاحمر في عدد اجهزة التنفس الشاغرة (في هذه الاثناء يوجد لدينا 2860 جهاز تنفس، نصفها فقط شاغر). احتمالية صناعة اجهزة بصورة مستعجلة واصلاح اجهزة اخرى في إسرائيل هي احتمالية ضئيلة.
خطاب رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، مساء الاثنين، تضمن الى جانب تشديد القيود ايضا رسالة فيها تفاؤل اكثر بقليل من المعتاد. بعد ذلك سادت اجواء مختلفة من البهجة في الاستوديوهات. هنأ اساتذة الطب الإسرائيليين على سلوكهم المسؤول ازاء المعطيات، وبدأ المذيعون يتحدثون عن احتمالية تسهيلات بعد العيد. واستمر تدجين الجمهور: اذا تصرفت بشكل جيد في ليلة العيد فربما نستعيد القليل من حقوقنا في نهاية العيد.
ولكن الفوضى بارزة ايضا على المدى الأبعد. حتى الآن لا يوجد للدولة أي خطة منظمة للخروج من الأزمة. يوجد مزيج من الأفكار المتنافسة التي أطلقها الكثير من الطواقم، وهي لم تتبلور بعد لتصبح استراتيجية موحدة. اسئلة كثيرة ما زالت مفتوحة مثل هل فقط الشباب والمعافون سيعودون الى العمل؟ ماذا سيفعل العمال الباقون؟ اذا كان الاقتصاد يعمل مثل عجلة مسننة فكيف يمكن تحريك جزء صغير من الاقتصاد في الوقت الذي ستبقى فيه اجزاء اخرى (الطيران والسياحة والاستجمام والمطاعم) مشلولة لفترة طويلة؟ وماذا بالنسبة للتصدير المنظم الى الخارج؟ أي طلب سيكون على البضائع الإسرائيلية في دول اخرى، تضررت بسبب الكورونا بشكل اكبر؟ وهل صناعة الهايتيك المحلية يمكنها أن تزدهر ثانية في الوقت الذي ستبقى فيه الرحلات الجوية الى الخارج محدودة لفترة طويلة؟
حتى الآن لم نحصل على إجابة على أي سؤال من هذه الأسئلة. ربما كان يمكن أن نحتاجها لو أنه تم تخصيص وقت أقل في خطاب نتنياهو للتربيت الذاتي على الكتف.

       فشل في التفكير
أول من أمس نشرت لجنة الكورونا في الكنيست نتائج تقريرها المؤقت. اللجنة، برئاسة عضو الكنيست عوفر شيلح (يوجد مستقبل)، كتبت بأن قرار نتنياهو فرض إجراءات الأزمة على مجلس الأمن القومي يدل على «فشل في التفكير». لا يوجد لهيئة الأمن القومي، جاء في التقرير، أي أدوات تنظيمية لمعالجة هذه المهمة؛ وزارة الصحة، التي عارضت زيادة حجم الفحوصات لأسباب غير واضحة، ضعيفة في زمن الطوارئ. ومتخذو القرارات اعتمدوا على سيناريوهات متطرفة لم تكن مؤسسة بما فيه الكفاية. ذكرت اللجنة ايضا أن اختناق الاقتصاد، الذي يتطور بسبب زمن الازمة الطويل، يمكن أن يشكل تهديدا كبيرا لا يقل عن الوباء نفسه.
الجنرال احتياط، غيورا آيلاند، رئيس مجلس الامن القومي السابق، يعرف القليل عن ادارة الازمات الوطنية. وفي المقال الذي نشره، هذا الاسبوع، في موقع معهد القدس للاستراتيجية والامن، لا يخفي غضبه على الحكومة. كتب آيلاند بأن «الضرر الكبير الذي حدث في اعقاب عدد الوفيات وضائقة الجهاز الطبي والمس الشديد بالاقتصاد، ينبع في المقام الاول من مشكلة في اتخاذ القرارات وفي التصرف على المستوى الرسمي. هذا يتجسد في تأخير مصيري في الإدراك بأن تحدي الكورونا ليس مجرد تحدّ طبي، بل يتعلق ببعد آخر هو القدرة على الانتقال من وضع عادي الى وضع إدارة ازمة وطنية في ظروف «حرب شاملة». ورغم أن الأزمة في الذروة ورغم أن جزءاً كبيراً من الضرر وقع، إلا أنه ما زال بالإمكان إحداث تغيير كبير في الطريقة التي تدار فيها الازمة».
وقد أوصى آيلاند «ببلورة خطة مبدئية واضحة وملزمة للانتقال من الوضع العادي الى وضع الطوارئ، في اطارها يتم تشكيل كابنت مصغر لادارة المعركة يكون مدعوماً بغرفة عمليات خاصة على المستوى الرسمي، ويتم تطبيق قوانين الطوارئ المطلوبة. يجب التنازل عن النماذج الثابتة وملاءمة توزيع الصلاحيات مع ما هو مطلوب في ظروف الازمة المحددة، وتمكين الجهة القائدة، في هذه الحالة وزارة الصحة، من التركيز على الاساسي، وإلقاء مهمات اخرى على كل جهة حسب أفضليتها النسبية».
وقد اقترح تشكيل جسم معلوماتي محدد منفصل عن وزارة الصحة. «في حالة الحرب يجمع ويحلل مجمل المعلومات المطلوبة من اجل مواجهة الاسئلة، في ظروف عدم اليقين التي رجال الاستخبارات متعودون عليها، التي بحسبها يجب تحديد سلوك الدولة. وكتب ايضا أنه مطلوب «توسيع وتسريع وزيادة نجاعة وتركيز نظام الفحوصات مع تفضيل الفحوصات المصلية التي تمكن من تشخيص من يستطيعون العودة الى دائرة العمل، مع التعلم من نماذج عملت بشكل جيد مثل كوريا الجنوبية».
الازمة، حسب اقوال آيلاند، يجب أن تدار على مدار الساعة «عن طريق غرفة عمليات تدار جيداً، وتكون تحت مسؤولية جسم مثل هيئة الامن القومي، تشمل ممثلين عن جميع الوزارات والجهات ذات الصلة، والى جانبه تكون مجموعة تفكير مهمتها النظر الى ما وراء الأفق الآمن من اجل منع التدهور الى الانشغال بصورة زائدة بأمور هامشية، وعرض عدد من البدائل على المستوى السياسي حتى يختار من بينها.

البروفيسور لويت
يقدّم آخر المستجدات
البروفيسور مايكل لويت، الحاصل على جائزة نوبل والذي زرع قبل بضعة أسابيع الأمل لدى إسرائيليين كثيرين بوعده أن الاصابة بالفيروس هنا ستكون محدودة، ما زال يحتفظ بتفاؤله. أحد تنبؤاته التي قالها في مقابلة إذاعية، والتي بحسبها لن يكون في إسرائيل اكثر من 10 وفيات بالكورونا، تحطم بشكل شديد. ولكن في محادثة معه، الاثنين الماضي، قال لويت إن وضع إسرائيل جيد بالنسبة لدول اخرى. «لا أريد الدخول الى السياسة. من الواضح أن هذا الموضوع يثير الكثير من المشاعر لدى الناس. كان هناك من كتبوا لي وأملوا موتي، بعد أن ارتفع عدد الوفيات».
وقد شخص بداية اعتدالاً في ارتفاع الرسم البياني للوفيات والاصابات، في إسرائيل وفي الدول الاوروبية التي تضررت بصورة أكثر شدة بالفيروس. هل انخفاض المنحنى نابع من سلوك الدول والجمهور (الابتعاد الاجتماعي والإغلاق) أم أنه هكذا ببساطة يتصرف الفيروس في كل مكان وفي كل موقع - يضرب بشدة مدة أسابيع وبعد ذلك يبدأ بالهبوط؟ «هذا سؤال المليون. أعتقد بأننا سنعرف فقط بعد سنوات، بعد وقت طويل من انتهاء هذا الأمر».
وأضاف لويت بأن الكورونا ليس موضوعاً هامشياً، لكنه ما زال يعتقد بأنه مطلوب توازن في النظر اليه. «عمري 73 سنة، وأنا أقول شكرا على كل يوم عشته. لي أم عمرها 105 سنوات وهي تعيش في بريطانيا. من الواضح أن المرض يصيب الشباب ايضا، لكن الأغلبية الساحقة من الوفيات بسببه هي من كبار السن في جيل 70 فما فوق. واكثر من ذلك ابناء 80 فما فوق. إسرائيل مجتمع شاب. وهذا أحد اسباب أن عدد الوفيات لدينا منخفض مقارنة مع الدول الاوروبية».

       من طهران إلى لندن
إيران: حسب المعطيات الرسمية، تحتل إيران المكان السادس في قائمة الدول التي يوجد فيها وفيات بالكورونا (اكثر من 3700 شخص). وفي المكان الثامن من حيث عدد المصابين (اكثر من 60 ألف مصاب). وحسب تقدير الأجهزة الاستخبارية الغربية، ربما أن الأعداد الحقيقية تكون أضعاف هذا العدد. ينضم الكورونا الى سلسلة الضربات التي أصابت الإيرانيين في السنة الاخيرة: تشديد العقوبات الأميركية والمس بالاقتصاد وانخفاض اسعار النفط (الذي زاد عندما تسبب الفيروس بابطاء النشاط الاقتصادي العالمي) واغتيال الجنرال قاسم سليماني في العراق والفشل الذي وقع عند إسقاط طائرة الركاب بالخطأ في سماء طهران.
في الأسبوع الماضي تراكمت علامات تشير الى أن المليشيات الشيعية التي تستخدمها إيران في العراق يمكن أن تجدد نشاطاتها الانتقامية ضد الولايات المتحدة. ردت إدارة ترامب بتحذير صريح. في هذه الأثناء يتوسل الإيرانيون من أجل رفع العقوبات بذريعة أنهم يئنون تحت وطأة الكورونا. ترفض واشنطن، وهي مستعدة فقط للقيام بخطوات إنسانية من قبل الدول الأوروبية دون علاقة بنظام العقوبات. ومن وراء الكواليس تستخدم إسرائيل الضغط على الإدارة الأميركية كي لا تخفف العقوبات.
خط نتنياهو بالنسبة لإيران بقي ساري المفعول، أيضاً في الوقت الذي ينشغل فيه بالكورونا وبالمفاوضات الائتلافية. وعلى المدى البعيد يبدو أنه لم تُقل بعد الكلمة الأخيرة بشأن المشروع النووي. ايضا في واشنطن وفي القدس يسمع الآن خط متطرف جدا بالنسبة لطهران. ضجة الكورونا زادت تصلب هذا الخط. ربما أن زحف «ازرق ابيض» نحو الحكومة سيؤدي الى سيناريوهات استراتيجية خطيرة أخرى تجتاز افكار الضم في الضفة. الكثير من ذلك يتعلق بالوضع الانتخابي لدونالد ترامب قبل الانتخابات الرئاسية في تشرين الثاني.

غـــــزة
ليس اقل من إيران، أيضا سلطة «حماس» في غزة تصرخ طالبةً المساعدة. في القطاع حتى الآن 13 مصاباً بالكورونا. ولكن الظروف الأساسية هناك تخلق وسادة مريحة لانتشار الفيروس بشكل كبير. في الأسبوع الماضي أعطى رئيس «حماس» في القطاع، يحيى السنوار، إشارات عن نيته الدفع قدما بمفاوضات بشأن الأسرى والمفقودين الإسرائيليين مقابل الحصول على مساعدات إنسانية. وأول من أمس أعلن مكتب رئيس الحكومة بأن إسرائيل مستعدة لـ «العمل بصورة بناءة بهدف إعادة الجثث والمفقودين، وتدعو الى إجراء محادثات فورية عبر وسطاء». هذا هو رد إسرائيل الاول على إشارات «حماس» الذي يمكن أن يدل على احتمالية تقدم، ولكن الى جانب الاستعداد لإجراء المفاوضات، فان السنوار ورجاله يطلقون التهديدات ايضا. اذا حدث تفشّ للكورونا في غزة فإن ذلك سيؤدي الى إطلاق الصواريخ على إسرائيل.

 عن «هآرتس»