نحو استراتيجية طويلة المدى للتعايش مع "كورونا"

حجم الخط

بقلم: مئير الران، كرنيت فدان وشاحر ايال


بعد مرحلة احتواء أضرار «كورونا» ستدعى إسرائيل الى تنفيذ مرحلة الانتعاش الاقتصادي والاجتماعي. وعلى أساسها أن تكون هنا إدارة تفاوتية، مرنة، وتكسر «روتين الطوارئ»، في ظل التوسيع التدريجي لتواصل وظيفي وفقاً لقطاعات وجماعات سكانية أعيدت الى العمل. هذه السياسة مليئة بمخاطر التدهور الى عدوى لا يمكن التحكم بها. والاعتراف بذلك والإدارة العاقلة من خلال التخطيط الدقيق، والتطبيق المتشدد، والإرشاد المركز، والمرونة التشغيلية ستسمح باتباعها. ان أخذ المخاطر وإدارتها واجبان أيضاً في مجالات المجتمع والاقتصاد، من أجل ضمان الحصانة الوطنية، خلق أساس ضروري للخروج من الأزمة والسماح بنمو متجدد في المستقبل.

          الفرضيات الأساس
-سيبقى «كورونا» هنا لمدى بعيد. يجب الاستعداد لمواجهة طويلة مع أضراره الواسعة على الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين. وتقليص المرض حيوي لتحقيق هدف «تسطيح المنحنى»، ولكن التوقع هو انه مع تحرير القيود ستعود الإصابات لترتفع.
-حتى الآن، الجمهور الإسرائيلي بعمومه يبدي قدرة عالية جداً على التصدي للمرض وتعليمات الحكومة في إطار سياسة الاحتواء والمنع. يعتقد معظم الجمهور بأن سياسة الإغلاق صحيحة. كما أن فكرة المناعة الذاتية والقدرة الذاتية لا تزالان عاليتين جدا.
-السياسة الحالية، كلما اشتدت، تثير مصاعب واضحة على الاقتصاد والمجتمع. والتواصل طويل الزمن للاغلاق المتشدد سيخلق «تعباً نفسياً» وسيصعب على الجمهور الاستجابة للقيود التي تفرض عليه. بل ان المصاعب قد تؤدي الى حالات من السلوك الخطير. واستخدام رسائل التخويف من اجل زيادة الطاعة للتعليمات ناجع في المدى القصير، ولكن ليس في المدى البعيد. وتشديد شروط الإغلاق سيعظم هشاشة المواطنين، وبالتأكيد الضعفاء على اي حال، ومن شأنه ان يمس بالطاعة الطوعية من الجمهور.
- دولة إسرائيل متنوعة في طبيعتها. كما توجد فيها فئات سكانية ضعيفة كثيرة. وعليه فيجب اتخاذ مواقف متفاوتة تجاه كل واحدة منها. فليس فقط من حق الضعفاء أن يتلقوا من الدولة مساعدة مناسبة ومتساوية، بل انه دون مواقف مركزة تجاه الفئات السكانية التي في خطر، يتعاظم جدا أيضاً الخطر على صحة الآخرين.
- على هذه الخلفية لا مفر من الاستعداد مسبقاً لفتح مشروط ومتفاوت لسياسة الإغلاق. توجد أهمية بالتخطيط المنظوماتي المتشدد والتطبيق المركز للتدخلات القائمة على أساس البحث.
خلاصة السياسة المقترحة هي بناء تدريجي لـ «روتين طوارئ» متفاوت، يوازن بين الحرص على الصحة العامة وبين حاجة الاقتصاد لإعادة البناء بسرعة. والغاية هي السماح للفئات السكانية ذات الخطر المتدني بالعودة الى العمل (بقيود) وان تشكل رافعة لعودة وظيفية – اقتصادياً واجتماعياً – للمنظومة الوطنية بكاملها. وذلك بالتوازي مع استمرار العزل للفئات السكانية التي في خطر.
من الحيوي التخطيط لحجارة طريق دقيقة لتطبيق هذه الاستراتيجية، في ظل التحديد الدقيق للفئات السكانية «المتحررة» لفروع الاقتصاد العائدة الى النشاط، للمقاييس لتحديد السياسة ولنجاحها، لمدرجات إزالة القيود ولشروط الانتقال من درجة الى درجة. هذه مشروطة بقدر كبير بتوفر قاعدة معطيات ذات مصداقية. يجب الأخذ بالحسبان مسبقا بان إدارة متغيرة للازمة من شأنها أن تؤدي الى حراكات في حجوم العدوى وأضرارها. فمثلاً، فتح – وان كان منضبطاً – لمؤسسات التعليم من شأنه أن يؤدي الى ارتفاع متجدد في العدوى. وعليه، فهناك اهمية لادارة المخاطر، بمعنى التأكد من وجود الحماية للمواطنين القدامى ولا يوجد اتصال بين التلاميذ والمسنين.

مخاطر تطبيق السياسة الجديدة
المشكلة الأساس في نموذج التحرير المتفاوت هي الانخفاض المتوقع في تأهل الجمهور لمواجهة مخاطر المرض. ومن هناك قصيرة المسافة الى «المنزلق السلس» لتوزيع الاحتكاك العام والعودة الى العدوى الجماعية.
كل فتح للإغلاق لا يمكنه أن يتم بنجاح على مدى الزمن إلا على أساس تعليمات حكومية وإنفاذ شرطي. كما سيكون مطلوباً أيضاً «انفاذ ذاتي» كأساس لسلوك الجمهور. بمعنى انه سيكون مطلوباً إعادة توزيع المسؤولية بين الدولة والمواطن في ظل إلقاء المسؤولية على الفرد ايضا، على انضباطه الذاتي وعلى دوره. فالطاعة الطوعية مهمة لإدارة أزمات طويلة ومعقدة: الحفاظ على الدافعية الذاتية والمسؤولية الشخصية، على أساسها يفعل الجمهور ما يعتقد انه صحيح له. يقوم هذا النهج على أساس «أنظمة الناس الطيبين». والتي في أساسها فرضية أن معظم السكان يتشكلون من «أناس طيبين». الذين في الخليط الصحيح الذي يتشكل من اعطاء معلومات واضحة ودقيقة وتهديد في الخلفية لعقاب متشدد اكثر، سيتعاونون مع تعليمات الحكومة.
كجواب على هذه المخاطر يجب ان يرافق الاستعداد لتطبيق الفكرة التفاوتية، كذلك وعلى نحو خاص في المستوى الاجتماعي، مع الخطوات الأساسية التالية:
في مجال التخطيط يجب أن تتشكل في إطار «كابينت «كورونا»» لجنة مهنية خاصة لتخطيط الخطوات الاجتماعية وتحريكها التدريجي بقرار. يدور الحديث عن تعاون عرضي لازم بين الوزارات الحكومة (المالية، الرفاه، التعليم، الصحة وغيرها)، وكذا ايضا إشراك طولي في التخطيط والتنفيذ مع السلطات المحلية والمجتمع المدني، وكذا بوساطة الجمعيات الاجتماعية الرائدة، التي من المهم مساعدتها على العمل في ضوء المصاعب الحالية. ان مبادئ التخطيط اللازم يجب أن تقوم على اساس نهج التفاوت، المرونة، الشراكة الجماهيرية، والميزانية المناسبة.
يجب أن يكون التنفيذ متدرجا (من ناحية حجم فتح الاغلاق) ومرناً، وفقاً للمعطيات الصحية (المتغيرة؟) المتراكمة. وهو يستوجب أنظمة دقيقة وفقا للفروع الاقتصادية، تقسيم اقليمي وحسب السكان، في ظل مراعاة احتياجات الجماعية الضعيفة، التي يصعب عليها الوصول الى المعلومات. يجب أن يتم في ظل استنفاد كل المقدرات الوطنية، بما فيها الجيش الإسرائيلي، السلطات المحلية، وهيئات المجتمع المدني. أساس الرقابة على تنفيذ التعليمات يجب أن يتم من قبل اماكن العمل وبمسؤوليتها.
الإرشاد لتنفيذ النموذج المقترح يستوجب وقف ميل التخويف التعميمي والانتقال الى إرشاد مفصل ودقيق للمواطنين استناداً الى معطيات علمية تحت عنوان «حافظ انت على نفسك من أجل عائلتك». يجب أن يكون واضحاً بشكل مفهوم ومفصل لعموم الناس ما هو المسموح وما هو الممنوع في كل مجال ولكل فئة سكانية. على الإرشاد أن يتضمن أيضا المستوى الجماهيري العام وكذا المستوى الفردي. في حالة تفعيل سياسة تفاوتية يجب العمل على إرشاد مفصل، وفقاً للقطاعات المختلفة، وهذه مهمة تستوجب خبرات عالية. وللإيصال الناجح للرسائل للجمهور هناك حاجة لناطقين مهنيين. كما ان لزعماء الجمهور على المستوى المحلي، وقادة المنظومات الاقتصادية، دوراً مهماً في الإرشاد، وذلك كمفتاح للحفاظ على ثقة الجمهور بدور الدولة والذي هو رافعة ضرورية لنجاح السياسة الجديدة.
ان الاستراتيجية الطبية التي تشكل حتى الآن المنصة الرائدة لإدارة وضع الطوارئ، تواجه الآن انتقاداً واسعاً. ويتثبت الاعتراف بأنه يجب العيش في ظل «كورونا»، في ظل تقليص الأضرار الحادة التي ستسببها الازمة على الاقتصاد والمجتمع على المدى البعيد. والفرضية لتخطيط استراتيجية الخروج هي أن الأزمة الاجتماعية المتوقعة هي قنبلة موقوتة يجب أن توضع في مقدمة الحوار الجماهيري واتخاذ القرارات. الخوف هو انه قد يغير وباء «كورونا» على مدى الزمن الواقع الاجتماعي – الاقتصادي في إسرائيل، ولكنه سيعظم الوضع القائم. فعدم المساواة والفجوة الاجتماعية – الاقتصادية ستتسع الى حجوم حادة، إذ ان الآثار الاقتصادية ستمس قبل كل شيء بالطبقات الضعيفة، بالمستقلين، وبالأجيرين الذين يضافون كل يوم الى دائرة البطالة المتسعة.
ان السياسة التفاوتية المقترحة هي القاعدة لخلق احتمال لانتعاش سريع للمنظومة الوطنية بعد أن يخبو الوباء. وهي تعبير واضح عن استراتيجية المناعة الاجتماعية التي تقوم على أساس الرأسمال البشري للمنظومة الوطنية. إسرائيل هي مجتمع غني بالرأسمال الاقتصادي، الاجتماعي والقيمي الذي ينكشف في كل مرة يضربه خلل عسير ما. لا يوجد ما يدعو لتكون أزمة «كورونا» مختلفة. المخاطر الكامنة في النموذج المقترح هنا ليست سهلة، ولكن يمكن التغلب عليها وخلق مسار تقدم نحو النمو والعودة الى الحياة الطبيعية.

عن «مباط عال»