بقلم: سامي بيرتس
الإنجاز الاقتصادي الأكبر خلال العقد الأخير في إسرائيل هو نسبة البطالة المنخفضة، التي انخفضت بصورة مستمرة إلى أن وصلت إلى 3.4 في المئة في شباط 2020. بعد شهر قفزت البطالة إلى ذروة تاريخية بلغت 26 في المئة. هذه القفزة، وهي الأكثر حدة من أي وقت سابق، تسحق جهوداً استمرت سنوات.
هذه العملية مرتبطة بنظام يمكّن من دفع بدل بطالة للعمال الذين تم إرسالهم في إجازة من دون راتب. في دول كثيرة اختاروا طريقة أخرى: تعويض المشغلين شريطة أن يستمروا في تشغيل العمال. هنا وفرت الحكومة للمشغلين قراراً سهلاً: إرسال العمال في إجازة من دون راتب. وهكذا يمكنهم الحصول على بدل البطالة.
يبدو أن النتيجة في الحالتين متشابهة. الدولة هي التي تدفع الأجور للعاطلين عن العمل، ومن تم إرسالهم في اجازة من دون راتب. لكن فعلياً هناك فرق دراماتيكي في المفاهيم الإحصائية. لأن كل عامل في إجازة من دون راتب يسجل «طالب عمل»، وبهذا يزيد نسبة البطالة ويوصلها إلى ارتفاعات مذهلة.
السؤال المهم هو كم من بين مئات آلاف الأشخاص، الذين أرسلوا في إجازة من دون راتب، سيعودون إلى أماكن عملهم؟ التقدير هو أن 30 – 40 في المئة منهم سيبقون عاطلين عن العمل. هذا يعني استغراق الكثير من الوقت من أجل تكرار إنجاز البطالة المنخفض الذي سجل هنا في السنوات الأخيرة.
هذا الإنجاز ليس صدفياً: هو نتيجة سلسلة خطوات تمت في الاقتصاد خلال 15 سنة.
كانت البداية قاسية قليلاً، عندما قرر وزير المالية، بنيامين نتنياهو، تقليص جميع أنواع المخصصات وصك مفهوم «من المخصصات إلى العمل». هذه لم تكن قسوة بحد ذاتها، بل محاولة لمواجهة ركود كبير استمر ثلاث سنوات في فترة الانتفاضة الثانية وأزمة الدوت كوم. كلف هذا نتنياهو هزيمة في صناديق الاقتراع في العام 2006 حين حصل «الليكود» على 12 مقعداً فقط. ولكن أيضاً حرك تغييراً كبيراً ودفع الناس إلى سوق العمل.
في حكومة أيهود أولمرت تم القيام بخطوة أخرى عندما تم فرض ضريبة دخل سلبية: منحة لمن يعمل وأجره قليل جداً. كان تقليص المخصصات العصا، وكانت منحة العمل هي الجزرة. بعد ذلك جاءت جزرة أخرى، ارتفاع متواصل في أجر الحد الأدنى والذي زاد جدوى الخروج إلى العمل.
كل ذلك معاً خلق الأرضية للسياسة الاقتصادية التي طبقت منذ ذلك الحين وحتى الآن، والتي تشجع الخروج إلى العمل وليست سخية تجاه من لا يعمل. نمو الاقتصاد، وبالأساس فروع مثل الهايتيك والاتصالات والإعلام والفروع المالية والخدمات التجارية والعامة، خلق الكثير من أماكن العمل في العقدين الأخيرين بصورة مباشرة وغير مباشرة. وحول هذه المجالات تطورت دوائر تشغيل أخرى في المطاعم والمواصلات وفي أوساط مقدمي خدمات كثيرين، أوصلت الاقتصاد إلى ذروة في نسبة المشاركين في سوق العمل ونسبة بطالة منخفضة.
حدث هذا رغم جهود الحكومة لدمج مجموعتين سكانيتين – رجال متدينين ونساء عربيات – في سوق العمل، حيث أعطت نتائج متوسطة. ولكن في حالات أخرى (مثل نساء متدينات ورجال عرب) وفي باقي المجموعات السكانية رأينا نجاحاً باهراً. أحد التساؤلات، التي رافقت عملية الهبوط المتواصل في نسبة البطالة، كان حول نوعية الوظائف التي وجدت: هل يدور الحديث عن وظائف مجدية وقابلة للحياة أو عن وظائف جزئية وهشة؟ هذا وفر الكثير من المواد للنقاشات الأكاديمية. ولكن من أجل الإجابة عن السؤال كان مطلوباً صدمة اقتصادية. لا أحد قدر بأنه ستأتي صدمة كبيرة ومضعضعة يمكنها استبعاد مئات آلاف الوظائف، وأن تكشف لنا أنه حتى الوظائف التي اعتبرت مستقرة وآمنة تختفي بين عشية وضحاها.
كل يوم يعمل فيه الاقتصاد ليس بصورته الكاملة يزيد المخاطرة على وظائف كثيرة: من كل الأنواع وفي فروع كثيرة. يحدث هذا حيث مئات آلاف المستقلين، الذين مشغلوهم مشلولون في أعقاب الأزمة، لم يتم حتى دخولهم إلى إحصائيات البطالة. الإنجاز العظيم للعقد الأخير معرض لخطر كبير، ومن شأنه أن يتحول إلى الفشل الكبير لأزمة «كورونا». الضغط الذي تمارسه القيادة الاقتصادية على رئيس الحكومة لفتح الاقتصاد وفي أسرع وقت يرتبط مباشرة بهذا الخوف.
عن «هآرتس»