في يوم الأسير ... كل الناس أسرى!

حجم الخط

بقلم: حمدي فراج

 

تنتصر الحياة على الموت لأن هناك شمس تسطع على الارض التي ثلثيها ماء ، ما معناه ان الكورونا وما معه من كل الاوبئة و بقية زملائه من الفيروسات الطبيعية والصناعية التي خرجت او أخرجت للناس خلال العقود الاخيرة ، لن تستطيع القضاء على الحياة ، لا ولا الحروب الكونية التي فتكت بنحو مئة مليون انسان ، ومعها الاسلحة التي طورها هذا الانسان خلال حقبة صغيرة من حياته مقياسا بعمره الطويل وعمر الكوكب الذي يمتد لمليارات السنين الماضية والآتية على حد سواء .

وكما تنتصر الحياة على هذا الموت وهذا الفتك الفيروسي ، ينتصر السجين على السجان ، الذي يحل عيده الفلسطيني في ظل الجائحة دون احتفالات كالتي اعتاد ان يشهدها ، بعضهم لأربعين سنة داخل الباستيلات ، انحسر فيها زائريه الا من قربى من الدرجة الاولى ، وها هو من تنتهي مدة محكوميته يذهب من القيد الى الحجر دون احتفالات شعبية او حتى تسليم او عناق .

ينتصر السجين على السجان ، حين يرى ان الناس اصبحوا مثله سجناء في بيوتهم ، بمن في ذلك السجانين وعائلاتهم واطفالهم واصحابهم وزملائهم و رؤسائهم ، كلهم في حبس منزلي تتقاطع قسماته الى حد كبير بقسمات سجنه وزنزانته وصباحاته المتشابهة ، تناول الطعام ، الخروج الى "الفورة" العودة الى البرش ، القيلولة ، السهرة ، المسلسل ، بعض القراءة ، العشاء ، الحمام ، النوم ، فصباح جديد . مع فارق ان الاسير ينتظر الافراج بمضي يوم قديم ، في حين ينتظر الاخرون مضي اليوم دون ان يكون الفيروس قد أتى عليه او على احد أحبائه .

لم يقتصر الحجر ، او الحبس المنزلي ومنع التجول على الفلسطيني او الاسرائيلي ، سجينا وسجانا ، بل على الاردني والامريكي والسعودي والفرنسي والمصري والاسباني والكوري والياباني والقطري والايراني والالماني ...الخ ، لقد طال كل العالم تقريبا ، بل انه طال البعض في مقتل حقيقي ، كايطاليا ذات التاريخ الانساني العريق ، وامريكا ذات القوة والمنعة والسمعة ، وبريطانيا "العظمى" في رئيس وزرائها الذي كاد الفيروس ان يطبق عليه وتم تخليصه من براثنه في آخر لحظة . أطبق على دور العلم والصناعة والزراعة والثقافة والرياضة ، حتى دور الله لم تسلم منه ، لقد اطبق على عيد اليهود والمسيحيين والاسلاميين الذين ما انفكوا يتصارعون رغم الههم الواحد ، ليس فقط على عيد الاسرى .

ينتصر السجين على السجان ، لطالما ان الاول ينشد الحرية ويقاتل من اجلها ، فيصبح عنوانا لها ، في حين يكون السجان هو قامعها ومانعها، ما عبر عنه احمد مطر شعرا:

بيني وبين حارسي جدار / وفتحة في ذلك الجدار / يرى الظلام من ورائها وارقب النهار / حدثني الجدار عن اسد سجانه حمار !