بقلم: امنون ريشف
كم من السهل أن تكون جدعون ليفي، المختص بتقسيم العالم ببساطة كبيرة إلى أخيار وأشرار. وبصورة ورعة وشديدة يضع 99 في المئة من أبناء دولته في طرف الأشرار. "الخروج الآن ضد الضم يسيء الى التورع والتملق... مع محاربي عدالة كهؤلاء يُفضل الفاشيون العلنيون"، كتب ليفي ("هآرتس"، 5/4). في تطرقه الى عريضة الـ 220 ضابطا وعضوا ومؤيدا لحركة "قادة من أجل أمن إسرائيل"، التي نشرت في "هآرتس" يوم الجمعة من الأسبوع الماضي، والتي تطلب من بني غانتس وغابي اشكنازي العمل على منع عملية ضم أحادية الجانب، ثمة عرض مدهش، يقدّمه ليفي، على عدم الوعي الذاتي في مقال جميعه ورع.
الهدف السامي لحركة "قادة من اجل أمن إسرائيل"، التي شكلتها قبل خمس سنوات، هو "تعزيز أمن إسرائيل كدولة ديمقراطية، مع اكثرية يهودية مستقرة لاجيال، بروح قيم وثيقة الاستقلال". رؤية الحركة تقول، إن الحل الأمني – السياسي الوحيد الذي يحافظ على هذا الهدف الاسمى هو "دولتان لشعبين"، يكون مشمولا في اتفاق اقليمي. ولكن هذا الحل غير قابل للتطبيق في هذه الاثناء لأسباب معروفة. وأحد الدلائل على صعوبة تطبيقه يكمن في "صفقة القرن"، التي أعلنها الرئيس الأميركي، دونالد ترامب، التي فشلت في خلق شريك في الطرف الفلسطيني أو الاقليمي، وايضا في الجانب الإسرائيلي لمن يؤيدون الاتفاق هناك انتقاد لكثير من عناصرها. ولكن غياب امكانية حل الدولتين، من الممنوع أن يشكل ذريعة لاغلاق الباب أمام اتفاق مستقبلي، وفي الوقت ذاته إشعال المنطقة والمس بأمن مواطني إسرائيل واقتصادها عبر القيام بخطوات ضم خطيرة.
مئات من زملائي يخشون من أن الضم، الآن، سيجبر الجيش الإسرائيلي على إعادة الجنود الى شوارع نابلس وقلقيلية والأزقة والقصبات في المدن، ويعيد الإدارة المدنية الى أيامها "الجيدة" والغالية التي أدارت فيها إسرائيل ومولت احتياجات السكان الفلسطينيين.
هذا ما سيحدث لأن الضم، حتى لو كان جزئياً، سيوضح للفلسطينيين أن إسرائيل اتخذت قراراً بإنهاء عهد التسويات، وتخليد سيطرتها في "يهودا" و"السامرة"، وأن تقرر هي نفسها حدود سيطرة الفلسطينيين ووضع نهاية لحلم استقلالهم. الفلسطينيون، الذين عملوا حتى الآن من اجل تطبيق التنسيق مع إسرائيل والتهدئة، على رأسهم قيادة السلطة وأجهزتها الامنية، سيفقدون مرة واحدة ما بقي من شرعيتهم الجماهيرية. مناخ التنسيق بين اجهزة الامن الفلسطينية وقواتنا لا يتساوق مع حلم الاستقلال الفلسطيني، بل يعتبر خيانة وتعاوناً مع الاحتلال، فالمسافة ستكون قصيرة حتى انهيار هذه الأجهزة. وايضا الوصول الى الفوضى التي "حماس" مستعدة لاستغلالها أفضل من الآخرين.
هكذا ستضطر إسرائيل الى إعادة السيطرة على المدن الفلسطينية التي خرجت منها في العام 1995 في أعقاب اتفاقات اوسلو. وجدعون ليفي يتهمنا بأن تبريراتنا مثلما ظهرت في الوثيقة "تتعلق فقط بالضرر الذي سيلحق بإسرائيل، والثمن المادي الذي سيجبيه منا الضم". نعترف بالتهمة، نحن نرى أمام ناظرينا في المقام الاول مصالح إسرائيل الامنية والاقتصادية والقيمية.
مصلحة إسرائيل الامنية هي عدم إدخال الجنود الى داخل المدن الفلسطينية. وعدم تفرغ الجيش النظامي لمهمات شرطية على حساب الاستعداد للحرب. لم ننس جهود لجنة التحقيق بخصوص الثمن الذي جباه الانتشار في "المناطق"، زمن الانتفاضة الثانية، على حساب الأداء في حرب لبنان الثانية. مصلحة إسرائيل الاقتصادية هي ألا نتحمل تكاليف تمويل حياة ملايين الفلسطينيين، التي تقدر بمبلغ 52 مليار شيكل في السنة. لأن هذه التكاليف ستقع على الاقتصاد الإسرائيلي الذي هو مضعضع في هذه الاثناء بسبب تكاليف ازمة "كورونا". ايضا نخشى من تداعيات ضم ملايين الفلسطينيين على طابع دولة إسرائيل كدولة يهودية وديمقراطية.
مواقف اليمين المتطرف حول الضم المسيحاني ومواقف اليسار المتطرف، المستعد للتنازل مسبقا عن كل الذخر الامني الإسرائيلي، تجتمع حتى توصل الى نتيجة واحدة: كارثة وطنية تتمثل بـ"دولة واحدة لشعبين" ومعها نهاية الحلم الصهيوني. هذا ربما يكون حلم جدعون ليفي، ولكن نحن لنا حلم آخر وهو حلم الدولة الديمقراطية الآمنة مع أكثرية يهودية ثابتة لأجيال.
عن "هآرتس"