في زمن الكرونا سقط شعار الترامبية "أمريكا أولاً"

حجم الخط

بقلم: يحي قاعود

 

تزايدت تكهنات وتصورات المحللين السياسيين والاقتصاديين حول شكل وطبيعة النظام السياسي العالمي ما بعد فيروس كرونا، رغم أن الفيروس لم ينتهى بعد، ولم تصل المعامل المخبرية إلى لقاح، وما زالت الحالة الراهنة، تفشي الوباء في ضوء سياسات دولية متباينة لمجابهة الوباء. وبالرغم من ذلك، أظهر انتشار الفيروس عوار السياسات الترامبية على المستوى المحلي والعالمي، لا سيما الشعار الذي نادى به في استراتيجيته للأمن القومي الأمريكي لعام 2017 "أمريكا أولاً".

إن التنظيرات التي حملتها استراتيجية ترامب لمستقبل الولايات المتحدة الأمريكية تحطمت على صخرة الواقع. ليس لأن الولايات المتحدة أصبحت الدولة الأولى الموبوءة عالمياً وصاحبة أكبر عدد إصابات وتسجل أعلى حالات الوفاة فحسب، بل لأن استراتيجية الإدارة الأميركية اعتبرت الفيروس صينياً وأنها بعيدة عنه ولا يهمها من جانب، واعتبرها ترامب خدعة يستخدمها الديمقراطيين ضده في الانتخابات التمهيدية من جانب آخر.

فيروس كرونا وتناقضات الترامبية

أضعفت سياسة ترامب "أمريكا أولاً" من فرص التغلب على وباء فيروس كرونا، فكانت سياسته متدنية في إدراك خطورة الفيروس على الولايات المتحدة، ليس هذا فحسب. بل في 26 فبراير توقع ترامب بأن عدد المصابين الأمريكيين سينخفض إلى الصفر بسبب الإغلاق، وأصر مستشاره الاقتصادي لاري كودلو أن الولايات المتحدة احتوت التهديد لأن حدودها كانت "قريبة من الإغلاق". ونتيجة سياساته تلك، جعلت الولايات المتحدة من أكثر الدول الموبوءة، حيث بلغ عدد الإصابات 425 ألف إصابة، وأكثر من 14 حالة وفاة حتى الآن، مع احتمالية كبيرة بتزايد عدد الإصابات والوفيات.

بعد انتشار الفيروس في الولايات المتحدة، اتخذت الإدارة الأميركية والكونغرس مجموعة إجراءات لاحتواء الأزمة، حيث أقر الكونغرس في 27 مارس 2020 حزمة تحفيز بقيمة 2,2 تريليون دولار لتوفير الإغاثة الاقتصادية للعمال والشركات الأميركية، وقد شدد ترامب يوم الاثنين 30 مارس 2020 بأن الاقتصاد يأتي في المرتبة الثانية، مؤكداً أن الأولوية الآن هي إنقاذ أرواح الناس من الوباء المتفشي، لافتا إلى أهمية الأيام الثلاثين المقبلة من أجل التصدي لفيروس كورونا.

يؤكد فيليب جوردون في مقالته "أمريكا أولا – خيال خطر في وباء كرونا"، وواشنطن لا تفعل ما يكفي تقريباً لمنع وتخفيف انتشار المرض خارج حدودها، فقد قطعت الإدارة المساعدة الخارجية ورفضت الدبلوماسية، وكانت الحاجة لكليهما مهمة لصحة وسلامة الشعب الأميركي، فالتركيز على مكافحة فيروس كرونا في المنزل مع السماح بانتشاره خارجه سياسه قصيرة النظر.

فيروس كرونا ما بين العالمي والقومي

يصر ترامب على أنه رئيس للولايات المتحدة، وليس رئيس للدول الأخرى، ويتجاهل حقيقة أن فشل هزيمة الوباء في الخارج يقوض القدرة الأمريكية على السيطرة عليه واستعادة الحياة الطبيعية، فقد انتشر الفيروس كالنار في الهشيم بدءً بالمنزل ومن ثم الحي والأوطان بأكملها ثم أصبح وباء عالمي.

سياسة ترامب "أمريكا أولاً" قبل الوباء كانت تقوم على خفض المساعدات الخارجية وتمويل المنظمات الدولية، حيث أعلن ترامب سابقاً "سنقدم فقط المساعدة للذين يحترموننا، وبصراحة أصدقاؤنا". في ظل انتشار الوباء، أصبحت سياسات ترامب، لا سيما شعاره الرئيس "أمريكا أولاً" محل اعتراض الباحثين والكتاب الأمريكيين، وأشاروا بشكل مباشر إلى انعكاسات تلك السياسات على الولايات المتحدة، ومصلحة الشعب الأميركي سياسياً واقتصادياً واجتماعياً.

ليس هذا فحسب، بل أصبح الاعتراض على سياسات جاريد كوشنر الذي عينه ترامب في خلية مواجهة فيروس كرونا شعبياً كبيرة جداً، فقد تصدر وسم "كوشنر أحمق" التريند العالمي على توتير، بسبب تصريحاته وإجراءاته. فالمصلحة الأميركية على المستوى الداخلي معرضة للخطر في زمن الكرونا.

في ذات السياق، أنهى ترامب كل دعم الولايات المتحدة للسلطة الفلسطينية من أجل الضغط على الفلسطينيين لتبني خطة السلام، كما خفض تمويل الوكالات الدولية، وانسحب من اتفاقات دولية وتجارية. كل هذه الخطوات تضر بالجهود الدولية لمكافحة الفيروس الذي لا يعرف الحدود والقيود.

لسنا في عالم أحادي القطبية، وهذا الاتجاه واضحاً منذ عقد من الزمان، كذلك استراتيجية ترامب "أمريكا أولاً" أوضحت أنها لن تسعى لقيادة العالم وتحمل تبعات هذه القيادة، بل تسعى إلى تحقيق مصالحها لا أكثر، وهذه المصالح أصبحت معرضة للخطر مع انتشار الوباء في الولايات المتحدة، واحتلاله قاعدة التصدير والاستيراد في أي وقت ومكان.