نتنياهو يناور بين المركزية والفوضى في إدارة أزمة "كورونا"

حجم الخط

بقلم: عاموس هرئيل


اعتدال منحنى الإصابة والوفاة نتيجة «كورونا» في إسرائيل، وبالأساس استقرار عدد المصابين الذين يحتاجون الى التنفس الاصطناعي، يسرع مؤخرا النقاشات حول استراتيجية الخروج من الأزمة. ورغم أنه من الواضح للجميع أن هذا سيكون عملية طويلة، وأن قيوداً مختلفة يمكن أن يتم فرضها خلال اشهر طويلة، إلا أن وسائل الاعلام والجمهور ايضاً منشغلون، الآن، بدرجة أقل في إحصاء الوفيات، ومن يخضعون للتنفس الاصطناعي، وينشغلون أكثر في موضوع متى وكيف يمكن إعادة الاقتصاد إلى العمل.
التغيير لا يكمن فقط في معطيات الوباء. معظم الإسرائيليين عالقون منذ شهر تقريباً في البيوت، ويخرجون منها فقط لفترة قصيرة وضئيلة. شريحة كبار السن محاصرة ومعزولة، والعائلات التي لديها اولاد صغار تنشغل في محاولة تمرير الوقت. والعائلات التي توجد ايضا في الهامش بسبب الفقر أو اجواء العنف في الساحة البيتية، تزيد الازمة وضعها الصعب أصلاً. بالنسبة للكثيرين هذا عبء نفسي لا يمكن تحمله. وبالنسبة لعدد غير قليل من المواطنين – المستقلين والعاطلين الجدد عن العمل والعمال الذين ما زال استمرار عملهم أمرا مشكوكا فيه – فان الازمة ما زال يرافقها ذعر اقتصادي فوري.
تبرز هذه الظروف ادعاءات من يقللون من خطورة الوضع الصحي. يعتبر «كورونا» مشكلة لشيء آخر: كبار السن (العمر المتوسط للوفيات بلغ أول من أمس 80.3)، الاصوليون (بلدات واحياء للمتدينين هي التي تتصدر قائمة الاصابة)، العرب (في شرقي القدس وفي محيطها تزداد الدلائل على تفشي الفيروس). الذعر من الفيروس يتم استبداله بدرجة من الاستخفاف. وليس صدفة أن الشرطة تبلغ عن هبوط في امتثال المواطنين للتعليمات بعد العيد الأول. هذا نتيجة طبيعية، ليس فقط بسبب التآكل في اعقاب الزمن الذي انقضى، بل بسبب تآكل المعيار المزدوج والمثير للغضب الذي أظهره منتخبو الجمهور عشية عيد الفصح.
          هذه هي خلفية النداءات الكثيرة التي تدعو لتسهيلات سريعة في الاقتصاد. في الخلفية يتطور شك فيروسي بروح اقوال البروفيسور مايكل لويت قبل نحو شهر تقريبا. هل كبار السن يموتون بسبب «كورونا» أو مع «كورونا»، في الوقت الذي يسرع فيه المرض فقط بشكل قليل النتيجة التي لا يمكن منعها لتعقيدات صحية سابقة؟ هل انخفاض عدد الإصابات هو نتيجة الخطوات المتشددة التي اتخذتها حكومة إسرائيل قبل شهر، أو هكذا ببساطة يتصرف الفيروس في أرجاء العالم» يضرب مثل التسونامي وبعد بضعة أسابيع يذوي؟.
في هذه الأثناء يولد أبطال شبكة جدد يشككون في النظام المتشدد الذي تم إملاؤه من الأعلى. البروفيسور اسحق بن إسرائيل، رئيس وكالة الفضاء الإسرائيلية وجنرال في الاحتياط، قال في مقال له بأن ذروة تفشي الفيروس في البلاد أصبحت وراءنا. وأنه يمكن خلال بضعة أيام إلغاء سياسة الإغلاق واستبدالها بـ «سياسة التباعد الاجتماعي المعتدل». عالم النفس، البروفيسور يورام يوفال، كتب أن إسرائيل عالقة في رؤية خطيرة، وهي غارقة في اعداد الوفيات ولا ترى الاضرار الاقتصادية والنفسية الكبيرة التي يتسبب بها الاغلاق.
مؤخرا تم بث عدد من التقارير فيها عدد من التوصيات المتنافسة وأحيانا المتناقضة حول طبيعة ووتيرة الخروج من الأزمة. كل مجموعة خبراء تعرض جدولاً خاصاً بها، وقامت بدعمه بأقوال قاطعة. فقط قاسم واحد مشترك بين الطواقم وهو العدد القليل من علماء الأوبئة وعدد أقل منه من النساء.
ازدياد عدد التقارير هو استمرار للتناقض الغريب الذي من خلاله يدير رئيس الحكومة، بنيامين نتنياهو، الأزمة: بين المركزية والفوضى. الاقتراحات المتنافسة تسمح لنتنياهو بأن يواصل المناورة دون أن ينشر قراراته. فرق تسد. يوم الاثنين نشرت خطة أكثر إلزاماً لهيئة الامن القومي، الجسم الخاضع مباشرة لرئيس الحكومة. ايضا هيئة الامن القومي تتحدث عن عودة الى العمل ضمن قيود كثيرة، بدون رحلات الطيران والسياحة في الصيف، ومع التخوف من عودة تفشي الفيروس في الخريف. في هذه الاثناء يكسبون المزيد من الوقت لجهاز الصحة: يشترون وينتجون المزيد من معدات الحماية واجهزة التنفس، من اجل إبعاده عن نقطة الانهيار في حالة إغراقه بالمصابين.

تغيير واحد ناجع
معظم خطط الخروج من الأزمة لا تتطرق الى عقب أخيل الأكثر بروزاً لمعالجة الحكومة للازمة: الفحوصات القليلة وعملية تحليل النتائج الضبابية وغير الناجعة لها، رغم الوعود المتواصلة لوزارة الصحة باصلاح العيوب. وفي الوقت الذي ما زال فيه عدد الفحوصات اليومي اقل من 10 آلاف، فان التقديرات بشأن ابطاء وتيرة تفشي الوباء لا تدعمها معلومات موثوقة بما فيه الكفاية (خلافاً لعدد المربوطين بأجهزة التنفس الاصطناعي، الذي هو معطى واضح واستقراره مشجع).
في الأسبوع الماضي سئلت وزارة الصحة ما هو متوسط مدة تحليل الفحوصات. والجواب الذي اعطي للصحيفة هو يوم أو يومان. تقرير معهد فيرتنر، معهد الأبحاث التابع لوزارة الصحة، الذي نشر، هذا الأسبوع، يعطي صورة مختلفة، فالمعهد الذي لديه إمكانية كاملة للوصول الى بيانات الوزارة (وهو امتياز يتوسل اليه عبثاً باحثون مستقلون)، يقدر أنه يمر 10 – 11 يوما بين الموعد الذي فحص فيه الشخص الذي اصيب بالفيروس وحتى تشخيصه على أنه مصاب. وحسب تقرير فيرتنر فان نظام الفحوصات ينجح في أن يشخص في الوقت المناسب فقط 20 في المئة من سلسلة العدوى. بكلمات اخرى، الى حين وصول الدولة الى الاشخاص المخالطين للمصاب الاصلي، فان الخيول لن تكون قد هربت فقط منذ فترة من الإسطبل، بل قامت بالدوران حوله ثلاث مرات وذهبت للرعي في المرعى المجاور، وقامت بعدوى جميع المجموعة التالية في السلسلة.
جميع سيناريوهات الخروج مبنية على تخفيض حاد لعدد المصابين اليومي، وعلى إبقائه في مستوى منخفض – 10 فحوصات أو بضع عشرات من الفحوصات في اليوم، مرتبط بطاقم ووثيقة. بسبب ذلك مطلوب زيادة نجاعة دراماتيكية للعملية كلها. حدّد طاقم داخلي لوزارة الدفاع هدف 12 – 16 ساعة من اجل علاج كامل لفحص «كورونا». اعتبر رئيس الأركان، افيف كوخافي، معالجة الفحوصات واحدا من ثمانية مجالات يستطيع الجيش الإسرائيلي تولي معالجتها. ربما يجب دراسة ذلك.
في هذه الأثناء حدث تغيير واحد ناجع. في بداية الأسبوع نقلت صلاحية إعطاء الأمر بإجراء فحص لأطباء العائلة والأطفال في عيادات صناديق المرضى. وحتى الآن وجه الطبيب من أراد فحصهم الى نجمة داود الحمراء وكان إجراء الفحص مرهونا بتقديرات نجمة داود الحمراء، طبقا للأعراض والعبء الواقع على المراكز. منذ الآن ينتقل القرار الى أطباء صناديق المرضى. وهذا يعني المساعدة في تقليل العبء على نجمة داود الحمراء، وفي عدد من الحالات التمكين من فحص اسرع بوساطة مختبرات صناديق المرضى.

توقع الفيروس
طاقم باحثين من التخنيون ومن مستشفى رمبام ومن سلاح الخدمات الطبية ومن شركة إنتل، بلور في الشهر الماضي «خريطة حرارة»، استهدفت المساعدة في التشخيص المسبق لبؤر تفشي الفيروس في إسرائيل، وتشخيص مناطق التفشي السريع وتشخيص مناطق الخطر المنخفض التي سيكون بالإمكان فيها تخفيف مسبق للإغلاق. شخّص النظام الذي طوره الطاقم في مرحلة مبكرة جدا التفشي المتوقع في بني براك والعاد والقدس، في الوقت الذي كان فيه في هذه الأماكن بين 13 – 22 حالة فقط. في الأسبوع الماضي حذر الطاقم من تفشّ متوقع في قريتين عربيتين هما جسر الزرقاء وأم الفحم، وهو ما تحقق فيهما ايضا.
          عضو الطاقم، د. اورون كاسبي، أخصائي قلب في مستشفى رمبام وباحث في التخنيون، قال للصحيفة إن النظام الذي تم تطويره يمكنه أن يساعد متخذي القرارات في إسرائيل قبل تطبيق استراتيجية الخروج من الإغلاق والحاجة الى ادارة سياسة مختلفة في مناطق مختلفة طبقا لتفشي الكورونا. «هذه أدوات ستمكن من فرض الإغلاق بصورة انتقائية وإعطاء قدرة بقاء للاقتصاد وشفافية للمعلومات للأشخاص بخصوص المناطق التي يعيشون فيها. بدرجة معينة، تشبه الطريقة مناطق التحذير لقيادة الجبهة الداخلية من إطلاق الصواريخ».
النظام تم تطويره في البداية كأداة للرقابة، استهدف تركيز البيانات من إسرائيل ومن العالم وفحص العلاقة بين قياسات المناخ ووتيرة تفشي المرض. بهذا الشأن لا يوجد للدكتور كاسبي، للأسف، أي أنباء جيدة قبل الصيف. «حتى الآن لا يوجد ما يكفي من البيانات. وعلى أي حال، لم نجد أي صلة قوية بما فيه الكفاية بين انخفاض وتيرة تفشي الفيروس وارتفاع درجات الحرارة»، قال. «في المقابل، هناك علاقة معينة مع المنخفضات الجوية: عندما يكون مزيد من الامطار فان الفيروس ينتشر بشكل أسرع».

 عن «هآرتس»