أجهزة تنفس اصطناعي لغزة مقابل معلومات عن المفقودين.. ذروة الانحطاط الإسرائيلي

حجم الخط

بقلم: جدعون ليفي


أجهزة التنفس الاصطناعي لغزة، مقابل معلومات، هي ذروة الوضاعة. لو كان في إسرائيل أي ذرة من مشاعر الانسانية تجاه سكان غزة، على الاقل في فترة «كورونا»، لألغت فوراً كل المحظورات، وسمحت بتقديم مساعدة طبية واقتصادية غير محدودة للقطاع. ولو كانت ستظهر تسامحا اكثر وقدرا اقل من التحدي، لكان يمكنها التوصل الى صفقة لتبادل الاسرى والجثث مع «حماس».
ولكن في إسرائيل، التي انقلب فيها كل شيء بسبب «كورونا»، فقط بقي هناك أمر واحد على حاله، مغلقا وفظا: الحصار على غزة. كل العالم تغير باستثناء السجن الكبير الذي فيه ينتظرون بذعر تفشي الوباء في ظل وجود 65 جهاز تنفس، ودون أجهزة فحص لأكثر من مليوني شخص، ومع وجود ابواب مغلقة مفاتيحها في أيدي السجان الإسرائيلي.
هذه هي ذروة الوضاعة: يوم الاثنين الماضي، نشرت «هآرتس» بأن «حماس» يمكن أن تقدم معلومات عن المفقودين مقابل اجهزة التنفس. وسارعت مصادر إسرائيلية الى نفي مجرد التفكير بأن هذه الأجهزة سيتم نقلها الى غزة. وفي أعقاب ذلك نفت «حماس» النبأ. ولكن إزاء مشهد العنوان، «معلومات مقابل أجهزة تنفس»، لم يمكن بالامكان تجنب الدلالات التاريخية للنبأ.
لقد ذكرني هذا العنوان بعنوان «يهود مقابل شاحنات»، صفقة إسرائيل كستنر. لا، هذا ليس الشيء ذاته، بل أبعد من ذلك. غزة غير معرضة لكارثة، بل فقط كارثة انسانية أبعادها تزداد في أيام الوباء. ولكن اذا كان هناك شخص ما في إسرائيل خطر بباله إجراء مفاوضات بشأن توفير اجهزة تنفس لغزة ووضع شروط معينة لنقلها، فإن المقارنة القاسية تصبح أمراً لا يمكن منعه.
في غزة، يوجد فقط 65 جهاز تنفس، لأنها مسجونة منذ 15 سنة تقريبا على أيدي إسرائيل. حقيقة أن جنرالا إسرائيليا يقرر ماذا يدخل اليها، وبالأساس ما لا يمكن إدخاله، تصرخ حتى عنان السماء. من أين جاء الحق لهذا الجنرال الإسرائيلي كي يقرر كم من أجهزة التنفس سيكون لغزة؟ وأين الشر في ذلك؟ عندما تريد تركيا مساعدة غزة فإن إسرائيل تضع العقبات. بدلاً من أن تسارع وتقدم لها القليل من أجهزة التنفس التي سرقها «الموساد» من العالم، حسب الاقوال المتبجحة لرؤسائه، وبدلا من الطلب من العالم «لا تنسوا غزة»، فإن غزة تختنق مع وجود 65 جهاز تنفس، هي فقط مثال على ضائقتها.
في الخلفية، توجد صفقة تبادل الاسرى والجثث. شخص ما اعتقد أنه في ظل وجود «كورونا» يمكننا ابتزاز صفقة. أوقفت غزة إطلاق النار منذ تفشي الوباء. حتى أنه لا توجد بالونات. إسرائيل كان يجب عليها أن ترد ببادرة حسن نية. ولكن في إسرائيل بادرة حسن النية هي اشارة إلى الضعف.
إن سؤال من هو الزعيم الأكثر انسانية، بنيامين نتنياهو أم يحيى السنوار، سؤال مفتوح. نتنياهو مثل أسلافه مسؤول عن التنكيل بعدد اكبر من بني البشر. الذخر الوحيد الذي يوجد في أيدي السنوار هو مدنيان وجثتان. يريد السنوار اطلاق سراح القليل من آلاف أبناء شعبه المسجونين في إسرائيل، عدد منهم سجناء أمنيون، أو الذين فرضت عليهم عقوبة قاسية. هو يريد أن يطلق في البداية سراح كبار السن والمرضى والنساء والقاصرين والـ 55 سجينا الذين أعادتهم إسرائيل الى السجن بصورة فضائحية بعد صفقة شاليت، انتقاما لاختطاف الفتيان الثلاثة، كخضوع لشروط المستوطنين.
دولة انسانية كانت ستطلق سراح كل هؤلاء دون شرط، كبادرة حسن نية ازاء «كورونا». إسرائيل غير مستعدة في هذه الاثناء لإطلاق سراحهم حتى في صفقة، حيث يجب علينا أن نري «حماس» من هو الأكبر ومن هو الأقوى.
بقي علينا فقط أن نفكر بضائقة سكان غزة العاجزين، وبخوفهم من الوباء الذي ليس هناك أي رد عليه في غزة، وبالضائقة النفسية والاقتصادية المتفاقمة. في بداية الشهر الحالي قرر الجنرال الإسرائيلي منع نقل معدات اتصالات وحواسيب الى القطاع، وهي معدات حيوية جداً في أيام الوباء، بذريعة أن معدات مشابهة سرقت في غزة. إسرائيل أيضا عادت ورشت جواً الحقول قرب الجدار. حملت الرياح المواد السامة الى مخيمات اللاجئين ومعها النوايا الإسرائيلية المسمومة أكثر، الى أحياء اليأس والضائقة والخوف.

عن «هآرتس»