أبو جهاد إلى جنات الخلد في ذكراه الثانية والثلاثين

حجم الخط

بقلم : عباس زكي

 

عضو اللجنة المركزية لحركة فتح

المفوض العام للعلاقات العربية والصين الشعبية

يصادف اليوم الخميس 16 / 4 / 2020 الذكرى الثانية والثلاثين لاستشهاد القائد الحبيب خليل الوزير " أبو جهاد " أول الرصاص وأول الحجارة " أمير الشهداء " الذي استشهد في السادس عشر من شهر نيسان / ابريل عام 1988 في اكبر عملية اغتيال نفذتها قوات الكوماندوز الإسرائيلية في تاريخها والتي شاركت فيها آلاف العناصر من الأجهزة العسكرية الإسرائيلية والأذرع الأمنية بما في ذلك السفن الحربية وسلاح الجو حين هاجمت فرقة الكوماندوز الإسرائيلية منزله في ضاحية سيدي بوسعيد شمالي العاصمة التونسية، وأطلقت عليه الرصاص فاستقرت سبعون رصاصة غادرة في جسده الطاهر تعبيرا عن حقد المؤسسة العسكرية الإسرائيلية لهذا البطل الذي وصفته بأنه الأخطر على الكيان الإسرائيلي. فكان أبو جهاد والذي استخدم سلاحه في اللحظة الأخيرة تجسيدا لمصداقيته وإيمانه بالكفاح المسلح حتى آخر لحظات حياته وتعليماته للقيادة الموحدة للانتفاضة في آخر ما خطت يداه " استمروا في الهجوم... لا صوت يعلو فوق صوت الانتفاضة " .

كان يوم استشهاده هاما في حياة الشعب الفلسطيني، يوم اندلاع نيران الغضب برحيل أربعة وعشرين شهيدا لمرافقته إلى جنان الخلد... كان يوم الإجماع العربي على تكريم الراحل الكبير في احتضان جثمانه الطاهر، فتسابقت العواصم العربية على تكريم جثمانه وأعلنت عن استعدادها لاستقباله واحتضان ترابها لجثمانه الطاهر إلى حين دفنه في القدس بعد التحرير... فانطلقت الأصوات من عدن وصنعاء ودمشق مرحبة به بطلا فلسطينيا وعربيا وحرا من أحرار العالم إلى أن فازت دمشق العروبة باحتضان جثمانه الطاهر على الرغم من احتضانها للانشقاق المدمر وسيل التهم والتراشقات ... فكان أبو جهاد شهيدا كما كان حيا يمثل القاسم المشترك والنموذج في البطولة والطهر الثوري ونقاء السريرة والروح والنفس باذلا ما يستطيع لتحرير فلسطين، فارتقى فوق كل الفصائل والأحزاب والتنظيمات، وظهر ذلك جليا في الموكب الجنائزي المهيب في شوارع دمشق بوداع بطل عربي تجاوزت جنازته المليون، فجسد أبو جهاد عروبة فلسطين ومركزيتها للأمة العربية، وجسد بعدها الأممي باعتباره قائدا في حركة التحرر العالمي، فقد جسد هيبة الفلسطيني بدب الرعب في قلوب الأعداء حين وصفه القادة الإسرائيليون بأنه الأخطر في تاريخ الكيان الإسرائيلي، حين عبر موشيه يعالون وزير الأمن الإسرائيلي الأسبق بأنه أطلق النار على رأس أبو جهاد للتأكد من قتله، جسد أبو جهاد الكرامة الفلسطينية، ومضى مزهوا بانجازاته، وبما يملك من محبة لدى جماهير الأمة وكل أنصار السلام وأحرار العالم.

وشاء القدر أن يتصادف استشهاد ابو جهاد في ذكرى يوم الأسير الفلسطيني الذي طالما عمل جاهدا على أسر جنود الكيان الإسرائيلي لإطلاق سراح أسيراتنا وأسرانا البواسل من سجون الاحتلال كما حصل حين تم أسر ثمانية جنود إسرائيليين عام 1983 وتم حينها إطلاق سراح آلاف الأسرى الفلسطينيين من سجون الاحتلال. واليوم أشعر بالحزن العميق لوجود آلاف المناضلين من حركة فتح الذين ما زالوا خلف قضبان سجون الاحتلال، وفي مقدمتهم الفارسين القائدين عضوي اللجنة المركزية لحركة فتح... مروان البرغوثي الذي يدخل عامه التاسع عشر وأخيه كريم يونس الذي يدخل عامه التاسع والثلاثين على الرغم من كل الاتفاقيات التي تم توقيعها مع الكيان الصهيوني، كما أشعر بالمرارة الشديدة ونحن نقف عاجزون عن إنقاذ حياة مناضلينا، وبخاصة في ظل تفشي هذا الوباء أو الجائحة التي تشكل خطرا على حياتهم والبشرية جمعاء، وتفرض تغييرا في المعادلات الدولية .

رحم الله ابو جهاد في ذكراه الثانية والثلاثين، فقد كان قائدا من العيار الثقيل، وكان بمقدار ما يتمتع من ثقة بالنفس متسامح وكلما ارتفع تواضع ...

ونقول في ذكراه ما قاله الشاعر:

" كان صامتا لو تكلما.... لفظ النار والدماء... .. قل لمن عاب صمته... ..خلق الحزم أبكما ...